كريتر نت / وكالات
يواجه المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، اتهامات من الحكومة اليمنية بأنه “غير جدير بمهمته، ويريد فقط تحقيق مكاسب مهنية من خلال الاستمرار في مهمته التي فشل فيها حتى اللحظة”.
وبينما كان غريفيث، يشيد -خلال إحاطته التي قدمها لمجلس الأمن في منتصف مايو/ أيار الجاري- بما تحقق في مدينة الحديدة، كانت المعارك قد تجددت بين الحوثيين والقوات الحكومية.
وقال غريفيث: “لقد غادرت قوات الحوثيين الآن الموانئ الثلاثة. أود أن أهنئ الجنرال مايكل لوليسغارد وفريقه (المراقبين الدوليين) على هذا الإنجاز، وأعرب عن امتناني لهم على ثباتهم في دعم اتفاق الحديدة”.
وأضاف: “هذا التقدم سيمكن الأمم المتحدة من دور رائد في إدارة وتفتيش الموانئ، حيث المفتشون مستعدون للانتشار”.
غير أن الواقع كان مغايرًا، حيث انسحب مسلحون من الموانئ، وحل محلهم حوثيون آخرون، لكنهم كانوا يرتدون زيًا موحدًا لقوات خفر السواحل، حسبما أفاد الضابط عبده حزام، القائد الميداني في القوات الموالية للحكومة.
وقال “حزام”: “يريد غريفيث أن يغيّر الواقع، للأسف هو شخص غير جدير بمهمته، يريد فقط أن يحقق مكاسب مهنية له من خلال الاستمرار في مهمته التي فشل فيها حتى اللحظة، فلا اتفاق السويد تم تنفيذه ولا توقفت المعارك”.
وأكد أن المعارك لا تزال مستمرة في محيط مدينة الحديدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر، التي تخضع لسيطرة الحوثيين، وتطوقها القوات الحكومية من الجنوب والشرق منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأضاف: “أدت المعارك خلال اليومين الماضيين إلى مقتل امرأتين وشخص ثالث، فيما تسبب القصف المدفعي للحوثيين، الأربعاء الماضي، بإصابة أسرة كاملة بجروح بليغة في منطقة حيس”.
وتوصلت الحكومة والحوثيون في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى اتفاق في السويد برعاية الأمم المتحدة، ينص على سحب قوات الحوثيين من الحديدة وموانئها، بحلول 7 يناير/ كانون الثاني الماضي، لتفادي هجوم شامل للقوات الحكومية.
لكن الخلاف بين الطرفين حول تفسير بنود الاتفاق أجّل تنفيذه، وبدا غريفيث عاجزًا عن تحقيق أي تقدم، وفي مطلع الشهر الجاري أعلن الحوثيون عن انسحاب أحادي من الموانئ الثلاثة.
كان ذلك بمثابة طوق نجاة لغريفيث، الذي أعلن على الفور ترحيبه بالخطوة؛ رغم كونها تتعارض مع اتفاق السويد الذي نص على أن تشرف لجنة التنسيق المشتركة على انسحاب جميع الأطراف.
وتشكلت لجنة التنسيق المشتركة بناء على اتفاق السويد، وتضم في عضويتها ثلاثة ممثلين عن الحكومة، ومثلهم من الحوثيين، بالإضافة إلى مراقبي الأمم المتحدة برئاسة الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد.
وفي هذا الصدد، قال مصدر رفيع في الحكومة اليمنية، فضّل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، إن “ما يسوق له المبعوث الأممي هو حلول فضفاضة لا ترقى إلى مستوى تعقيدات الأزمة”.
محادثات اقتصادية متعثرة
وبموجب اتفاق “الحديدة”، عقد وفدا الحوثيين والحكومة اليمنية اجتماعًا في العاصمة الأردنية عمّان، برعاية الأمم المتحدة، لمناقشة الإيرادات القادمة من الموانئ الثلاثة التي انسحب منها الحوثيون، وهي الحديدة ورأس عيسى والصليف.
وقضى اتفاق السويد، بأن ينسحب الحوثيون من الموانئ ومدينة الحديدة، مقابل أن تتحول إيرادات الموانئ التي تقدر بعشرات ملايين الدولارات سنويًا إلى البنك المركزي في المدينة، الذي سيشرف عليه البنك الرئيسي للحكومة.
لكن المحادثات فشلت في التوصل إلى اتفاق، وقال مصدر مفاوض من الجانب الحكومي، إن المبعوث الأممي لم يحضر المحادثات التي استمرت ثلاثة أيام، وكانت المحادثات -التي لم يلتقِ فيها الطرفان- تنقصها الجدية.
ووصف تقرير لمركز “صنعاء للدراسات الاستراتيجية” (غير حكومي)، أعده الباحثان سبنسر أوسبرغ وهانا باتشيت، المحادثات في عمان بأنها كانت “مجرد رحلة أخرى مع بدل سفر”.
وقال التقرير، إن الأمم المتحدة بدت غير راغبة في أن تكون مهندس الصفقة الاقتصادية، على الرغم من أن القضايا الأساسية التي تحول دون تنفيذ اتفاقية الحديدة هي بطبيعتها مالية واقتصادية في المقام الأول.
وأشار إلى أن “المسألة الاقتصادية هي ذات الأولوية القصوى الآن”؛ لكن من بين 90 موظفًا في مكتب غريفيث، كان هناك موظف واحد فقط متخصص بالاقتصاد، ما يكشف عن عدم رغبة غريفيث بالتوسط في الملف المتنازع عليه.
غضب حكومي
دفعت تحركات غريفيث الحكومة اليمنية لإعلان غضبها، وقال المتحدث باسمها، راجح بادي في وقت سابق، إن “المبعوث الأممي مارتن غريفيث لم يعد نزيهًا ولا محايدًا في أداء المهمة الموكلة إليه”.
ووصف نائب رئيس المخابرات، اللواء محمد عيضة، وهو عضو في لجنة التنسيق المشتركة، غريفيث بـ”الكذاب الدولي”، وقال في تدوينة على حسابه بموقع “فيسبوك” إن إحاطة غريفيث لمجلس الأمن كانت “أكاذيب”.
غير أن الموقف الأهم، هو دعوة البرلمان اليمني الحكومة إلى مقاطعة غريفيث، وإعلانه أن “السياسة المتبعة من قبل المبعوث الأممي لا تؤدي إلى تحقيق السلام المنشود، بل ستؤدي نتائجها لإطالة أمد الحرب”.
لكن المصدر الرفيع في الحكومة، استبعد أن تقاطع الحكومة غريفيث، الذي يتمتع بدعم دولي خصوصًا من الحكومة البريطانية، فموقفه والسفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون يسيران في اتجاه واحد.
ويرى مراقبون للشأن اليمني، أن وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، وهو من أبرز الشخصيات الدولية تأثيرًا في الملف اليمني، يقف بقوة خلف تحركات غريفيث، لاسيما أن الأخير بريطاني الجنسية.
وشرع هانت أول مارس/ آذار الماضي بإجراء جولة إقليمية بما في ذلك زيارة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، وكانت زيارته لليمن أول زيارة يقوم بها وزير خارجية غربي منذ بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية في مارس/ آذار 2015، كما أنها تعد أول زيارة يقوم بها وزير خارجية بريطاني إلى اليمن منذ عام 1996.
مسار خطير
من جانبه، اعتبر الباحث السياسي، نبيل البكيري، أن الأمم المتحدة تتصرف بموجب البند السابع الذي صوّت عليه المجلس عام 2014، الذي يجعل اليمن تحت الوصاية.
وقال البكيري، وهو رئيس المنتدى العربي للدراسات بصنعاء، إن اليمن كانت متجهة إلى حل، لكن الأمم المتحدة فرطت بالحل والدولة والجيش والقضية فوصلت الأمور إلى قتال وحرب وتشظ وصراع يزداد تعقيدًا كل يوم.
وأضاف أن المبعوث الأممي “يحاول من خلال مسرحيته تحقيق نجاح شخصي على حساب القضية اليمنية المدعومة دوليًا بقرارات أممية، وعلى رأسها القرار 2216، وتجاوز ذلك للهروب إلى مسرحية ستوكهولم التي لم يلتزم بها هي الأخرى”.
ووصف البكيري المسار الذي يريد غريفيث جر الملف اليمني إليه بـ”المسار الخطير على اليمن، لأنه مسار قائم على الاعتراف بسلطة المليشيات ودمجها في العملية السياسية لشرعنتها وشرعنة مكاسبها التي حققتها بالسلاح لا بالسياسة”.
وطالب البكيري الحكومة بممارسة مزيد من الضغط من خلال رفض التعامل معه والمطالبة بتغييره.
وتبذل الأمم المتحدة جهودًا للتوصل إلى حل سلمي ينهي الحرب، التي جعلت معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
ويزيد من تعقيدات النزاع اليمني أن له امتدادات إقليمية، فمنذ مارس/ آذار 2015، يدعم تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، القوات الموالية للحكومة، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران.