كريتر نت / كتب- سالم فرتوت
وكان ذلك الاسم في انتظاره,وهو لما يزل جنينا في بطن أمه,فذات ظهر طرق منزل والديه رجل أسود قصير,بلحية بيضاء كثة ,يحمل على ظهره شوالا يحوي متاعه.
زعم الرجل أنه بحاجة إلى الطعام.فدعاه رب البيت إلى الدخول..جلسا تحت سقيفة من القش ,تقوم أمام غرفة من الطوب وأخرى من القش.
واستاذنه مضيفه بأن يذهب إلى المطبخ حيث كانت امرأته تعد طعام الغداء قائلا:(البيت بيتك يأخي).
وجاءه بالطعام..وتناولاه معا,وبعد أن فرغا منه.نادى زوجته:(ياعيشه هات القهوة).
وجاءت المرأة الربعه القامة,تغالب حياء ا من الرجل الذي بدا لها أنه في سن والدها.
أخذ الرجل يتلفت يمينا ويسارا,فسالهما
:(أين الاولاد)؟
تنهدت المرأة المكلومة بوفاة فلذات كبدها الخمسة,بينما رد زوجها:(مش لنا نصيب فيهم ماتوا )!
وبعد أخذ ورد اقترح عليهم الرجل العجوز الغريب أن يسميا وليدهما القادم بذلك الاسم الذي من شأنه أن ينفر الموت منه.الموت الذي فجعهما في خمسة من الأبناء,تخطفهم وهو اطفال في المهد! فبعد عام من زواجهما جاءهم مولودها الأول وسماه الرجل عمر تيمنا بوالده,ولم يلبث عمر ماخلا ثلاثة أيام,وندبته المرأة:(وابناه !لماذا مت وتركتني. ليت الموتأخذني أنا!)
أما الأب فقد دارى حزنه.
وحملت زوجته مرة أخرى ,وأنجبت مولودهما الثاني بعد عامين وكان ذكرا أيضا,اسمياه أحمد ,وسرعان ما تخطفته يد الموت,وندبته المرأة مستدعية فجيعتها السابقة..
كان الموت بالمرصاد لأطفالها,فبمجرد أن يتناهى إليه صراخ وليد لهما,سارع إليه بعد ايام من فدومه ..وذلك كان مصير ثلاثة أولاد آخرين ,حارما ابويهما من التمتع بمشاعر الأمومة بالنسبة للمرأة,التي كم ودت لو طال مقام فلذات كبدها في حجرها حيث يستلقي عليه وليدها بينما هي تلقمه ثديها ,تغذيه بتلك السائل الابيض الذي ضمنها الخالق صدر كل والدة عطية منه لمخلوق عاجز عن فعل شيء في شهوره الاولى!كم ودت لو تغسل فضلاتهم ..وتهدهدهم وتناغيهم و..و..
وكم رأى الرجل نفسه وهو يحضنهم ويمطرهم بالقبل حبا وحنانا..كم ود ذانك الزوج الطيبان أن بترعرع أبناءها في كنفهما وأمام ناظريهما حتى إذا كبروا زوجاهم,وظفرا بمحبة أولادهما!بيد أنهما كانا سيئي الحظ!
وكان لمعارفهما في تفسير ما جرى لهما أكثر من رأي.فقائل :(إن الرجل ربما اقترف جريمة قتل في مسقط رأسه,وهذا انتقام من الله منه).
وثمة من قال:(إن بيتهما مسكون بالجن,ولربما آذيا أحدهم,والجن ينتقمون منهم في أبنائهم).
واعتبر رأى ثالث:(إن ذلك قضاء وقدر).
تقبل الرجل وزوجته فجيعتهما,واستعانا بالله,وتصدقا على المحتاجين في قريتهما,ولم يقنطا من رحمته.
وجاء هما المولود السادس,ولم يجدا غضاضة في تسميته بذلك الاسم المهين الذي تشعر للوهلة الأولى بالاحراج عندما تسمع معارفه ينادونه به,فهو مما لايقال إلا في معرض الشتيمة!فأنت قد تصرخ في وجه شخص استفزك قائلا:(اسكت يادنس)!وقد تغتاب آخر بقولك:(باله من دنس!فلان ذاك).
لعلك علمت الآن ذينك الوالدين قد رضخا لاقتراح الرجل الغريب,واسميا ابنهما:(الدنس)!أي والله الدنس,فسلم لوالديه.أو ترى الموت استنكف أن يتخطف دنسا ؟!
حظي بحب ليس والديه,وإنما كل أهالي فريته,فقدكان وسيما وديعا خدوما.وفي العاشرة من عمره حث والده بعض أصدقاؤه بأن:(غير اسم الولد, ياناصر.حرام تبلوه بهذا الاسم )! ولم يجد مناصا من ذلك,فسماه (فريد) وشرع وامرأته ينادونه به,وخرج الصبي ليلعب مع لداته,واعلنهم باسمه الجديد .
وبعد يومين اعترته وعكة ,فما استطاع مغادرة فراشه,وفقد شهيته للطعام!
لاذ أبوه بعطار,جلب له من عنده ادوية..جرعت الأم ابنها علاج العطار,يساورها قلق أن يلحق باخوته الخمسة..وجلست بالقرب من فراشه,واجمة ,ببنما راح الأب يذرع الغرفة ذهابا وايابا,ساخطا على أولئك الفضوليين الذين الحوا عليه بتغيير اسم وحيده..ثم وقف بالقرب منه,ويقول مشيرا الى ابنه ,كأنما يخاطب جهة ما:(أنت دنس إبن دنس!واسمك هو الدنس..الدنس الدنس من يوم مولدك إلى يوم الدين).
تحسنت صحة الصبي في اليوم التالي,فخرج للعب مع اترابه وقال له:(ادعوني الدنس.الدنس هو اسمي,وأنا راض به).
لم ينل اسمه المهين منه,فقد حسن الخلق والخلق .في طفولته كانت الأهالي تقول عنه:(هذا الولد مؤدب),وفي شبابه كان مثالا الرجولة!أنى لا وقد كان ذراع سند والديه إذ شاركهما في استصلاح أربعين فدانا من الأرض الزراعية,وابتاع مثلها تقريبا.
وتمنت كم من حسينة لو يختارها عروسا له,لكنها تزوج من بنت الجيران, تلك الفتاة التي كانت تساعد امه في أعمال البيت.
كان الوحيد الذي سلم لابويه.وماكان ليسلم لهما لولا اسمه المقيت,الدال على القذارة.بحسب اعتقاد لدى ذلك الرجل الغريب.قال لأبيه في ذلك اليوم البعيد,قبل ثمانين عاما:(هذا الأمر مجرب..جربه غيركم ممن لم يسلم لهم من أبنائهم إلا واحد,وبعده لن تخلفوا.اسميا وليدكما القادم الدنس).
ارتد رأس الأب إلى الخلف..وصمت لحظات وقد ضيق عينيه مستغربا,وأدرك العجوز ما يدود بدواخله من تساؤل,فقال:(هناك من سمى ابنه الدنس واخر الحمار..والضبع..والربح..والثور.اسمعا نصيحتي واسميا ابنكما الدنس)!
وكالغريق حين يتعلق بقشة,قررا تسمية ابنهما الدنس قبل ان يولد حتى.بيد أنه لم يكن دنسا..فقد كان نظيف الجسد والملبس,والأهم أنه كان نظيف السريرة,تقي ,وفي ..ما أن يأتي ذكره في مجلس إلا وشنفت أذنيك انغام لانشاز فيها عن إنسان يملأ اسمه القلب قبل الفم.حتى أن أحد البسطاء ممن كان له فضل عليهم أسمى مولوده البكر (الدنس)تيمنا به.وعندما نمى إلى علمه ذلك,اقتاد خروفا,ومضى به باتجاه بيته.استقبله الشاب الأسمر بحفاوة,وقال وهو يشير إلى الخروف :(ليس من أجل هذا سميت الولد باسمك).
(هذا لأجل أن تسمي الولد اسما لائقا).
(اسمك ياعمي يملأ قلبي وفمي).
ربط الشاب الخروف الى خشبه بسقيفة,بالقرب من معلف الأغنام..وجاء بسليقة عتيقة..فجلس الدنس عليها,وقد عطف رجليه واحتبى,منتظرا مضيفه ليحثه أن يغير اسم ابنه…وجاءه هذا بفنجاني شاي,وضع أحدهما أمامه,رشف الدنس منه حتى منتصفه,وقال:(اسمع,يابني,اسمي انت تعرف ظروف تسميتي به,وأنا لا ارضاه لابنك).
حملق الشاب في وجهه ,ثم مالبث أن قال, وهو يشير إلى قيد انمله في اصبعه الصغرى :(ليت ابني يحوز كما هذا منك ياعمي).
رشف الدنس ماتبقى من شاي في فنجانه.وضعه,وقال:(اذا كنت تحبني سم ابنك عمر ! باسم والدي وابني)”
وقبل على مضض أن يغير اسم وليده,مع احتفاظه باسم الدنس كان ينادي به ابنه بين الفينة والأخرى.
نمى إلى علم أبناء الدنس ثني أبيهم لذلك الشاب عن تسمية ابنه باسمه الذي سبب لهم احراجا,فوجدوها فرصة لتكرار الحاحهم السابق بتغيير اسمه في الأوراق الرسمية,فيتحرروا منه هم وأبناؤهم بالتدريج,فاسمعهم رده السابق بحزم:(إنه اسمي الذي لعله حماني من الموت.ويحميكم.من يدري )؟!
فهل حماه اسمه من الموت ؟فهاهو قد بلغ الثمانين,ويبدو كما لو أنه في الستين من عمره,مهيب القامة بجسد ينضح صحة.
تناول طعام الغداء ذات ظهر,ودخل غرفته لينام كالعادة..كان الأطفال يلعبون خارج الدار..
وابنه البكر عمر يتناول القات في غرفة أخرى,ببنما كنته تغسل أواني المطبخ,تسلل القات الى غرفة الدنس دون أن يلمحه أحد,وفجأة حاول الدنس النهوض لينفذ بجلده بيد أن القاتل كان اقوى منه..إذ ابقاه ينازع وهو مستلق..لقد جاءه إذا الذي لايفرق بين صغير وكبير او دنس ونظيف .ونجس وطاهر.جاءه الذي يأتي في موعده بالتمام والكمال,لايقدم ولايؤخر مقدار ذرة أو غمضة عين وفتحها .فهو ينفذ أوامر عليا ليس إلا. ومات الدنس مخلفا ذكرا حسنا,وعائلة كبيرة في قريته,حظيت وتحظى باحترام وحب الأهالي.