كريتر نت / القدس العربي
في آذار أعطت السعودية توجيهاتها لجميع المسلمين في العالم بأن لا يسارعوا ويشتروا تذاكر السفر من أجل الحج إلى مكة. وأظهر إغلاق الأماكن الإسلامية المقدسة ومنع الصلوات الجماعية في المساجد بشكل جيد الضربة الدينية التي أوقعها فيروس كورونا بالمسلمين.
من السابق لأوانه معرفة إذا ما كان موسم الحج سيتم إلغاؤه، أو أن السعودية في مناخ نهاية كورونا ستقرر السماح بشكل كامل أو محدود لنحو مليوني حاج من أداء أحد الفرائض الدينية الأساسية. هذه ليست معضلة وبائية، فحسب، لأن المعنى المالي ضخم. موسم الحج والزيارات الموسمية التي تليه أدخل على السعودية في السنوات الأخيرة حوالي 16 مليار دولار بالمتوسط، أي نحو 5 في المئة من الناتج الإجمالي الوطني العام.
آلاف العمال السعوديين وأصحاب فنادق وأصحاب مصالح تجارية ومرشدون وسائقون ومراقبون ورجال صيانة، جميعهم يعتمدون على هذا الموسم كمصدر أساسي للدخل، وعشرات آلاف من العمال في الدول الإسلامية يعتاشون من هذه الفريضة الدينية.
السعودية التي أعلنت عن سياسة تنويع مصادر الدخل لديها كجزء من رؤيا 2030 كرافعة لتقليص اعتمادها على النفط، يمكن أن تواجه كيساً مثقوباً إذا لم يتم إجراء فريضة الحج هذه السنة. وهذه ليست المشكلة الوحيدة التي أنزلها الوباء على المملكة.
فقد قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية بأنه “ستكون حاجة إلى شد الأحزمة في السنة القادمة على الأقل.
سياسة معناها تقليل المصروفات غير الضرورية من أجل توفير كامل احتياجات المواطنين”.
علاوة على ذلك، ستضطر السعودية إلى الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية نحو 50 مليار دولار، تقريباً ضعف ما كانت تنوي اقتراضه قبل اندلاع الوباء وبعد أن أصبح من المتوقع أن تتقلص المداخيل إلى النصف تقريباً.
الوزير هدأ في الحقيقة ووعد بعدم حدوث خطر في السيولة البنكية ، وبأن أموال المودعين آمنة وكذلك احتياطي العملة الصعبة، حتى وإن تضاءلت بسبب الاستثمارات الضخمة في مشاريع ترتبط برؤيا العقد القادم، ما زالت توفر وسادة لينة وبعيدة المدى لحاجات الإدارة الجارية.
مع ذلك، لم يفصّل وزير المالية ماذا كان يقصد بتقليص المصروفات غير الضرورية.. هل القصد هو أن بناء مدينة المستقبل “نيوم”، التي تشمل مصر والأردن والسعودية، سيدخل إلى التجميد؟ هل ستضطر الاستثمارات في صناعة الترفيه إلى انتظار أيام أكثر صحة؟ وربما تقرر السعودية بأن الحرب في اليمن هي أيضاً إنفاق زائد من الأفضل إلغاؤها بشكل مبكر.
حرب اليمين لا تقتصر على إنفاق مالي ضخم يجثم على كاهل الصندوق السعودي فحسب، بل هي أيضاً مشمولة في داخل حرب النفط التي تديرها السعودية مع روسيا والتي أدت إلى هبوط حر للأسعار في السوق العالمية.
وكالة “رويترز” كشفت مؤخراً عن مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الأمريكي ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بداية نيسان، أوضح فيها ترامب لولي العهد بأنه إذا لم تقرر “أوبك بلس” تقليص كمية النفط المسوقة للدول الأعضاء فيها، فسيكون من الصعب عليه وقف إصدار تشريع من قبل الكونغرس يسعى إلى سحب القوات الأمريكية من السعودية، هذا كان ليس أقل من إنذار نهائي.
وخلال عشرة أيام توصلت روسيا والسعودية إلى تفاهمات بشأن تقليص 10 ملايين برميل في اليوم.
رغم هذه التفاهمات إلا أن حرب النفط لم تهدأ.
فما تزال السوق مشبعة بالنفط، ومخازن النفط مليئة، وناقلات نفط تم استئجارها فقط كي يتم تخزين فائض النفط فيها، ومداخيل الدول المنتجة آخذة في الانخفاض.
مساهمة ترامب في الحرب تلخصت حتى الآن بوعد أن تقوم الولايات المتحدة بتقليص كمية النفط التي تنتجها لكن دون إعطاء تفاصيل حول الكمية التي يدور الحديث عنها وإلى أي فترة.
روسيا التي دخلت إلى حرب تخفيض الأسعار من أجل المس بجدوى إنتاج النفط من الصخور الزيتية التي حررت الولايات المتحدة من الحاجة إلى استيراد النفط، وجدت نفسها مسجونة في قفص بنته هي نفسها.
خسائرها الضخمة أضرت باحتياطي العملة الصعبة لديها، والأسواق التي تقلصت بسبب كورونا كبحت زخم سيطرتها على أجزاء من الأسواق الجديدة، ونيتها في لي ذراع السعودية لم تتحقق.
لا يزال لدى السعودية احتياطي عملة صعبة كبير، وقدرة على تقليص مسار نفقاتها. روسيا تحتاج في الحقيقة فقط إلى سعر 45 دولاراً للبرميل من أجل توازن ميزانيتها، في حين أن السعودية تحتاج إلى سعر 75 – 80 دولاراً للبرميل، لكن الفرق بينهما هو أنه يمكن للسعودية الاكتفاء بسعر أقل بكثير بسبب قدرتها على تجميد أو حتى إلغاء خطط مستقبلية، تم تخصيص أموال لها في ميزانيتها.
أي أنه إذا كان بناء مدينة المستقبل أو الاستثمار في البنى التحتية الثقافية ستتأخر لبضع سنوات فلن تحدث أي كارثة، ويمكن للسعودية إدارة حاجاتها الجارية بشكل منظم. إذا قررت السعودية الانسحاب من اليمن فيمكنها توفير عشرات المليارات دون أن تتأثر بصورة دراماتيكية من انخفاض أسعار النفط.
أما روسيا فليس لها هذه المرونة وليس لديها مشاريع ضخمة يمكن أن توفر من خلال تجميدها، بل هي بحاجة إلى سعر 45 دولاراً لبرميل النفط من أجل احتياجاتها الجارية.
التطور المهم الذي أوجده كورونا هو أنه يملي إستراتيجية نفط جديدة تستعد فيها الإدارة الأمريكية أن تضع علاقتها التاريخية مع السعودية موضع الاختبار كجزء من دبلوماسية النفط التي يديرها ترامب. ما زال من السابق لأوانه أن نتفاجأ من احتمال القطيعة بين هاتين الحليفتين القديمتين، لكن بالربط الذي أجراه ترامب بين سعر النفط والتواجد الأمريكي في السعودية، يمكن أن يجبر السعودية على إعادة فحص مواصلة خطواتها وجوهر تحالفها مع واشنطن.
بقلم: تسفي برئيل
هآرتس/ ذي ماركر 7/5/2020