كريتر نت / كتب- عماد حسن
يرى مراقبون أن الاتفاق بين الإدارة الذاتية الكردية والنظام السوري يبدو وكأنه القشة التي يتعلق بها من يغرق. ويقول الأكراد إنه بعد تخلي إدارة ترامب عنهم، وغياب دور فاعل لأوروبا لم يبق أمامهم سوى اللجوء إلى النظام السوري.
بعد أن كان الاتفاق مع الأكراد “غير مقبول” من جانب النظام السوري الذي صرح بعض قياداته بأنه “لا تفاوض ولا لقاءات مع الميليشيات الانفصالية التي استقدمت العدوان”، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية التوصل إلى صيغة تفاهم مع دمشق تنص على انتشار الجيش السوري على طول الحدود مع تركيا “للتصدي لهجوم أنقرة والفصائل السورية الموالية لها”.
نظام الأسد.. الرابح الأكبر؟
ورغم أن النظام السوري لم يعلق رسميا بعد على هذا الاتفاق، فإن مراقبين ملمين بالشأن السوري يرون أن دمشق لم تكن لتدخل في توافق من هذا النوع مع الأكراد ما لم يكن هناك مكاسب حقيقية لها على الأرض. وبحسب مهند الحاج علي، الباحث بمركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت فإن “الاستراتيجية الأسدية تقوم على الدخول إلى الشرق قبل الشمال من أجل مفاوضة تركيا على عمليات السيطرة على الحدود الشمالية وإعادة تفعيل اتفاقية أضنة وهذا ما سيحققه الاتفاق مع الأكراد”.
وتقضي اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1998 بأن تتوقف دمشق عن دعم حزب العمال الكردستاني (PKK)، وعدم السماح لعناصر الحزب في الخارج بدخول سوريا، وحظر أنشطة الحزب والمنظمات التابعة له على أراضيها. كما تسمح لتركيا بتعقب عناصر التنظيم داخل الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات.
ويرى مراقبون أن وجود الجيش السوري بشكل رسمي على الحدود كطرف عازل بين الأكراد والأتراك يشكل أحد الضمانات التي يمكن للنظام السوري تقديمها لتركيا، “ما يمنح دمشق ميزة تفضيلية في المفاوضات مع الأتراك بشأن الشمال السوري، لكن هذه الضمانات لن تكون مجانية أبداً وسيطلب نظام الأسد شيئاً مقابلها” بحسب ما يرى مهند الحاج علي.
وقد تكون أحد الأشياء التي سيطلبها نظام الأسد في المقابل تخلي تركيا عن مساندة المعارضة السورية أو على الأقل تحييدها بشكل تدريجي وحصر نشاطها في مناطق ضيقة للغاية، بحسب محللين. ويرى الباحث في كارنيغي أنه “سيكون على الأتراك اليوم التفاهم مع النظام السوري من أجل إعادة اللاجئين أو جزء منهم على الأقل إلى مناطق تخضع لسيطرة دمشق، في مقابل حدوث تقدم ميداني للنظام السوري وتفاهمات سياسية على مسار آستانا”.
الأكراد.. اللجوء إلى أخف الضررين!
مع تمدد القوات التركية في عمق الأراضي السورية وسحب إدارة ترامب لعدد من جنودها من شمال سوريا، تعقد وضع المقاتلين الأكراد بشدة على الأرض، فما كان منهم إلا التحرك لتخفيف الضغط الواقع عليهم بأي شكل.
وعقب إعلان الاتفاق، قال المسؤول الكردي البارز “بدران جيا كرد” إنه “بعدما تخلى التحالف الدولي والجانب الأمريكي عن حماية الحدود أو المنطقة من التهديدات التركية وأعطوا الضوء الأخضر للهجوم التركي، اضطررنا للتوجه إلى البحث عن خيار آخر وهو النقاش مع دمشق وموسكو لإيجاد مخرج والتصدي لهذه الهجمات كون شعبنا يواجه حرب إبادة شاملة”.
وبدوره يقول جواد غوك، الكاتب والمحلل السياسي الكردي، إن الأكراد برفعهم للرايات السورية بدلاً من الأمريكية سيكونون من أكبر المستفيدين، “فقد ألقوا بورقة النظام السوري في وجه تركيا محاولين إفقاد أنقرة المبرر للقيام بالعملية العسكرية بعد أن خضعوا (الأكراد) لحماية النظام السوري ومن خلفه روسيا، ما قد يقلل كثيراً من خسائرهم على الأرض”، ويعتقد جواد غوك أن “الجانب الكردي في المدى المتوسط والبعيد خاسر، لكن أسوأ صلح هو أفضل من أي حرب في المدى القريب”.
ويتفق معه في هذه الرؤية مهند الحاج علي، الباحث بمركز كارنيغي، والذي يرى بأن “هذا ليس تحالفاً بل هو أهون الشرين، فبالنسبة للكردي فإن الشر الأسدي أقل ضرراً من الشر التركي”، حسب راي الباحث.
تعاون مشترك ضد المعارضة؟
فور الإعلان عن الاتفاق، برز سؤال آخر: هل يمكن يتعاون الطرفان (الأكراد والنظام السوري) ضد فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا؟ خاصة وأن لدى الطرفين لديهما ما يكفي من المشاكل مع هذه المعارضة تكفي لتوحيد جهودهما سوياً.
ويقول مهند الحاج علي، الباحث بمعهد كارنيغي، إن هذا الأمر قد يحدث لكن ليس على نطاق واسع وربما يكون في إدلب فقط وعلى نطاق ضيق للغاية. أيضاً، يرى طه عودة أوغلو المحلل السياسي التركي أن المقاتلين الأكراد أصبحوا في موقف ضعيف للغاية “بعد أن كشف الغطاء الأمريكي عنهم. وقد يستخدمهم النظام السوري في معارك السيطرة على إدلب في مقابل حصولهم على الحماية من قوات النظام السوري والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية”.
لكن جواد غوك الكاتب والمحلل السياسي الكردي لا يعتقد بأن الأكراد قد يشاركون في معارك النظام في إدلب، إلا إذا قامت فصائل المعارضة السورية المسلحة باستخدام العنف ضدهم بشكل موسع، عندها “قد ينضم الأكراد إلى معارك النظام السوري ضدها كنوع من الانتقام”.
من الضامن للاتفاق؟
لكن اتفاقاً كهذا قد يبدو هشاً للغاية ويحتاج إلى من يضمن استمراره، فالولايات المتحدة اختفت من المشهد تقريباً في انسحاب مفاجئ، كما أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو أنه قد يضطلع بدور هام في هذا التوقيت وهو الذي لم يتدخل بشكل قوي أو حاسم من قبل. فمن الضامن إذن؟
يرى مهند الحاج علي، الباحث بمعهد كارنيغي ببيروت، أن روسيا هي الضامن لاستمرار هذا الاتفاق، خاصة أن “ما يريده الروس اليوم هو التفاوض بين الأتراك والسوريين وأن هذا الاتفاق يمهد لذلك، على أن المسألة تحتاج لتفاهمات محلية قد تظل فيها القوات الكردية كميليشيا محلية لها علاقة بالنظام أو قد تكون هناك إدارة كردية لبعض البلديات”.
ويشير الحاج على إلى أن هناك تفاهمات تحدث بين الروس والأتراك والسوريين فيما يعرف باسم (Battle Swap) أو تبادل مناطق القتال “وهو ما حدث في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، وهذا التبادل لمناطق الصراع أدى إلى الوصول لتفاهمات أسست لدخول النظام السوري لهذه المناطق ووفر على الجانب التركي بعض المجهود”.
لكن هذا الدور الروسي ستستتبعه أدوار أخرى تبرز بموجبها أسئلة مهمة منها “مصير اللاجئين الذين تنوي تركيا نقلهم إلى المنطقة الآمنة التي تعمل على إنشائها؟ وهل ستجد روسيا بالتعاون مع النظام السوري آلية ما لعمل ذلك؟ أيضاً حقول النفط في الشمال من سيديرها؟ أعتقد أننا بحاجة إلى الانتظار لمعرفة ما ستؤول إليه التفاهمات التركية – السورية – الروسية”، والكلام لمهند الحاج علي.