اجتمعت الحكومة اللبنانية، السبت، للمرة الأولى منذ أكثر من أربعين يومًا، غداة التوصل إلى مصالحة درزية – درزية بين طرفي الخصومة في “حادثة عاليه”. وجمعت جلسة مصالحة في قصر بعبدا كلًا من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ومنافسه في الطائفة الدرزية رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان، بحضور  الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري. ويربط مراقبون خطوة المصالحة ببيان قالت فيه السفارة الأميركية لدى بيروت، الأربعاء الماضي، إن “أي محاولة لاستغلال الحادث المأسوي (…) بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتم رفضها”.  وعلى ضوء ذلك قرّر حزب الله الاستدارة من خلال حضّ حليفه أرسلان على تليين موقفه حيال حادثة قبرشمون.

 

سبق للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله أن سخر من “أنتينات” (هوائيات) وليد جنبلاط ودعاه إلى تصويبها. وللزعيم الدرزي باع طويل في حسن قراءة الأعراض واستشراف مغازيها. ولطالما بنى الرجل ما يقال إنه تقلبات مذهلة في مواقفه على حدسه في استنشاق غبار التحوّلات، فتراجع وتنازل والتف على مواقف سابقة دون أن يرمش له جفن، وتقدم وصعّد وخاطر وسط انبهار بلدٍ يستعصي عليه أحيانا فهم مفاتيحه ورموزه وسرّ تعويذاته.

 

لم يكن صمود وليد جنبلاط أمام ما اعتُبر هجوما متعدد الأبعاد ضده وضد زعامته وضد البيت الجنبلاطي في لبنان عائدا إلى طباعه فقط. امتلك الزعيم الدرزي معطيات جديدة وصلته مباشرة أو أجاد التقاطها بحنكة العارف والخبير العتيق. وليس صدفة أن مسلسل التصعيد الجنبلاطي الذي فتح النار على القضاء والمؤسسات وقصر بعبدا، جرت ملاقاته ببيان السفارة الأميركية غير المعهود والملتبس والمفاجئ لأصدقاء واشنطن في لبنان قبل خصومها.

 ففي ثنايا الحكاية أن هذا الخارج لم يعد يسمح للمتلاعبين (وليس اللاعبين) في لبنان بأن يمعنوا في العبث داخل ميدان لا يحتمل صبيانية سجلت أرقاما قياسية.

 

من غير المسموح للبنان، هذا البلد الصغير، أن يعطّل مسارات في المنطقة تسهر على رسمها وتعبيد منافذها قوى كبرى في العالم. شيء ما يتم بناؤه خلف الكواليس، بين واشنطن وطهران مباشرة، ومن غير المسموح أن يشوّش على تلك الورش غبار ينفخ برعاية وإشراف حزب الله. وفي هذا أن طهران، ولدواعي تلك الورش، أعادت فجأة، من خلال الأميرال علي شمخاني،

اكتشاف أن شخص نصرالله كان عاملاً حاسما في “خلق الوحدة الوطنية” في لبنان. في ثنايا القول أمر عمليات جديد للحزب وقائده.

 

ما حصل في الأسابيع الأخيرة كان محاولة إيرانية لإثبات مزيد من النفوذ في لبنان من ضمن الأوراق التي تلوّح بها طهران لخصومها البعيدين في العالم. سهر حزب الله على إنجاز الأمر من خلال مجاهرة نصرالله بدعم حليفه طلال أرسلان في معركته ضد خصمه وليد جنبلاط. كان الأخير قد رفع من سقف مواقفه ضد إيران قبل أشهر، وهو أمر لا تتسامح فيه طهران، خصوصا في ظروفها الدولية الحالية، ولا يمكن لحزب الله تمريره وهو الذراع العسكرية والسياسية الضاربة لإيران في البلد.