كريتر نت / BBC
عادت موجة الحر الشديد التي تغمر معظم دول أوروبا الغربية بالأذهان إلى صيف عام 2003 الذي لقي فيه عشرات الآلاف من البشر في القارة العجوز مصرعهم.
وليست موجات الحر الشديد أمرا غريبا في أوروبا، إنما النادر هو أن تأتي إحدى تلك الموجات في وقت مبكر من الصيف. وتتخذ خدمات الطوارئ أعلى درجات التأهب لمواجهة هذا التحدي.
وليست أوروبا وحدها التي تضربها الموجات الحارة؛ ذلك أن أكثر من مئة ألف شخص لقي حتفه في ولاية بهار شمالي الهند حيث تخطت درجات الحرارة الأسبوع المنصرم حاجز الخمسين درجة سيليزية.
ولكن، كيف تؤدي موجات الحر إلى الوفاة، وماذا في إمكاننا أن نفعل حتى نحمي أنفسنا من ارتفاع درجات الحرارة لفترات طويلة؟
الفئات المعرضة للخطر؟
يتزايد بشكل كبير عدد من يتعرضون لموجات حرارة شديدة في القرن الحادي والعشرين.
وبين عامي 2000 و2016 زاد عدد من يتعرضون لموجات الحرارة المرتفعة بحوالي 125 مليون شخص، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وشهدت هذه الفترة عددا من الوقائع الصعبة، منها ما وقع في 2003 والتي لقي فيها 70 ألف شخص مصرعهم في أوروبا نتيجة للحر الشديد؛ وواقعة أخرى في 2010 والتي شهدت زيادة في عدد الوفيات بنحو 56 ألف شخص إبان موجة حر استمرت نحو 44 يوما في روسيا الاتحادية (بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية).
ويعتبر كبار السن والحوامل والأطفال من بين الفئات المعرضة للخطر بسبب ضعف مناعتهم.
وكذلك الذين تضطرهم ظروف عملهم إلى العمل تحت الشمس كالمزارعين وممارسي الرياضة. وهذه الفئات أكثر عرضة للخطر لأن الجهد البدني يرفع درجة حرارة الجسد أيضا.
الحرارة والجسد
باعتبارنا كائنات ذات معدلات حرارة ثابتة، فإن أجسامنا تحارب من أجل الحفاظ على درجة الحرارة الداخلية حول 37 درجة سيليزية.
وعندما ترتفع درجة حرارة المحيط، فإن الجسم يحاول أن يفقد الحرارة.
وقال منسق الصحة الأوروبي في الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر، دافرون محمدييف: “إذا طال أمد ارتفاع درجة الحرارة الداخلية للجسم بفعل التعرض لدرجات حرارة مرتفعة لفترات طويلة، فإن ذلك يمثل خطورة”.
ويضخ القلب المزيد من الدماء صوب سطح الجلد، حيث يمكن فَقْد الحرارة وإخراجها إلى الهواء. وهذا هو السبب في احمرار جلد بعض الناس في البيئات الحارة.
أعراض ضربة الشمس
الصداع والشعور بالدوخة وعدم الراحة
القلق والارتباك
ارتفاع حرارة الجسم وجفاف الجلد
تدهور سريع في مستوى الاستجابة
سرعة النبض والخفقان
درجة حرارة الجسم فوق 40 سليزية
العرق
نحن أيضا نتصبب عرقا. وتساعد آلية التعرق في خفض درجة حرارة الجسم، لكن جدوى ذلك تقل بشكل ملحوظ إذا ظلت درجة حرارة المحيط كما هي أو كانت أعلى من درجة حرارة الجلد.
يقول محمدييف: “تشكل درجات الحرارة فوق 37 سيليزية خطورة. وفي الأيام التي تزيد فيها درجات الحرارة عن 30 درجة سيليزية، ينبغي أن نبدأ في اتخاذ تدابير وقائية. كما تلعب الرطوبة دورا؛ ففي ظل ارتفاع معدل الرطوبة يتعذر إفراز العرق ومن ثم خفْض درجة حرارة الجسم”.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن “ارتفاع درجة حرارة الجسم جراء التعرض لمحيط تتجاوز درجة حرارته المعدلات الطبيعية يؤثر بالسلب على قدرة الجسم على ضبط درجة الحرارة الداخلية مما يمكن أن يسفر عن مجموعة من الأمراض منها التشنجات والإجهاد وضربة الشمس وسخونة البدن”.
التأثير على الصحة
قد يتمثل الأثر المبدئي في حدوث ورم أو طفح جلدي.
تقول خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة: “مع بذل مزيد من الجهد البدني، تتسع الأوعية الدموية ويمكن للسوائل أن تتسرب عبر جدران تلك الأوعية. وهذا بدوره يسبب تجميعا للسوائل أو تورما في القدم والكاحل والساق على نحو ما يختبر البعض”.
ويمكن لخسارة السوائل جراء العراق مصحوبة بانخفاض ضغط الدم أن تؤدي إلى مزيد من المشاكل الخطيرة.
نوبات قلبية
إذا ما تعرض شخص للحرارة الشديدة لفترة طويلة فإن احتمالات إصابته بنوبات قلبية تتزايد.
يقول توني ستابز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة القلب في استراليا: “يؤدي العرق إلى جفاف الجسد، مما يقلص كمية الدم، والذي يتطلب بدوره ضخا أقوى من القلب لتوزيع ما تبقى من كمية الدماء حول الجسد”.
ويضيف: “وبالنسبة لأولئك الذين يعانون أمراضا في القلب والمعرضين بقوة لنوبات قلبية، يمكن في ظل أمثال تلك التغيرات أن تتردى حالة القلب على نحو قد ينتهي أحيانا إلى سكتة قلبية”.
ضربة شمس
فضلا عن التأثير السلبي على القلب والأوعية الدموية، يمكن للتعرض الطويل لدرجة الحرارة المرتفعة أن يؤدي إلى ضربة شمس، والتي تتطلب عناية طبية فورية.
وتحدث الإصابة بضربة الشمس نتيجة فشل في التحكم في هرمونات في الدماغ في منطقة من المخ تسيطر على وظائف جسدية كالعَرق.
وتقول خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة: “تحدث الإصابة بضربة الشمس إذا ارتفعت درجة الحرارة فوق 40 سليزية، وهي تعوق الخلايا وأنظمة الجسم عن أداء وظائفها الاعتيادية”.
وتضيف خدمة الصحة الوطنية: “مَن يتعرضون لذلك قد يجدون أنفسهم يتنفسون بسرعة ويشعرون بالصداع والفتور والارتباك وقد يصل الأمر إلى فقدان الوعي. وإذا لم تُتخَذ خطوات علاجية، فقد يتطور الأمر إلى فشل في قيام العديد من الأعضاء بوظائفها والوفاة”.
الوفاة
يلقى آلاف الأشخاص سنويا من إندونيسيا إلى المكسيك حتفهم جراء مشكلات تتعلق بالقلب والصحة بشكل عام.
يقول محمدييف: “يمكن أن يموت الناس في غضون ساعات قلائل إذا تخطت درجات حرارة المحيط حاجز 38 إلى 42 درجة في ظل معدلات رطوبة مرتفعة، وفشل الجسم في التكيف مع تلك الظروف”.
ويمكن عبر تقليص كمية الوقت المقضي في أنشطة خارج المنزل تحت الشمس مباشرة، وعبر استهلاك كميات كبيرة من المياه والحصول على فترات راحة متقطعة – يمكن لذلك أن يساعد الجسم في التعافي السريع.
تقول منظمة الصحة العالمية: “يمكن أن تحدث الوفاة والنقل إلى المستشفى جراء التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة بسرعة شديدة (قد يكون في نفس اليوم)، أو قد يظل الأثر (لأيام عديدة) قد تنتهي إلى تعجيل الوفاة أو تردي حالة المرضى”.
نصائح
– تجنب الحرارة: ابق بعيدا عن الشمس ولا تتعرض لها بين الحادية عشرة صباحا والثالثة مساءً (أشد أوقات اليوم حرارة) إذا كنت عرضة لآثار الحرارة.
– حافظ على درجات حرارة الغرف منخفضة عبر استخدام المظلات أو عبر الاستعانة بمواد عاكسة خارج النوافذ.
– اغسل جسدك بماء بارد.
– اشرب كمية كبيرة من السوائل وتجنب الإفراط في الكحول.
– ارتدِ ملابس واسعة وخفيفة وقبعة ونظارات شمسية إذا كنت تنوي الخروج من المنزل.
– اسأل عن الأصدقاء والأقارب والجيران ممن قد لا يكون في مقدورهم العناية بأنفسهم.
قدرة على التكيف
آثار موجات الحر المدمرة معروفة جيدا وموثقة، وقد أعدت مدنٌ ومجتمعات كثيرة خطط عملٍ للتصدي لها.
لكن يبدو أن الجسم البشري قد يكون بصدد العمل على الوصول إلى حل.
ويقول فريق من الباحثين من جامعة هارفارد ممن قاموا بدراسة الوفيات نتيجة درجات الحرارة المرتفعة في 105 من المدن الأمريكية في الفترة بين عامي 1987 و2005، إنهم توصلوا إلى أن خطر الوفاة من الحرارة يتراجع بشكل ملحوظ.
وقال الفريق: “بمرور الوقت، بات الناس أكثر مرونة في التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة”. لكن المخاطر لم تنته بشكل نهائي بعد.
وحذر الفريق من أن “ارتفاعا في معدل درجات الحرارة بمقدار 2.8 سليزية قد يؤدي إلى زيادة عدد الوفيات بمقدار 1.907 في كل صيف حول العالم”.
قابل للوقاية
عبر التدابير المنطقية المناسبة يمكن الحد من آثار ارتفاع درجات الحرارة.
يقول محمد ييف: “بشكل عام، لا يُنصح بالبقاء خارج المنزل لأكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات في الأيام مرتفعة الحرارة. ومن الأهمية بمكان الحصول على قيلولة في الظل من فترة لأخرى كل يوم، لا سيما فيما بين العاشرة صباحا والخامسة مساء”.
ويضيف: “اعتن بنفسك، وبعائلتك وبجيرانك. ويمكن لاتصال هاتفي أو نقرة على الباب أن تنقذ حياة إنسان”.