كريتر نت / BBC
احتل الشأن الإيراني حيزاً كبيراً من تغطية الصحف البريطانية، وخصصت معظمها مساحة كبيرة للحديث عن تداعيات اغتيال الجنرال قاسم سليماني والمظاهرات التي اجتاحت إيران عقب إقرار السلطات بإسقاط الطائرة الأوكرانية بطريق الخطأ، إضافة إلى احتمالات استجابة حلف الناتو لاقتراح الرئيس الأمريكي بالقيام بدور عسكري أكثر فعالية في الشرق الأوسط.
ونبدأ جولتنا من الغارديان مع مقال تحليلي بقلم مارتن تشولوف، مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط، تحت عنوان “الحزن والكبرياء يتراجعان أمام الشعور بالإحراج، ومشروع طهران في المنطقة أصبح ضعيفاً”.
ويقول الكاتب إن عواقب اغتيال سليماني ستتضمن “فوضى وغضباً وعدم استقرار، وربما يصل الأمر إلى حرب بين من هم ضد الاغتيال وبين الذين هتفوا له. وهناك إجماع تقريباً على أن الأمور لن تكون كما كانت عليه في السابق أبدأً”.
ورغم ذلك، يقول الكاتب إن عملية الاغتيال “لم تؤد إلى الاضطرابات التي توقعها كثيرون. وإذا كانت مناطق النفوذ القوي للجنرال هادئة حتى الآن، فإن الجبهة غير المستقرة هي بلده إيران، وليس بسبب وفاته، وإنما بسبب مقتل 176 شخصاً كانوا على متن الطائرة الأوكرانية التي أصابها صاروخ إيراني” عقب اغتياله.
ويقول الكاتب إن الجيش الإيراني “فقد أعصابه. والأدلة كانت كثيرة وواضحة، وفي النهاية اضطر إلى الاعتراف” بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة.
وكان صدى ذلك على الداخل الإيراني قويا جداً “فقد تراجعت مشاعر الحزن والاعتزاز الوطني، بينما كانت سليماني يشيع في أنحاء إيران، ليحل مكانهما الشعور بالإحراج”.
وأشار الكاتب إلى أن ذلك جاء بعدما أخطأت معظم الصواريخ التي أطلقت على القواعد الأمريكية أهدافها، وربما عن قصد، وهو ما جعل الحرس الثوري، أقوى مؤسسة في البلاد، “محل ازدراء”.
ويرى الكاتب أن إيران عليها الآن “أن تتعامل مع المهانة في الداخل والخارج”.
ويضيف أن “وكلاء إيران الأقوياء، الذين كان يُعتقد أنهم سيقومون بأقسى رد، صامتون. وأعداؤها الذين كانوا في حالة تأهب قصوى منذ أن نفذت الطائرات بدون طيار ضرباتها في بغداد في فجر 3 يناير/كانون الثاني، بدأوا الآن في الشعور بالاسترخاء. وسرعان ما بدأ خصومها السياسيون يعتادون الحياة من دون الوجود القوي للرجل الذي كان يقف عثرة في طريقهم في معظم الأحيان”.
ويرى الكاتب أن تركيا وإسرائيل وروسيا والمملكة العربية السعودية، التي تصارعت مع إيران من أجل السلطة والنفوذ في المنطقة، كانت تعرف قوة سليماني جيدا.
وقد كُشف خلال الأسبوع الأخير وجود مزيج من المفاجأة لمقتله والارتياح في أعقاب ذلك. وبالنسبة لهذه الأطراف فإن “اغتيال سليماني أضعف الذراع الإقليمية لإيران بشدة”.
ويقول الكاتب إنه في سوريا، “حيث كان سليماني يتنافس مع فلاديمير بوتين في التأثير على بشار الأسد، تبدو روسيا اليوم تحكم قبضتها على الأوضاع بشكل أسهل بكثير”.
وفي لبنان، “حيث يُعتبر حزب الله، الذراع الأكثر أهمية في مشروع إيران الخارجي. وبعد أن فقد راعيه الرئيسي. ولطالما اعتبر زعيمه حسن نصر الله، عصي على المس على غرار سليماني، أصبح الآن عرضة للخطر أكثر من أي وقت مضى، وربما إسرائيل تعاود النظر الآن في موقفها السابق منه باعتباره هدفاً محفوفا بالمخاطر للغاية”.
ويقول الكاتب إن “المملكة العربية السعودية، العدو اللدود لسليماني ولكنها كانت تخشى من تبعات اغتياله. لكنها الآن مطمئنة إلى حد كبير أمام تراجع الروح القتالية في المنطقة، حتى الآن على الأقل. أما تركيا فتتمتع بسيادة أكثر حرية في شمال سوريا ومنطقة الأكراد”.
وفي العراق، الذي عانى من وطأة وصاية سليماني أكثر من أي مكان آخر ربما، فقد أصبحت شبكة نفوذ الإيرانيين أضعف مما كانت عليه قبل أسبوع”.
ويخلص الكاتب إلى أن “المشروع الإقليمي الذي بنته إيران بجهد، لم يعد يبدو مستداماً كما كان. بل إنه في بعض الأجزاء أصبح هشاً بشكل واضح”.
“مظاهرات غير مسبوقة”
ونقرأ في صحيفة التايمز مقالاً تحليليا، كتبته هانا لوسيندا سميث تحت عنوان “فجأة تحولت المظاهرات الصغيرة إلى فيضان”.
وتقول الكاتبة في مطلع مقالها إن حادثة واحدة قد تهز الصورة التي رسمها نظام ما لفترة طويلة.
وتضيف قائلة: “اعترفت إيران بأنها أطلقت الصاروخ على الطائرة الأوكرانية ما أدى إلى مقتل عشرات الإيرانيين بعد ساعات فقط من قيام حشود المشيعين لقاسم سليماني بفعل نفس الشيء” في إشارة إلى الايرانيين الذين قتلوا بسبب التدافع خلال التشييع.
وتضيف الكاتبة أن “قادة إيران محشورون اليوم في الزاوية، رغم أن الحكومة أمضت ثلاثة أيام في محاولات إخفاء مسؤوليتها عن حادث” الطائرة.
وتقول الكاتبة إن إيران تشهد منذ سنتين موجات من المظاهرات سواء احتجاجاً على التضخم وغلاء المعيشة بمشاركة الطبقة الفقيرة والطبقة العاملة، أو مظاهرات ضد فرض الحجاب تقوم بها ناشطات ونساء مطالبات بالحرية.
وبحسب المقال، فإن “معظم النساء اللواتي شاركن في المظاهرات أما تعرض للسجن أو غادرن البلاد، كما أن المظاهرات قمعت بقوة شديدة، وآخرها كان في نوفمبر/تشرين الثاني”.
لكن حادثة إسقاط الطائرة أثارت احتجاجات غير مسبوقة، كما يرى المقال، فالإيرانيون الذين كانوا على متنها ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وهم يعملون أو يدرسون في الجامعات في أمريكا الشمالية وأوروبا.
وأشارت الكاتبة إلى أن “أهاليهم وأصدقائهم وأقاربهم الذين زاروهم في إيران ينتمون إلى الأقلية التي كانت صامتة حتى الآن. كما أن هذه الكارثة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لبعض مؤيدي النظام”.
وفي ما يتعلق بالمصير الذي يمكن أن تؤول إليه الاحتجاجات، تقول الكاتبة “هناك احتمال ضعيف بأن تستمر المظاهرات بحيث تؤدي إلى قلب النظام، الذي أظهر أنه مستعد للرد بعنف”.
وفي النهاية يخلص المقال إلى أن “السيناريو الأكثر احتمالاً ، وإن كان لا يزال بعيداً، هو أن تقوم جماعات من داخل الأجهزة الأمنية باستغلال الوضع للوصول إلى السلطة”.
الناتو وخطط ترامب في الشرق الأوسط
وننتقل إلى خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط خصوصاً ما يتعلق بانسحاب القوات الأمريكية ومحاولاته لإقناع حلف الناتو بإرسال قوات لتملأ الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية.
ونقرأ في الفاينانشال تايمز مقالاً كتبته هيلين واريل بعنوان “خطط ترامب في الشرق الأوسط لا تثير شهية الناتو”.
وتقول واريل إن ترامب بعد يوم واحد فقط من مطالبته حلف الناتو بتوسيع وجوده في الشرق الأوسط، توصل ترامب إلى اسم للتحالف العسكري بحيث يعكس توسع دوره. وتضيف أن الرئيس الأمريكي قال أمام صحفيين “ناتوم( NATOME)، أليس هذا اسماً جميلاً ومناسباً. الناتو مضاف إليه أنا ( me بالإنجليزية). إنني أجيد اختيار الأسماء، أليس كذلك؟”.
وتعتقد الكاتبة أن ترامب من غير المنتظر أن ينجح في مسعاه، وتقول “من المرجح أن يصاب ترامب بخيبة أمل بخصوص رغبته في إعادة طرح الناتو كلاعب فعال في حماية المنطقة.
ويبدو أن رد حلف الناتو تصالحياً، ولكن يحمل ملامح تحذيرية”.
وتقول واريل إن فكرة الرئيس الأمريكي، بعد توجيه إيران ضربات ضد قواعد أمريكية في العراق، هي أن على أعضاء الناتو الـ29 أن يتحملوا المزيد من العبء في توفير الاستقرار في المنطقة.
وقد وافق ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، بحذر على أن يكون “الحلف أكثر فعالية” في الشرق الأوسط خلال مكالمة هاتفية مع ترامب. إلا أنه في وقت لاحق قلل من أهمية الاقتراحات بأن الناتو يمكنه نشر المزيد من القوات في المنطقة، وبدل ذلك اقترح ستولتنبرغ أن يقوم الحلف “بتمكين القوات المحلية من محاربة الإرهاب بنفسها”.
وتشير الكاتبة إلى أن هذا ليس سوى أحدث الطلبات التي تتقدم بها واشنطن خلال رئاسة ترامب إلى أعضاء الناتو.
ويريد ترامب من الحلف أيضاً “أن ينفق المزيد على شؤون الدفاع، ويعزز جهوده في مكافحة الإرهاب، وأن يتصدى للتهديدات التي يشكلها تصاعد نفوذ الصيني”.
وتنقل الكاتبة عن اللورد ديفيد ريتشاردز، وهو قائد سابق لقوات الناتو في أفغانستان، ورئيس أركان بريطاني أسبق “ما سيحدث على الأرجح هو أن يتم نقل بعض القادة والقوات وبضع مئات من الجنود المستجدين، وسيكون هذا مفيداً للطرفين من الناحية السياسية، بحيث يمكن القول إن الناتو أصبح أكثر مشاركة – حتى لو كانت النتيجة عسكرياً صغيرة وهامشية”.
لكن في حال كان ترامب يدفع بشكل أقوى باتجاه تطور فعال، فتقول الكاتبة إنه سيقابل بالمقاومة. ولكن يبدو أن الرئيس الأمريكي يقترح هذا الأسبوع أن يزيد الناتو وجوده على الأرض بحيث يمكن للقوات الأمريكية أن تبدأ بالانسحاب من العراق، ما يشير إلى أن العلاقات بين واشنطن وبغداد ليست في أفضل حالاتها.
وتتابع الكاتبة “أرسل الناتو قواته إلى أفغانستان عام 2001 لدعم القوات الامريكية بعد هجمات التاسع من أيلول، وكانت النتيجة في أفضل أحوالها، حملة حماية لكن بدون استراتيجية واضحة”.
وترى الكاتبة أنه بعد عقدين من الزمن من الصعب أن تكون الرغبة في العمل الجماعي أقل مما هي اليوم. فقد تخلى ترامب عن الاتفاق النووي الإيراني، وسمح بتوغل القوات التركية في شمال سوريا، كما أمر مؤخراً باغتيال قاسم سليماني، أقوى قائد عسكري في إيران، ما أشعل التوتر في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
كما تنقل الكاتبة عن السير توم بيكيت، المبعوث الأمني السابق للمملكة المتحدة إلى العراق والمدير الحالي لمركز الدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط قوله “إن الولايات المتحدة تطلب من الناتو بذل المزيد من الجهد في وقت لم يتم فيه إعلام المملكة المتحدة- أقرب شريك لها – مسبقاً بشأن الهجوم على سليماني”.