كتب : أحمد عبداللاه
انشغل الخيال العلمي طويلاً بايجاد مقاربات مختلفة لنهاية الحضارات وانقراض البشر، وقدم نماذج كثيرة.. عن ارتطام جرم/اجرام فضائية بالأرض أو غزو من سكان كواكب السماء البعيدة أو اضطراب الأرض بعد أن يجرحها ضجر الدهور ونشاطات البشر التدميرية، أو حروب كبرى تخرج عن السيطرة أو نهاية حقبة مناخية تتآكل معها الجغرافيا وينحرف الغلاف الجوي عن سلوكه الأزلي، أو غزوات بيولوجية خرجت جحافلها للتو من قمقم/ مختبر تحت الأرض… وكل تلك العروض ظهرت في صناعات السينما بأنماط مثيرة ومتعددة.
اليوم، وعلى رؤوس الأشهاد، نعايش واقع متسارع على الأرض وليس على الشاشة.. ننام ونصحو على سؤال واحد: متى “يتسطح” منحنى كورونا الرهيب الذي ينط كدالّة أُسّية بقيم إيجابية صاعدة في بقع من العالم ظننا أنها بلدان الامكانات اللامحدودة وأن شعوبها اكثر جاهزية لمواجهة الكوارث. وهذا ما يجعل القلق مضاعفاً.
واليوم يُنفخ في ميديا العالم نداء صاعق يوحد الإنسانية: ابقوا في بيوتكم يا معشر البشر فهي (سفينة نوح) هذا العصر، ابقوا فيها، فذلك أقصى ما يمكن فعله حتى ينحسر الطوفان وتتضح مجددا الطوبوغرافيا مغسولة بملامحها الجديدة الناهضة من قيعان الصدمة. قاوموا بالعزل فأنتم أمام حدث كورونيالي يُدخل من يقاوم منكم في حقبة تاريخية مختلفة وحضارة ما بعد جائحة العصر الحديث بمعرّفات جديدة وأنماط حياتية وعلاقات تحمل بداخلها أصداء الحدث وتدفع نحو التغيير التدريجي.
الكورونيالية عملية إعادة ضبط وتحديث العالم بصورة مرعبة وتغيير يضع الدول في مراتب غير تلك التي ألفناها، وعلاقات يعاد نسجها على قواعد صُممت في تداعيات الأوجاع والأزمات والهلع الذي تصاعد حتى فرّت كلُّ دولة من اختها وجارتها وحليفتها ولكل منها مصيبة تعنيها، خاصة وقد اختار (الفيروس المجهري) بعناية مناطق التحدي الساخنة لانتشاره ومراكز التفاعل السريع والكثيف ودواماته المتسلسلة وغموضه الرهيب وكأنه يقول أنا هنا أيها الاقوياء لأثبت ضعفكم وهشاشة حضاراتكم الزجاجية وأحيل ابتسامات هوليوودية الى موجة عاصفة من الأنين.
لطالما سمعنا عن نظرية الصدمة التي تضع الحقل الإدراكي للبشر تحت تأثيرها فتصبح العقول جاهزة وطيّعة لقبول أي تغييرات دراماتيكية عميقة في الواقع، وتلك عقيدة ربما تبنتها دول كبيرة في حروبها لإعادة ترتيب قوى إقليمية بصورة مغايرة للمألوف وفقاً لأهدافها. لكن اليوم هناك صدمة طبيعية شاملة ما تزال تتفاعل ولم يتم تحديد نهاياتها. وهناك قراءات مختلفة بعضها متشائمة. ربما تُهيئ المرء يوم ما رغم كل شيء لأن يحمد الواحد الأحد بأن فيروس كورونا الحالي لم يكن بالقوة التدميرية الكافية بل كان فيه ما يكفي ليوجه النداء الاخير للعالم بأن أي طفرة قادمة من هذه السلالة الفتاكة ستجعله يتعامل مع فرضية النهاية المأساوية المتكاملة للحياة على هذا الكوكب الذي قد يحتاج بعدها إلى ملايين السنين ليعيد تحضير بيئته الجديدة ل(دورة داروينية) أخرى تتطور حتى يحل على الارض عصر هوموسابيان رقم ٢ بتكوين آخر ومواصفات بشرية مختلفة. حينها نصبح نحن أمة أحفورية تكتشفنا النسخة القادمة من البشر مثلما وجدنا تجمع الديناصورات المتحجرة بين طبقات الأرض القريبة من السطح وأطلقنا جملة من الفرضيات المتلاحقة حتى استقر الامر غالبا عند ارتطام جرم حائر (تمشى) بين أجرام السماء الدنيا قبل أن ينجذب بصورة متسارعة نحو الأرض فأفاض محيطاتها وخنق شمسها وأخرج أثقالاً من جوفها ورمى بأثواب جبابرة ذلك العصر لتنصرف فجأة عن الوجود في حدث شكل عتبة كرونولوجية بارزة في عمود الزمن.
كورونا.. هذا الكائن اللامرئي ما يزال يشعل الحرائق ويضع إمكانات واقتصاديات العالم على المحك، وعدم توقيفه عند حدود مقبولة سيجبر العالم على أن يواجه خيارات يصعب على أي كاتب أن يقدمها للقارئ في هذا المشهد المؤلم.
ومع كل ما يمكن وما لا يمكن التنبؤ به سيرحل (كوفيد ١٩) في آخر المطاف بكل تأكيد لكنه سوف يخلف أعداد كبيرة من الضحايا وأسئلة كثيرة حول أداء البلدان وأنظمتها الصحية واخفاق دول عظمى حتى في تجهيزات الفرد الوقائية واختلاف نسب الموت المتفشي بين البلدان المصابة وأشياء أخرى.
لكن السؤال الأعظم الذي ما يزال يؤرق الجميع: اذا خرج الوضع عن الكونترول في بلد أو بعض البلدان ماذا ستفعل؟ هل تتخلى عن أشجار الوعر لتبقى حقول التفاح؟