كتب : محمد علي محسن
سألت بحيرة وعفوية : لماذا المدينة ورئتها ” البحر ” بلا عشاق .. بلا رواد … وبلا ضجيج أو هدير .
فجاءت الإجابة صادمة ومفزعة : إنَّه ” القات ” ، اخذ القلوب وسلب الجيوب .. وإنَّها الخطوب ؛ استوطنت المكان فأزهقت مهج الرجال والنساء ، كما واصابت أبدان القوم ونفوسهم بالهزال والرعب ، كاسية أياها بقترة وغبرة قوم عاد وثمود .
وبرغم هول ” كورونا ” وما تسبب به من ذعر وهلع ووجم ، غفل النَّاس مأساة أشر وأخطر من كورونا والحُمَّيات ؛ فلا أحد يحدثك عن سوق نخاسة لا يتوقف عن بيع فلذات ألاكباد لساحة وغى طال أمدها ،وعن تجارة وتسويق الأوهام بالجملة ، فكلما علت تجارة النخاسة والأوهام زادت أرباحها شراهة .
لا أحد يمكنه القول إن عدن التي نعرفها ذهبت ورحلت وماتت قهرًا وحزنًا ، أو أن عدن التي نراها ونعيش فيها باتت غريبة وأسيرة لجحافل التتار والبعوض والذباب والحمَّيات الوائدة لما بقي فيها من عزة وحياة .
كان هواءها بلسمًا طيبًا ، والعيش فيها أمنية كل إنسان يروم للتحضر والتسامح ، فماذا عساي أقول عنها وقد استفحلت فيها مظاهر التخلف والردة والفقر والموت ؟ وماذا سأقول وقد وقفت خائرة لا تقوى على مكافحة البعوض والذباب والجوائح الفتَّاكة بمهج صغارها ونسائها ورجالها ؟.
وكيف سيكون للكلام معنى ودلالة وقد غرقت المدينة بشبر ماء مطر ؛ فكيف إذا ما هاج اليَّم أو فاضت أمواجه العاتية بسبب زلزال تسونامي ؟.
لقد بات المواطن العدني البسيط نازحًا ، غريبًا في مهوى رأسه ؟فماذا علي تذكُّره الآن ونخب عدن منهمكة في نقاشات ومداولات سقيمة لا تؤسس لغير الموت والخراب ؟ .
كما ومساحة المدينة المفتوحة على المحيط باتت ضائقة بأصوات النوارس والبجع ، رافضة لأغاني الفرح ولترانيم الحزن، أيضًا ؛ بل وبكل صوت يغرد خارج تفاهات الطائشين والغاضبين .
فعدن بلا حاضر أو وجهة مطمئنة ، وكل ما يقال في مقايل النميمة ، ورسائل ” الواتساب ” ومنشورات ” الفيس بوك ” وقنوات وصحف مغردة بحياة القائد ، الضرورة ، المعجزة ، الأعجوبة ؛ محض افتراء وزيف وتضليل .
واذا ما قدر لك الهروب من طوفان الجماعات العابثة فحتمًا ستجد ذاتك في خضم جماعة بليدة أشغلتنا وأشغلت نفسها في ماهية الهوية العدنية وبماهية الجينات الوراثية الجديرة بالانتماء للمكان .
فعلام العتب اذا ما رأينا المدينة برمتها تقتلع من جذورها ، لتغرس خارج الزمان والمكان والإنسان ، كنبتة شيطانية ولدت من الخطيئة الازلية ؟ وما جدوى البكاء والحسرة على مهجة مزهقة برصاصة أو مدية أو كورونا أو طاعون من يدعي وصلها وعشقها ؟.
نعم ، الإنسان يقف عاجزًا عن فهم ما حوله ، فناس سحقها الجوع والوباء والفاقة ، وناس تشتري حبة القات بالعشرين والخمسين والمئة الف ريال . اجساد منهكة عارية إلاَّ من اغطية رثة رخيصة ، واناس تبيع الاوهام والنفوس بالملايين …
لا احدثكم هنا ، عن هزال الأبدان فحسب ، فالمهاتما غاندي ، كان نحيلًا وعاريًا إلَّا من قطعة قماش تستر عورته ، ومع ذلك هز امبراطورية عظمى ، بفكره وزهده وتسامحه ونقاء ما يؤمن به من مبادئ عادلة .
أحدثكم عن ناس عظام ، بصبرهم وجلدهم وبؤسهم ، وبرغم هول تضحياتهم اليومية لا يبدو أنهم أدركوا معنى ان يكون الإنسان جائعًا في كنف وطن يئن من التخمة ، كما ولا أحدًا منهم يدرك بكون هُزال التفكير أشر وأخطر من هُزال البدن .
فليس هنالك ما يخشاه الإنسان المتحضر أكثر من الحياة بلا غاية سامية .. وبلا قضية نبيلة … وبلا وطن حر ومزدهر .
رحل المستعمر قبيل عقود نيفت الخمسة ، وبغباء وسذاجة ، هنالك اليوم من يتغنى بماضٍ بغيض ، كما ويُحنُّ لزمن ثار آباؤنا وأجدادنا عليه ، وهذه لعمري واحدة من مآسي التاريخ ،وواحدة من خطايا العار ..
ورحل الرئيس صالح ،ولكن بعيد ان خلف لنا مليون لص وفاسد وقاتل وناهب ، ما يستدعي منا ثورات تلو الثورات ، وتواريخ تلو التواريخ ،واجيال تلو الاجيال ،وإلى ان يذهب هذا البلاء ، وإلى ان تتطهر هذه البلاد من رجس ماضيها الخائب ،وإلى ان يتعافى اليمنيين من سقمهم الخبيث المزمن .
يسرقنا العمر رويدًا رويدًا … اتأمل في وجه حفيدي الصغير ” مُحمَّد ” فيصيبني الفزع من الحاضر ومن الزمن القابل . أسأل نفسي وبوجع وحُرقة : ماذا فعلنا وماذا نفعل ؟؟سؤال عفوي عادي ، لكنني لا أعثر له على اجابة شافية .
أفكار رجعية شوفينية تماثل خلاياء سرطانية خبيثة ؛ فحين تُركت تتكاثر وتنهش وتقتُل ، كانت المأساة كارثية وكان الوطن اشبه بمقبرة كبيرة ، وشتان بين وطن ينبض بالحياة ، وبين مثوى لرفاة الموتى .
محمد علي محسنعدن .. خواطر عابرة ٢
سألت بحيرة وعفوية : لماذا المدينة ورئتها ” البحر ” بلا عشاق .. بلا رواد … وبلا ضجيج أو هدير .
فجاءت الإجابة صادمة ومفزعة : إنَّه ” القات ” ، اخذ القلوب وسلب الجيوب .. وإنَّها الخطوب ؛ استوطنت المكان فأزهقت مهج الرجال والنساء ، كما واصابت أبدان القوم ونفوسهم بالهزال والرعب ، كاسية أياها بقترة وغبرة قوم عاد وثمود .
وبرغم هول ” كورونا ” وما تسبب به من ذعر وهلع ووجم ، غفل النَّاس مأساة أشر وأخطر من كورونا والحُمَّيات ؛ فلا أحد يحدثك عن سوق نخاسة لا يتوقف عن بيع فلذات ألاكباد لساحة وغى طال أمدها ،وعن تجارة وتسويق الأوهام بالجملة ، فكلما علت تجارة النخاسة والأوهام زادت أرباحها شراهة .
لا أحد يمكنه القول إن عدن التي نعرفها ذهبت ورحلت وماتت قهرًا وحزنًا ، أو أن عدن التي نراها ونعيش فيها باتت غريبة وأسيرة لجحافل التتار والبعوض والذباب والحمَّيات الوائدة لما بقي فيها من عزة وحياة .
كان هواءها بلسمًا طيبًا ، والعيش فيها أمنية كل إنسان يروم للتحضر والتسامح ، فماذا عساي أقول عنها وقد استفحلت فيها مظاهر التخلف والأرتداد والفقر والموت ؟ وماذا سأقول وقد وقفت خائرة لا تقوى على مكافحة البعوض والذباب والجوائح الفتَّاكة بمهج صغارها ونسائها ورجالها ؟.
وكيف سيكون للكلام معنى ودلالة وقد غرقت المدينة بشبر ماء مطر ؛ فكيف إذا ما هاج اليَّم أو فاضت أمواجه العاتية بسبب زلزال تسونامي ؟.
لقد بات المواطن العدني البسيط نازحًا ، غريبًا في مهوى رأسه ؟فماذا علي تذكُّره الآن ونخب عدن منهمكة في نقاشات ومداولات سقيمة لا تؤسس لغير الموت والخراب ؟ .
كما ومساحة المدينة المفتوحة على المحيط باتت ضائقة بأصوات النوارس والبجع ، رافضة لأغاني الفرح ولترانيم الحزن، أيضًا ؛ بل وبكل صوت يغرد خارج تفاهات الطائشين والغاضبين .
فعدن بلا حاضر أو وجهة مطمئنة ، وكل ما يقال في مقايل النميمة ، ورسائل ” الواتساب ” ومنشورات ” الفيس بوك ” وقنوات وصحف مغردة بحياة القائد ، الضرورة ، المعجزة ، الأعجوبة ؛ محض افتراء وزيف وتضليل .
واذا ما قدر لك الهروب من طوفان الجماعات العابثة فحتمًا ستجد ذاتك في خضم جماعة بليدة أشغلتنا وأشغلت نفسها في ماهية الهوية العدنية وبماهية الجينات الوراثية الجديرة بالانتماء للمكان .
فعلام العتب اذا ما رأينا المدينة برمتها تقتلع من جذورها ، لتغرس خارج الزمان والمكان والإنسان ، كنبتة شيطانية ولدت من الخطيئة الازلية ؟ وما جدوى البكاء والحسرة على مهجة مزهقة برصاصة أو مدية أو كورونا أو طاعون من يدعي وصلها وعشقها ؟.
نعم ، الإنسان يقف عاجزًا عن فهم ما حوله ، فناس سحقها الجوع والوباء والفاقة ، وناس تشتري حبة القات بالعشرين والخمسين والمئة الف ريال . اجساد منهكة عارية إلاَّ من اغطية رثة رخيصة ، واناس تبيع الاوهام والنفوس بالملايين …
لا احدثكم هنا ، عن هزال الأبدان فحسب ، فالمهاتما غاندي ، كان نحيلًا وعاريًا إلَّا من قطعة قماش تستر عورته ، ومع ذلك هز امبراطورية عظمى ، بفكره وزهده وتسامحه ونقاء ما يؤمن به من مبادئ عادلة .
أحدثكم عن ناس عظام ، بصبرهم وجلدهم وبؤسهم ، وبرغم هول تضحياتهم اليومية لا يبدو أنهم أدركوا معنى ان يكون الإنسان جائعًا في كنف وطن يئن من التخمة ، كما ولا أحدًا منهم يدرك بكون هُزال التفكير أشر وأخطر من هُزال البدن .
فليس هنالك ما يخشاه الإنسان المتحضر أكثر من الحياة بلا غاية سامية .. وبلا قضية نبيلة … وبلا وطن حر ومزدهر .
رحل المستعمر قبيل عقود نيفت الخمسة ، وبغباء وسذاجة ، هنالك اليوم من يتغنى بماضٍ بغيض ، كما ويُحنُّ لزمن ثار آباؤنا وأجدادنا عليه ، وهذه لعمري واحدة من مآسي التاريخ ،وواحدة من خطايا العار ..
ورحل الرئيس صالح ،ولكن بعيد ان خلف لنا مليون لص وفاسد وقاتل وناهب ، ما يستدعي منا ثورات تلو الثورات ، وتواريخ تلو التواريخ ،واجيال تلو الاجيال ،وإلى ان يذهب هذا البلاء ، وإلى ان تتطهر هذه البلاد من رجس ماضيها الخائب ،وإلى ان يتعافى اليمنيين من سقمهم الخبيث المزمن .
يسرقنا العمر رويدًا رويدًا … اتأمل في وجه حفيدي الصغير ” مُحمَّد ” فيصيبني الفزع من الحاضر ومن الزمن القابل . أسأل نفسي وبوجع وحُرقة : ماذا فعلنا وماذا نفعل ؟؟سؤال عفوي عادي ، لكنني لا أعثر له على اجابة شافية .
أفكار رجعية شوفينية تماثل خلاياء سرطانية خبيثة ؛ فحين تُركت تتكاثر وتنهش وتقتُل ، كانت المأساة كارثية وكان الوطن اشبه بمقبرة كبيرة ، وشتان بين وطن ينبض بالحياة ، وبين مثوى لرفاة الموتى .