محمد علي محسن
كنت انتظر من الرئيس هادي خطاباً يحدثنا فيه عن حلول ومعالجات للازمات الاقتصادية والخدمية والبنيوية الآخذة بالتفاقم وبشكل مخيف ومهلك ، وعن كيفية تعاطيه مع الوضعية الراهنة الناتجة عن ازمات مركبة أفضت لحرب بلا منتهى ..
نعم ، كنت اود منه أن يحدثنا عن الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم ، وعن جدواها وفائدتها لأجيال المستقبل ؛ بدلاً من توريط ذاته في تواريخ واحداث نحسبها من الماضي البعيد ، عوضاً انها في متناول كل باحث ومطلع .
كان يتوجب عليه الكلام عن قناعاته الشخصية التي تكونت لديه من تجربته الحياتية والسياسية ، وجعلته يدرك ومقتنع بثمة قضية ينبغي أن يقاتل من أجلها .
فهل عجز الرجل عن قول أن الوحدة الاندماجية انتهت ، وان الدولة البسيطة فشلت ، وان التجزئة انتهت ، وان الدولة الشطرية لم تعد حلاً ممكناً أو عادلاً ..
وان الدولة الفيدرالية المركبة هي الحل البديل والعادل ولكافة اليمنيين في الجنوب والشمال على السواء ، وان هذه الدولة الاتحادية هي غاية نضال طويل وشاق .
وان الانقلاب ، ومن ثم الحرب ، هدفهما الاول إفشال تلك الدولة الاتحادية التي مازالت للحظة مجرد مقررات مكتوبة ، ومجرد دستور ونصوص منمقة ينتظرها إنهاء الحرب ، وينتظرها جهداً خارقاً ، وإرادة سياسية قوية ، وشجاعة وصدق وإخلاص ونزاهة، ومعظمها غائبة للأسف ..
واذا كان ولابد من تعزيز موقفه المنحاز للتوحد ثانية ، فكان عليه ، فقط ، القول بأن الحدود السابقة صنعها الإنجليز والأتراك ، وان الجنوب برمته هو صنيعة توحد دام عقدين ونيف .
فقبل استقلال الجنوب عام ١٩٦٧م كانت التجزئة هي الأصل ودامت قرونا ، وان ما يحسب للنظام السابق في الجنوب هو قدرته على توحيد كل تلك الفسيفساء من السلطنات والمشيخات والإمارات ال ٢٣ ، في كيان دولة واحدة مستقلة ..
كما وكان بمقدوره الحديث عن قضايا مهمة وحيوية تفضي للدولة الاتحادية المنشودة لكل اليمنيين ، ولكنه للأسف أخفق في إيصال قناعاته أو حتى مشروعه السياسي ، رغم أهميته وقيمته لمجتمع انهكته الصراعات والحروب على الحكم .
الراحل الشهيد علي عنتر حين سؤل ذات حقبة من محرر مجلة “الهدف ” اللبنانية التقدمية عن جدوى التوحد بين شعبين مختلفين ثقافياً ؛ كان رده : نأكل العصيد ، ونخزن القات ، ونركب الحمير ، ونبترع ونرقص ، فإين هي يا صاحبي الفروقات الثقافية ؟.
ولكن هادي لم يفلح حتى بسرد حدث شهير دُوُّن في سفر التاريخ الحديث ، فبرغم ان أغلب اليمنيين يحفظون أحداثه عن ظهر قلب وبالفطرة ، إلَّا أن رئيسهم ظهر وكأنه واحد مسطول أو جاهل لا يفقه شيئاً ..
فلو أنه عزف عن خوض غمار تاريخ يجهله؛ لكان ذلك أفضل له ولنا ، فالرجل شوه فكرة الدولة الاتحادية – اذا لم يكن قضى عليها – كما وثبط من عزيمة رجاله وأتباعه ، قبل خصومه ومناوئيه .
فماذا يعني لهذه الاجيال أن تكون الضالع شمالية ام جنوبية ؟ أن تكون البيضاء أقرب لابين من حضرموت أو المهرة ؟ أن تكون عدن ارض عبدلية ام فضلية ؟؟
فهل سيغير منطق التاريخ حقيقة أن الجغرافيا لها معادلها الموضوعي المادي ، وان المهم هو الانسان الذي ينبغي أن يقدم على التاريخ والجغرافيا معاً ؟؟.
لم ارد هادي أن يكون مثالياً ، بحيث يتغنى بوحدة لم يعد لها وجود في نفوس طالها الضيم والقهر والإذلال ، فمثل هذا التوحد المتكأ على العاطفة والتاريخ والقوة والجبروت والهيمنة ، كان سبباً مباشراً في حالة الارتكاسة الماثلة الان وفي أكثر من جبهة وناحية ..
اصدقكم ، انني كنت ومازلت انتظر من الرئيس هادي كيما يحدثنا عن يمن مختلف كلياً عن ذاك اليمن الكلاسيكي المثقل بتبعات صراعات وحروب وانقسامات مزقت نسيجه الوطني والمجتمعي ، ووئدت طموحات وأحلام أبنائه .
ويكفي أن ارى هادي مجسداً لقناعاته التي يؤمن بها ، وأن اختلف معه الكثير ، وهذا باعتقادي افضل وانجع له ولنا من حالة الخذلان والانكسار والقنوط ، ومن استجرار التاريخ وأحداثه وحتى شطحاته ونزواته.
أذكر لكم قصة شاعر جل إبداعه صياغة قصائد عصماء يمتدح بها رئيس عربي ، وفي إحدى الجلسات كنا استمعنا لقصيدة طويلة ذكرتني بمدح ابي تمام للخليفة المعتصم .
وبعد قراءتها من قبل صاحبها طُلب منا نقدها ، فكل واحد أدلى بدلوه إلى أن وصل الدور لصديقي الجميل الدكتور محمد مسعد العودي ، الذي علق هازئاً : قصيدة تماثل إطار حراثة فوق بيجوت ” .
ما أخشاه أن الدولة الفيدرالية تشبه تلك القصيدة التي هي اكبر من أي رئيس عربي ، كذلك هي مقررات مؤتمر الحوار ،بالنسبة للرئيس هادي وإدارته للمرحلة ..