محمد الحميدي
نظراً لعدم وجود اجماع دولي على تعريف الارهاب , فيمكنا القول ان الارهاب بمفهومة العام ,هو منتج لحالة تطرف عنيف, كان سببها عدم تطوير وبحث وتفسير خطابات وافكار دينية وسياسية جامدة, فتحولت مع الزمن لأفكار متطرفة تتخذ من العنف وسيلة لمواجهة الاخرين, لفرض آرائها, بينما كان يمكن مواجهتها في حينها بأدوات المجتمع الفكرية والاجتماعية والثقافية والفنية , من قبل النخبة القائمة فيه, باعتبارها قائدة عملية التنوير وبناء الوعي.
وتعد تلك النخب عادة في مقدمة القوى الناعمة المدافعة عن مصلحتها ، في إطار بناء أمنها الوطني والقومي, خاصة في مرحلة ما بعد الاهتزازات السياسية المختلفة, او في اوقات التحديات الكبرى التي تحدث في أي بلد.
اليمن, كان واحداً من الدول الذي ضربتها تلك الاهتزازات السياسية, وواجه الكثير من التحديات الكبرى , في مختلف مراحل بناء الدولة في الشمال والجنوب قبل قيام دولة الوحد.
,لكن كان التطرف و الارهاب ,الذي تزامن ظهوره مع اعلان الوحدة , من اشد التحديات فتكاً بمكونات الدولة والمجتمع الجديد
.
حيث كان , مصدر هذا التحدي , مع الاسف, الجناح العقائدي والعسكري في جماعات الاخوان المسلمين , الداعية للوحدة مع الجنوب جغرافياً بينما تحرم وتجرم الوحدة معه سكانياً.
بعد اعلان الوحدة في 22مايو 1990م ,مارست تلك الجماعات ,الغلو والتطرف والارهاب الفكري, ضد كلما هو جنوبي ,ثم تحولت الى العنف والعنف المضاد, , دشنها تنظيم الجهاد الاسلامي والجماعات الجهادية العائدة من افغانستان , باغتيال عدد من القيادات الجنوبية في الدولة بلغت خلال اقل من عامين 156كادر قيادي , الحقها هذا التنظيم بعمليتين ارهابيتين, على قوات المارينز الأمريكية ,في فندقي جولدمور وموفنبيك , بمحافظة عدن , في 2 ديسمبر 1992م وهم في طريقهم الى الصومال ضمن قوات ما عرف حينها بعملية اعادة الامل , وذلك خلافاً لما ورد في التقرير الحكومي الأول والوحيد المقدم الى مجلس النواب في أواخر ديسمبر 2002م حول هذه الظاهرة, و اخفى الكثير من الحقائق.
منذ مطلع التسعينات , وحتى الآن, تعرضت اليمن للمئات من الهجمات الارهابية, تنوعت بين ( تفجيرات، اغتيالات، خطف، سطو مسلح…الخ ) حصدت أرواح الآلاف من اليمنيين والأجانب على حد سواء , وكان جزءً كبير من تلك العمليات الإرهابية الممنهجة لها ارتباط واضح بتنظيمات دولية, عابرة للحدود ,ومتعددة الجنسيات ,كتنظيم القاعدة الدولي , بقيادة اسامة بن لادن, ثم ايمن الظواهري, وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام(داعش) وغيرها من التنظيمات الجهادية , بالتنسيق والشراكة مع أطراف محلية يمنية, شملت قيادات سياسية وعسكرية ,ووجاهات دينية واجتماعية ,عليا في الدولة والمجتمع، وهدف مشروعهم المشترك الى تغيير نظام الحكم الجمهوري القائم في اليمن ,واقامة نظام حكم اسلامي على غرار ما هو قائم في ايران, او أفغانستان, اثناء حكم طالبان ، تمهيدا للانطلاق الى بقية دول المنطقة ومن ثم اعلان قيام دولة الخلافة الإسلامية, على غرار ما فعل داعش مؤخراً, في سوريا والعراق ووفقا للمتغيرات التي طراءة في ادبيات التنظيم بعد انتهاء حربه في افغانستان ومقتل زعيمه الفكري الشيخ/ عبدالله عزام .
لقد عمدت تلك الجماعات الإرهابية, ومن خلفها عدد من الشركاء المحليين ,منذ وقت مبكر, على الإضرار بأمن واستقرار اليمن, وتقويض سكينته العامة وضرب اقتصاده, أدت في نهاية المطاف , الى إنهاك الدولة, واعاقة برامجها التنموية, واضعافها, من خلال شن سلسلة من الاعتداءات التي استهدفت قيادات سياسية في الدولة والمجتمع , وسواح ودبلوماسيين, وأضرحة دينية, وسفارات غربية, ومنشآت سياحية ونفطية، وكان اهمها, حادثتي تفجير المدمرة الامريكية (يو اس اس كول) في عدن, بتاريخ 12 اكتوبر 2000م وناقلة النفط الفرنسية ليمبرج في سواحل المكلا في 12 اكتوبر 2002م وخطف وقتل عدد من السواح الاجانب, في ابين و مأرب وحضرموت, ادة في مجملها الى ضرب السياحة, ورفع تأمين دخول السفن الى الموانئ اليمنية, وادخلت البلاد في ازمة اقتصاديه وامنية حادة, دفعت الدولة الى اتخاذ عدد من البرامج الاقتصادية(الجرع) , التي اضره بالواقع المعيشي, بدلاً من معالجته, وخلقت من خلاله, بيئة حاضنة ومتعاطفة مع الارهاب بدلاً من مقاومته.
مع قيام الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد في عام 2011م , توسع نشاط قوى الإرهاب الدولي والمحلي , ونفذة مئات العمليات الإرهابية البشعة , ضد مؤسسات الدولة العسكرية والامنية , وبسطت جماعات الارهاب , سيطرتها على عدد من المناطق الجغرافية, في مأرب والجوف وشبوة وابين وحضرموت, وبدخول الحوثين العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م وسيطرتهم على مؤسسات الدولة الدستورية, مطلع 2015م استغلت تلك الجماعات ,انشغال الدولة بمواجهتهم , واعلنت المناطق والمدن التي تسيطر عليها امارات اسلامية ,اخضعتها لحكمها وتشريعاتها الجهادية ,مثل ( جعار – زنجبار – عزان – المكلا ) ووفقاً لمبدئها القائم على السيطرة والتمدد ,بسطت نفوذها خلال 2015-2016م تدريجياً على محافظتي ,عدن ولحج ومناطق اخرى في ابين وشبوة وحضرموت, تحت غطاء قتال الحوثيين ,بينما في الواقع ,عملت على تقويض ما تبقى من مؤسسات الدولة فيها , فنهبت ممتلكاتها ودمرت بنيتها واغتالت كوادرها ,وادارتها بوحشية وفقاً لما يعرف بمبدا (ادارة التوحش) تمهيدا لإعلانها امارات اسلامية , الا ان تدخل التحالف ضدها في 25/ابريل 2016م الى جانب المقاومة الجنوبية , افشل مخططها, وقوض سيطرتها ,واوقف تمددها, وحرر تباعاً كل من محافظة (عدن – لحج – ابين – شبوة – حضرموت) وقتل واسر بعض قاداتها والكثير من منتسبيها ,ودمر بنيتها التنظيمية وامكانياتها اللوجستية, وقطع مصادر تمويلها المحلية, ولاحق اعضائها بوحدات متخصصة بالعمليات الخاصة ,في جبال يافع وسهول ابين ووديان شبوة وصحاري حضرموت, وانشاء وحدات محلية مسلحة لحماية المناطق المحررة , ومنع القاعدة من العودة اليها ,عرفة بالنخب والاحزمة الامنية.
لذلك نستطيع القول ان القاعدة في اليمن اتت في الاصل من خارجه ، وليس من داخله، لكنها وجدت ملاذا آمنا فيه ، ساهمت عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية على نموها ,وتحولها إلى تنظيم له قادته وهياكله ومناطق جغرافية حاضنه لتواجده, بل إن التنظيم شهد توسع وخصوبة غير عادية, في الفترة الماضية , أهلته للعب أدوارا كبيرة داخل اليمن، وخارجه , تجلت في اندماجه مع فرع تنظيم القاعدة في السعودية واعلان ما عرف بتنظيم قاعدة الجهاد, في شبه جزيرة العرب مطلع عام 2009م , وتفرخ منه كيانات ارهابيه اخرى مثل كتائب التوحيد وتنظيم انصار الشريعة ,التي اندمجت عام 2014 م مع تنظيم الدولة الاسلامية داعش , بقيادة ناصر الوحيشي. المكنى ابو بصير والذي تولى قيادة التنظيم اولاً ثم ال الامر بعد مقتلة عام 2015م بطائرة الدرونز ,الى رئيس الجناح العسكري بالتنظيم , المدعو قاسم الريمي المكنى (ابو هريرة الصنعاني) .
ان الحرب على الارهاب , التي نفذتها اليمن ,خلال فترة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح ,بدعم أمريكي واسع النطاق، لم توقف الارهاب, او تحد من عملياته ،بل اثارته وساعدة على انتشاره , بسبب سياسات نظام صالح الخاطئة, التي تأرجحت بين الحسم والمرونة ,والعفو والمهادنة ,ارضاءً لبعض الوجاهات الدينية والقبلية والمكونات الاجتماعية ،وتنفيذا لتكتيكاته الخاصة, بجعل من ورقة الارهاب ورقة لابتزاز الداخل والخارج ، وتحويل عملية الحرب عليه إلى وسيلة لكسب المشروعية واستمرار البقاء في السلطة, وارهاب الخصوم .
ولان الاسباب تصنع النتائج فان الامر لم يسير وفقا لذلك المخطط , لان لكل طرف من اطراف اللعبة اجندته الخاصة , ويعمل على تهيئة الظروف لخلق الفرص المناسبة للانقضاض على الاخر, وهو ما تجسد ملياً في العلاقة التي قامت بين الطرفين بعد احداث 11سبتمبر 2001م .
منذ مطلع عام 2002م وبعد انضمام اليمن للتحالف الدولي لمكافحة الارهاب, اصبح الارهاب والسلطة في تضاد, وفي طريقين مختلفين, حيث اصبحت الجماعات الارهابية ,ترى أن السلطة قد ارتمت في احضان العمالة, وانها تخلت عن عهودها ,وأضحت ضمن دائرة الأعداء الذي يجب قتالهم ,مع ان ذلك يخالف فكرهم القائم على( وجوب قتال العدو البعيد قبل القريب ), ورأت السلطة ان التنظيم قد استقوى و خرج عن سيطرتها , وان مصالحها توجب عليها التضحية ببعض قياداته او مكوناته, على غرار ما جرى مع ابو الحسن المحضار زعيم تنظيم جيش عدن ابين الاسلامي عام 1998م وعبدالرحمن الجزائري وجماعته عام 1995م في الضالع, حفظاً للذات وكسبأً للمصداقية ,وسعياً لا ضعاف التنظيم والحصول على دعم محلي ودولي سخي يساعدها على تفادي الوضع السياسي والاقتصادي المتهالك.
لهذا اشتدت المواجهات بين الدولة والقاعدة , وتمكنت طائرات الدرونز من انزال ضربات قاتله بتلك الجماعات وقادتها في مختلف المناطق اليمنية , امثال ابو علي الحارثي , انور العولقي ثم ٍجلال بالعيدي والقصع والكثير من قادة الصف الثاني والثالث
,
بالمقابل حصلت اليمن على دعم مادي ولوجستي في مجالات عدة بلغت ملايين الدولارات , استطاعت من خلالها بناء عدد من الوحدات العسكرية المدربة ,والمسلحة تسليحاً جيدا, في كل من الامن المركزي والحرس الجمهوري, والامن القومي, وبذلك قطع صالح شعرة معاوية مع القاعدة, وأصبحت الثقة بينهما منعدمة نهائياً ولم يعد امامها من خيار سوى استمرار المواجهة واستثمارها ,الامر الذي
ادى الى زيادة هجمات التنظيم, الموجهة ضد منشئات الدولة ومعسكراتها ,والدخول معها في حرب استنزاف طويلة المدى , خاصة وانها كانت في حالة تأكل, وتواجه اكثر من خصم في وقت واحد , كالحوثين في الشمال والقرصنة في باب المندب , القاعدة في المناطق الشرقية ,ثورة الشباب في وسط البلاد ,وثورة الحراك في جنوبها.
كل تلك العوامل ادت في مجملها الى اضعاف الدولة وانهيار مؤسساتها تدريجياً ,ابتدأ من عام 2011م , وبعد اربع سنوات سيطر الحوثين على العاصمة صنعاء ومناطق شمال الشمال والوسط والمقاومة السلفية والجنوبية ,على معظم المحافظات الجنوبية في ضل سيطرة القاعدة على بعض مدنها الرئيسية في شبوة وابين وحضرموت ولحج وعدن قبل دحرها منها في منتصف 2016م .
مع نهاية 2016م بدأ يتشكل في اليمن واقع مغاير , لواقع نتائج الحرب في سنته الاولى
,حيث اصبحت الشرعية وشركائها المكون من(التحالف ,المقاومة الجنوبية ,السلفيين ,بعض الوحدات العسكرية للجيش اليمني السابق , القوات المنشقة عن المؤتمر المتحالف مع الحوثين , تحت مسمى قوات حراس الجمهورية ) تسيطر على المحافظات الجنوبية والشرقية وجزء من المحافظات الغربية ), بينما يسيطر الحوثين وبعض حلفائهم في المؤتمر الشعبي العام وبعض وحدات الجيش النظامي والامن السابق ,على العاصمة صنعاء ومناطق شمال الشمال والوسط والمناطق الغربية.
هذه التحالفات شكلت فسيفساء غير متجانسة ,غريبة المكونات مختلفة الالوان, متقاطعة الاجندات ,اختلط فيها العنف المشروع بغير المشروع , وتداخل فيها الارهاب بمواجهة الانقلاب ,كلما يجمعها هو وحدة الخصومة لا اكثر , وهو امر يذكرنا بتجمع اللقاء المشترك ضد صالح , الذي ضم ( الاصلاح والاشتراكي والبعث والناصري) وغيرها من المكونات السياسية , رغم تعارضها في الفكر والأهداف, وجل ما وحدها, هو خصومتها مع عفاش , ولكن ما ان سقط عفاش حتى سارع كل منها لفرض برامجه وتجيير الواقع لخدمة اجندته وليس لخدمة الوطن , ودخلوا في خلافات وجدل عقيم, اثر بشكل سلبي على نتائج ثورة الشباب والمبادرة والياتها ومخرجات الحوار, ومواقفها من الحرب, وقبل ذلك اخفقوا في حل قضية الجنوب وجعلها كل طرف مجرد وسيلة لابتزاز الاخر وتقوية موقفه لا اكثر.
السؤال الذي يطرح نفسة اليوم, ما مصير تحالفات الحرب القائمة ؟ وما موقفها من الارهاب ومكوناته, اذا ما انتهت الحرب بأي شكل كان؟
وهل ستتكرر تجربة نتائج حرب 1994م ,عندما استوعب صالح , الكثير من قيادات تلك التنظيمات واعضائها في مؤسسات الدولة, كنوع من رد الجميل لدورها في اجتياح الجنوب واخضاعه لسلطته , وهي احد العوامل التي اوصلتنا الى هذه النتيجة التي نعاني منها اليوم.؟