كتب : عبدالستار سيف الشميري
في زحمة كتاباتنا عن أحداث الحرب وكوارث الإخوان والحوثي، وكورونا وغير ذلك من المآسي، ننسى أو نتناسى أن نستريح ونريح القراء والعقول التي أنهكت من ويلات الحرب، بجرعة من التفاؤل والأمل، كي لا نختنق ونموت.
ولعل مساحات الأمل لا تنتهي مهما بدا الوضع كارثياً، فالمتغيرات أحيانا تقلب الوقائع رأسا على عقب، والشعوب الحية تحسن وإن طال الزمان بها تدابير التغير والخروج من الأنفاق المظلمة إلى رحاب الدنيا التي تضيق فتتسع، وليس ذلك على شعبنا ببعيد لا سيما وقد زادته التجارب انصهارا وأعطته الحرب صلابة وقوة.
لذا فإن ما ينقصنا اليوم هو جرعة من ذلك التفاؤل حتى نستمر في معركة الوعي وهي أم المعارك، ونجدد الأمل، ذلك أن الشعوب الحية لا تموت، والأوطان لا تندثر.
إن واجبنا جميعاً ونحن نحذر الأجيال القادمة من مزالق الجماعات الدينية وخطورتها في هدم الأوطان، عدم الذهاب بعيدا في طرح اليأس كاجندة يتم التعامل معها كواقع، والجمع بين التحذير من الواقع الكئيب وتخليق الآمال قد يبدو صعبا، وكأنه الجمع بين متناقضين لكنه ضرورة حتمية، وإن لم يكن ذلك فإننا سوف نسهم وبدون قصد بتطبيع الشباب على قبول الواقع كما هو عليه والرضوخ له، وذلك ضد سيرورة الأشياء ودوران الأحداث.
إن إشاعة ثقافة التفاؤل والعمل والذهاب بالأحلام إلى منتهاها هو الطريق القويم ممن يعول عليهم التنظير والإسهام في معركة الوعي، وتنضيد مفاهيم خالقة للرفض وإنشاء البدائل الممكنة والتغلب على صعاب الأمور. مرت شعوب كثيرة بدوائر مغلقة من المحن والأمراض والحروب والكوارث وخرجت منها بسبب ثقافة الأمل والتبصير بمفردات السعادة الكائنة في النفوس والكامنة في الأوطان.
هناك الكثير مما يستحق الحياة والنضال والتفاؤل، وعلينا دائما تسليط الضوء عليه في أقسى مراحل العتمة التي قد تبدو دون انفراج لدينا من الطاقات والإمكانات ما يمكن أن نسميه الرصيد الاستراتيجي ومخازن الاحتياط، وينبغي أن نتجه إليه، مهما طالت الحرب حتماً ستنتهي، وعلينا وضع الأسئلة كيف يمكن ذلك وما دورنا في ذلك، وما الذي يمكننا فعله بعد ذلك جميعنا دون استثناء؟
إن صناعة هكذا أسئلة أمر مهم، كي يتم العصف الذهني الذي سيخلفه حتما أشكال وأنماط من الأفعال المختلفة للإجابة على تلك الأسئلة عملياً.
من الأمور الباعثة للأمل أن سبعين في المئة من الشعب اليمني هم من الشباب، ومعظم هولاء لم يتلوثوا بأفكار الجماعات، ولم تستطع مصانع القطيع أن تصهرهم في بوتقتها، وهذا بحد ذاته رصيد استراتيجي هام يمكن التعويل عليه لأي تغيير قادم ولأي فعل نوعي لترميم البلد الغارق في أوجاعه، وما يحتاجه هذا الجيل هو المساعدة والتبصير ورسم بعض الدلالات في الاتجاه الصحيح وترشيد فكره وخطابه بمزيد من الرؤى الناقدة والجرعات المستنيرة، وحثه على الاطلاع والفهم والمثابرة والحفاظ عليه أولا وأخيرا من أعاصير الأفكار الهدامة والماضوية، إنها مهمة صعبة لكنها ممكنة الحدوث وهي تسير وإن كانت بوتيرة ليست سريعة وتحتاج إلى تنشيط واتقاد بصورة أكثر فعالية وأكثر انتشاراً، ولعل منابر التنوير ومواقع الثقافة والإعلام في شبكات التواصل لا سيما الهادفة من هذه المواقع لعلها هي الأهم حاليًا في ظل خفوت القراءة والبحث الذي يعزف الشباب عنه ويملونه غالبا إلا القليل منهم.
إن مهام النخبة اليمنية المثقفة هي:
أولاً، إشعار الجيل الجديد من الشباب أنهم اكتشافنا الوحيد للحل وأن المسؤولية عليهم في التغيير، ومساعدتهم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
ثانياً، الضغط على كل زرار ممكن لإرسال إشارات سريعة في التوعية والتنوير، وهذا في حد ذاته سيراكم ما نأمله من إطلاق شرارات الوعي وبناء جهاز مفاهيمي جديد لدى الجيل بالوطن المدني الذي ينبغي العمل من أجله، بعيداً عن كل مشاريع الماضي من خلافة وإمامة وغير ذلك، وليس ذلك ببعيد.