كريتر نت / صحتك
لم يمل المختصون في أمراض الجلد (والأطباء عموما) خلال العقود الأربعة الفائتة، من تذكيرنا بأن التعرض المباشر لأشعة الشمس يحمل معه خطر الإصابة بسرطان الجلد، حتى إن بعضهم صار ينصح بتجنب أشعة الشمس قدر المستطاع.. وإذا سئلوا عن الحرمان من الفيتامين D، كان جوابهم أن ذلك يمكن معالجته بسهولة عن طريق المتممات الفموية (الحبوب)!
لكن تحقيقاً سويدياً حديثاً قلب هذا المفهوم رأساً على عقب! فقد تابع الأطباء السويديون ما يفوق 25 ألف امرأة، بين عمري 25 و64 عاما، ولمدة 20 سنة، وهم يلحظون عاداتهن في التعرض لأشعة الشمس وتطور أوضاعهن الصحية، فتبين لهم أن النساء اللاتي كن يعرضن أنفسهن للشمس بشكل متواتر، كن مؤهبات للمرض والوفاة خلال هذه الفترة بنسبة أدنى بكثير من اللاتي كن يتحاشين أشعة الشمس!
كما تبين لهم أن سبب التباين يعود بشكل رئيس إلى انخفاض نسبة إصابة الزمرة الأولى بأمراض القلب والأوعية والوفاة من آفات غير سرطانية. كل هذا دعا الأخصائيين لإعادة النظر بتوصياتهم في تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس، ولمراجعتهم فوائد أشعة الشمس، التي -على ما يبدو- تفوق خطر الإصابة بسرطان الجلد بمراحل.
ومن طريف ما ظهر في التحقيق هو أن النساء غير المدخنات اللاتي كن يتحاشين أشعة الشمس، كانت نسبة وفاتهن تساوي نسبة وفيات المدخنات اللاتي كن يعرضن أنفسهن للشمس بكثرة، ما يعني أن تجنب التعرض للشمس كان عاملا مميتا بقوة عامل التدخين!
ونعرض في ما يلي الفوائد الجمة التي نكسبها من تعريض أجسامنا لأشعة الشمس، والتي أظهرت الدراسات أننا لا يمكن أن نعوّض عنها بتناول حبوب متممات الفيتامين D وحسب.
1- تصنيع الفيتامين D
إن المهمة الأولى لأشعة الشمس بلا شك هي تمكين الجلد من تصنيع هذا الفيتامين الأساسي الذي -خلافا لبقية الفيتامينات- لا يمكن تحصيله من الطعام.
وأهم وظيفة للفيتامين D، كما هو معروف، هي الحفاظ على مستويات من معدني الكالسيوم والفوسفور في الجسم كافية لأداء وظائف الجسم الأيضية (الاستقلابية)، والنقل العصبي – العضلي، وتقوية العظام.. وقد أصبح معلوما أن نقص هذا الفيتامين يؤدي في الأطفال لمرض الكساح، وفي البالغين لهشاشة العظام.
2- الوقاية من السرطان
إن دور أشعة الشمس فوق البنفسجية في التسبب بسرطان الجلد (خاصة منه الميلاني melanoma) بات معروفا لدى الجميع، لكن دوره في الوقاية من عدة أنواع اخرى من السرطان -رغم ثبوته بعدد من الدراسات البيئية الإحصائية- لم يتلق الرواج الكافي حتى اليوم.. هذه السرطانات تشمل:
* سرطان القولون
* السرطان اللمفي من نوع هودجكين Hodgkin lymphoma
* سرطان المبيض
* سرطان المعثكلة (البانكرياس)
* سرطان الموثة (البروستات)
* سرطان الرئة
* سرطان الثدي
وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن التحلي بمستويات كافية من الفيتامين D في الدم (40 نانوغرام في الميلي ليتر على الأقل) من شأنه أن يخفض احتمالات الإصابة بالسرطان بنسبة 60 %.
3- حماية القلب والأوعية
عندما يتلقى الجلد أشعة الشمس، يفرز إلى الدم مادة أوكسيد النيتريت nitric oxide، التي تعتبر مخفضا ممتازا للضغط الشرياني، ما جعل العلماء يستنتجون أن التعرض لأشعة الشمس يقلل كثيرا من خطورة الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
وفي عام 2013 نشرت دراسة مذهلة حول هذا الموضوع، جاء فيها أن مقابل كل وفاة من سرطان الجلد في أوروبا الشمالية، تقع 60 إلى 100 وفاة بالنوبة القلبية أو السكتة الدماغية نتيجة ارتفاع الضغط، ما يعني أن خطورة الوقوع ضحية ارتفاع الضغط يفوق خطورة الإصابة بسرطان الجلد بثمانين مرة!
ومن الجدير بالذكر أن متممات الفيتامين D الفموية ليس لها نفس التأثير في إطلاق مادة أوكسيد النيتريت، وبالتالي لا تتمتع بنفس القدرة على الحماية.
4- الوقاية ضد السل
ليست أمراض القلب والأوعية هي الوحيدة التي تقتل المصابين بها بنسبة تفوق سرطان الجلد.
فهل تعلم أن أكثر من 4000 إنسان حول العالم ما زال يتوفى يوميا من مرض السل؟ (توفي في عام 2014 مليون ونصف مريض بالسل، مقابل 55100 مصاب بسرطان الجلد الميلاني).
إن السل يعتبر أكثر الالتهابات الجرثومية (البكتيرية) فتكا في العالم بالوقت الحاضر، وسيزيد ضرره في المستقبل بلا شك مع ظهور جراثيم السل المقاومة للصادات، وقد نسي الكثيرون أن أشعة الشمس فوق البنفسجية هي من أفضل الوسائل لمحاربته، وقد تكون الملاذ الوحيد في المستقبل للحد من انتشاره.
إن فعالية الفيتامين D المصنع بالجلد بوساطة أشعة الشمس تزيد من قدرة وسائل الجسم الدفاعية الخلوية على تخريب جدران البكتيريا والفيروسات، الأمر الذي ثبت للهيئات الطبية من عقود عدة.
5- تحسين الصحة النفسية
تعمل أشعة الشمس على زيادة إفراز الدماغ “لهرمون السعادة” سيروتونين serotonin، ما يؤدي لتحسين المزاج وإضفاء السكينة على الإنسان.
فإذا قلّت أشعة الشمس عن الحدود الدنيا، كما يحصل في دول أوروبا الشمالية، ازدادت حالات الاكتئاب الناتج عن غياب الشمس، والمدعو SAD، كما ازدادت حالات القلق المزمن والشدة ونوب الهيستيريا، والتي تعالج في تلك البلاد بموجات الأشعة الصنعية.
6- معالجة أمراض جلدية مختلفة
ينصح الأطباء بالمعالجة بأشعة الشمس في عدد من الإصابات الجلدية، أمثال الصدفية، والأكزيما، والعدّ (حب الشباب)،
7- فوائد مختلفة أخرى
هناك عدد من الآثار الحميدة الهامة الأخرى التي ثبتت لأشعة الشمس، نذكر منها تقوية الجهاز المناعي، وتحسين فرص الحمل الصحي، ودعم نمو الأطفال، و(من دواعي العجب) تحسين احتمالات الشفاء من سرطان الجلد الميلاني.
كما أن هناك بحوثا تجري في كثير من المراكز الطبية حاليا للكشف عن مدى تأثير أشعة الشمس الحميد على عدد من الأمراض، نذكر منها:
* التهاب المفاصل الرثياني rheumatoid arthritis
* الذئبة الحمامية lupus erythematosis
* التهاب الغدة الدرقية thyroiditis
* التهاب الأمعاء
النتيجة:
أصبح الاختصاصيون مقتنعين اليوم أن النصيحة بتجنب التعرض لأشعة الشمس كانت خطأ، فالفوائد التي نجنيها من الأشعة فوق البنفسجية تفوق بمراحل خطورة نشوء السرطان الميلاني، وخطر الإصابة بسرطان الجلد أقل بكثير من خطر تجنب التعرض لأشعة الشمس، ولو كان الأمر خلاف ذلك لما تمكن الجنس البشري (الذي قضى معظم حقبات التاريخ في العراء) أن يستمر حتى اليوم.
ويبقى السؤال: كم تحتاج من أشعة الشمس؟
يجيب الأخصائيون أن مستوى الفيتامين D في الدم يجب أن يكون على الأقل 40 نانوغراما في الميلي ليتر، وهذا يمكن الحصول عليه بسهولة بواسطة تعريض أجسادنا لأشعة الشمس معدل ثلاث مرات في الأسبوع، ولمدة 15 – 30 دقيقة في كل مرة.
وماذا عن الأضرار؟
كل الأحاديث عن فوائد أشعة الشمس والتي أوردناها، لا تعني أن بإمكانك التغاضي عن الأضرار التي يمكن حصولها من التطبيق السيئ للتعرض للشمس، فأشعة الشمس ما زالت وراء عدد من الآفات المرضية، ابتداء بالحروق الجلدية وانتهاء بسرطان الجلد.