ايمان عويمر
أوقفت السلطات الجزائرية عرض مسلسل تلفزيوني هو الثالث من نوعه منذ بداية شهر رمضان، “تحرش” بالعلاقات الجزائرية التونسية، عقب تعرّضه لشأن دبلوماسي حول التعاون الإقليمي بين البلدين، وصوّر الرئيس الجزائري على أنه المسؤول المهتم بملء خزينة جيرانه على حساب شعبه.
وتضمنت مشاهد الحلقة من مسلسل “دار لعجب”، التي تُبث على قناة “الشروق” الجزائرية، تلميحات سياسية علنية للزيارة الأولى التي أجراها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الجزائر مطلع شهر فبراير(شباط) الماضي، والتي كُلّلت بإبرام اتفاقيات عدّة ومنح الجزائر وديعة لتونس بقيمة 150 مليون دولار، أثارت وقتها جدلاً واسعاً في البلاد.
وتُرجمت هذه الواقعة في قالب هزلي، يُظهر مُمثلاً يؤدي دور أب عائلة مستهتر بـ”مال الأسرة”، يعرض على الأجانب ومنهم شخص من تونس أموالاً كهدايا، في حين يَحرم أبناءه من أدنى الضروريات.
وحاولت السلسلة إبراز ربّ الأسرة في صورة “المسيّر” غير الجيد لميزانية العائلة، ويترجم ذلك من خلال مقطع آخر للأبناء وهم يتساءلون عن مصير الأموال وكيفية اقتناء بعض الحاجات، ليجيب أحدهم أن الأموال أخذها التونسي، في إشارة إلى منح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قرضاً لتونس خلال زيارة الرئيس سعيد.
كما تضمنت الحلقة إشارة إلى أصحاب “الأصبع الأزرق”، وهي تسمية باتت تطلق على الذين صوّتوا في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأفرزت عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد، إذ يُتهم هؤلاء من طرف الرافضين للانتخابات بأنهم عرقلوا تغيير النظام في البلاد عقب الحراك الشعبي، وأسهموا في إعادة إنتاج النظام ذاته بتزكيتهم لتلك الرئاسيات التي دعمتها المؤسسة العسكرية، وفق اعتقادهم.
ودخل مصطلح “الأصبع الأزرق” ضمن الممنوعات الواردة في قانون جديد يتعلق بالوقاية من التمييز ومكافحة خطاب الكراهية، المصادَق عليه من جانب البرلمان الجزائري أخيراً.
وتبرّر السلطات الجزائرية سن القانون بالحاجة إلى “صيانة الوحدة الوطنية بكل مكوناتها، وأخلقة الحياة السياسية والعامة وصونها من الانحراف”، لكن المعارضة ترى أنه جاء لتقييد حرية التعبير.
اتصال حكومي
وقبل سحب السلسلة التلفزيونية، أعلن مكتب رئاسة الوزراء الجزائرية، أن عبد العزيز جراد تلقى مساء الثلاثاء (28 أبريل) اتصالاً هاتفياً من رئيس الحكومة التونسي إلياس الفخفاخ، تبادلا خلاله التهاني بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، ووجهات النظر حول سبل تطوير العلاقات الثنائية أكثر فأكثر، في حين رجّحت مصادر أن تكون المكالمة تناولت محتوى السلسلة التلفزيونية التي وُصفت بـ”المسيئة”.
وقالت “سلطة ضبط السمعي البصري”، وهي هيئة حكومية تُراقب عمل القنوات الخاصة في الجزائر، إن مسلسل “دار لعجب” تضمّن عبارات ازدراء ومساس بالكرامة الإنسانية، مشيرةً إلى أن البرنامج التلفزيوني “لم يحترم المصالح الاقتصادية والدبلوماسية للبلاد والقيم الوطنية ورموز الدولة المحدّدة في الدستور”.
ووصفت السلطة البرنامج بـ”الخطير”، موضحةً أن رئيسها “اتصل هاتفياً بمسؤولي القناة وقدم إنذاراً شفوياً عن هذه التجاوزات الخطيرة، فالتزم هؤلاء توقيف البرنامج واتّخاذ الإجراءات الجزائية ضد فريق العمل”.
في المقابل، أصدرت مجموعة “الشروق” الإعلامية، بيان اعتذار للرئيس التونسي وشعبه، كما حذفت بشكل نهائي المسلسل من شبكة برامجها وحلقاته السابقة من منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنت “فتح تحقيق مستعجل في هذه القضية، بعد صدور قرارها بتوقيف كامل فريق المعاينة الأولية للبرامج وإحالة أفراده إلى المجلس التأديبي”.
استياء شعبي
ويُعدُّ هذا البرنامج الرمضاني، الثالث الذي عُلّق بثه في القنوات الجزائرية، فقبل أيام فجّر برنامج كاميرا خفية “أنا وراجلي” (أنا وزوجي)، عُرض على قناة “نيوميديا” غضباً شعبياً كونه يُقدم المرأة هدية لضيف البرنامج ويوهمه بقبولها بالزواج.
وكتب فيصل مطاوي، صحافي متخصص بالشأن الثقافي “عندما تصبح المرأة هدية تُعطى إلى الرجال. هذه الكاميرا الخفية قمة في الابتذال والغباء، يعني وصلنا إلى هذه الدرجة من الانحطاط”.
وتساءل عبر صفحته على فيسبوك “أين كرامة الإنسان؟ لا ذوق، لا ذكاء، لا فكر، لا حس، فراغ مفرغ. أوقفوا هذه المهازل”.
وعلى إثر ذلك، وجّهت سلطة ضبط السمعي البصري إنذاراً إلى القناة، واعتبرت أن البرنامج تضمّن “مخالفات جسيمة تمسّ بقواعد المهنة وأخلاقياتها، وبالحياة الخاصة والسمعة والشرف”، قبل أن تتقدم القناة باعتذار رسمي إلى المشاهد الجزائري.
وقبل ذلك، امتنعت قناة “الشروق” عن بث الموسم الثالث من المسلسل الكوميدي “دقيوس ومقيوس”، إذ اتَّهم الممثلان الرئيسان في السلسلة، نبيل عسلي ونسيم حدوش، “جهة ما في السلطة بمنع البث من دون مشاهدتها”، بداعي أنها تحاكي الأوضاع السياسية.
فوضى
من جهة ثانية، سجل المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين بداية رمضانية حافلة بما وصفها بـ”الإخفاقات” و”الفشل الذريع” في نزول غالبية البرامج التلفزيونية الرمضانية عند رغبة العائلة الجزائرية.
وأوضح المجلس أنه “تلقى رسائل السخط من تشبّع الشاشات بالمشاهد واللقطات السمجة والمائعة والمخلّة بالذوق العام والخادشة للحياء”.
وفي السياق، عبر المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، عن رفضه “لنشأة وبروز قنوات تلفزيونية وأية منابر إعلامية أخرى عديمة اليقظة”، محذراً من “الفراغ القانوني مع ضرورة استدراكه في المراجعة المنتظرة للقانون العضوي المتعلق بالإعلام”.
يذكر أنه على الرغم من مرور 9 أعوام على ترخيص السلطات الجزائرية بفتح قطاع السمعي البصري في البلاد، إلّا أنّه لا يزال يعيش فوضى باعتراف أهل القطاع، لتأخر صدور مراسيم تطبيقية توضح كيفية تنفيذ مواد قانون الإعلام الصادر عام 2012.
المصدر : اندبندنت