كريتر نت / DWعربية
إلى جانب الموارد الطبيعية، تعد صادرات الأسلحة مكوّناً رئيسياً للاقتصاد الروسي. في العقدين الماضيين، تمكنت موسكو من تعميق علاقتها مع دول أفريقيا وأصبحت أكبر مصدّر أسلحة إلى القارة السمراء.
أعلنت الشركة الروسية “روس أوبورن إكسبورت”، والحاصلة على الوكالة الحكومية لصادرات وواردات الأسلحة، عن أول عقد تصدير زوارق هجومية إلى دولة إفريقية لم تعرف حتى الآن، في جنوب الصحراء الكبرى.
هذا العقد، الذي أعلن عنه في شهر نيسان/ إبريل المنصرم، يمثل أول عقد تصدير للمنتجات العسكرية البحرية روسية الصنع لهذه المنطقة في السنوات العشرين الماضية.
ورغم أن هذه الصفقة لم تحظ باهتمام دولي كبير، ولكنها تشير إلى محاولة روسيا إيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا، ومحاولتها لتوسيع خريطة تصديرها للأسلحة في القارة.
تضاءل دور روسيا في إفريقيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ولكن بحلول عام 2000، استطاعت موسكو إحراز تقدم مرة أخرى، وخلال العقدين الماضيين تمكنت من أن تصبح أكبر مصدر للأسلحة إلى أفريقيا لتمثل نحو 49% من إجمالي صادراتها إلى القارة السمراء، وذلك بناء على قاعدة البيانات في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
عيون الروس على إفريقيا
لاتزال الجزائر حتى الآن أكبر متلقٍ للأسلحة الروسية في أفريقيا، تليها مصر والسودان وأنغولا، ووفقاً للباحثة في برنامج الإنفاق العسكري التابع لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ألكسندرا كويموفا، فقد زاد عدد الدول الأفريقية التي اشترت الأسلحة الروسية على مدى العقدين الماضيين، ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت هناك 16 دول إفريقية تتلقى أسلحة روسية، ليرتفع الرقم إلى 21 دولة ما بين عامي 2010 و2019.
بدأت روسيا منذ عام 2015 في بيع الأسلحة إلى أنغولا الغنية بالنفط، لاسيما الطائرات الحربية، وطائرات الهيلكوبتر المقاتلة، وقد حافظت الحكومة الأنغولية في لواندا منذ فترة طويلة على علاقات قوية مع موسكو، تعود إلى أيام الاتحاد السوفيتي.
وفي عام 1996، ألغت روسيا 70% من ديون أنغولا البالغة 5 مليارات دولار، والتي كانت في الأساس نتيجة للعديد من ائتمانات التصدير التي قدمها الاتحاد السوفييتي لأنغولا لشراء أسلحة ومعدات عسكرية سوفيتية.
ولهذا فإن روسيا تبقى خياراً متوقعاً لأنغولا من أجل توقيع صفقة أسلحة جديدة في هذه الألفية، فقد أصبحت، خلال السنوات الخمس الماضية، ثالث أكبر عميل إفريقي للأسلحة الروسية بعد الجزائر ومصر.
يشار إلى أن لدى أنغولا موردين آخرين مثل بلغاريا وروسيا البيضاء، وإيطاليا والصين، ولكن مساهمتهم صغيرة.
هذا الوضع كان مشابهاً للجزائر، أكبر مستورد للأسلحة الروسية في القارة الإفريقية، إذ سمحت العلاقات بين البلدين، أثناء الحقبة السوفيتية، لروسيا بتأمين احتكارها لصفقات الأسلحة في الجزائر، فقد ألغت موسكو ديون الجزائر البالغة 5.7 مليار دولار في عام 2006، الأمر الذي شجع الجزائر على توقيع صفقة أخرى لشراء أسلحة روسية مقابل 7.5 مليار دولار في ذات العام.
ينظر المسؤولون في هذه البلدان إلى موسكو بشكل جوهري بناء على روابط من الحقبة السوفيتية، كما يذكر الباحث من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمختص في برنامج روسيا وأوراسيا بول سترونسكي، مضيفاً أن روسيا تمكنت من الحفاظ على نفوذها في بعض الحالات، كما الجزائر، عن طريق “إلغاء الديون” في أحيان كثيرة، وفي أحيان أخرى من خلال الوعود لبناء مرافق ومؤسسات إصلاحية وصناعية.
عبدالله حمدوك
فتح أسواق جديدة يتماشى مع الرؤية الجيوسياسية
اهتمام روسيا المتزايد بأفريقيا أسبابه ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية واستراتيجية أيضًا، إذ تعتبر روسيا إفريقيا شريكاً محتملاً ورئيسياً في نظام عالمي متعدد الأقطاب مستقبلاً.
ويرى سترونسكي أن روسيا قلّ تركيزها على أوروبا والدول الواقعة عبر المحيط الأطلسي، وفضلت أن توجه جهودها نحو القوى والمناطق الصاعدة، “ومن هذا المنطلق أقامت موسكو علاقات مع دول مثل زيمبابوي والسودان”.
تخضع زيمبابوي لعقوبات مالية من الغرب منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ أن الدولة؛ بناء على تقارير دولية، مسؤولة عن قتل وتعذيب خصوم الرئيس السابق روبرت موغابي خلال فترة حكمه، إلا أن روسيا ظلت إلى جانب زيمبابوي رغم الإدانة الدولية الواسعة لنظامه، فقد اعترضت؛ بالإضافة إلى الصين، على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض حظر على الأسلحة في عام 2008، وانتقدت العقوبات الغربية.
ومن المعروف أن روسيا تصدّر عددًا من المواد الخام والمنتجة إلى زيمبابوي، بدءًا من الخشب والقمح والأسمدة إلى المواد المطبوعة وعربات القطارات والإلكترونيات، وتستورد روسيا بدورها البن والتبغ من زيمبابوي.
وتشارك الشركات الروسية أيضًا في مشاريع تعدين الماس والذهب في البلاد، ووفقًا للباحث في برنامج التهديدات الإقليمية والجريمة الدولية في معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا غوغو دوبا، فإنَ روسيا تقوم بتوسيع نطاق أنشطتها في استخراج الموارد مثل الكولتان والكوبالت والذهب والماس في عدة بلدان أخرى بلدان أخرى في قارة إفريقيا.
وفي زيمبابوي، تساهم روسيا أيضًا في مشروع مشترك لـ “برنامج دارويندال”؛ لتعدين وصهر أحد أكبر الرواسب المعدنية لمجموعة البلاتين في العالم، والمقرر إنتاجه في عام 2021.
وكانت روسيا قد استضافت أول قمة روسية إفريقية على الإطلاق في سوتشي عام 2019؛ كوسيلة لزيادة تحديد إمكانيات التعاون عبر القارة. وخلال القمة، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن “تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية من أولويات السياسة الخارجية لروسيا”.
اعتبرت صفقات الأسلحة بؤرة الاهتمام في القمة، فقد تمت دعوة المندوبين الأفارقة إلى معارض الأسلحة الروسية: من طائرة التدريبات ياكوفليف ياك 130، ونظام الصواريخ بانتسير، وأنظمة الصواريخ أرض جو Tor-M2KM إلى الأسلحة الصغيرة بما في ذلك بندقية كلاشنيكوف AK-200 الجديدة، والذي يظهر أن روسيا لا تهدف إلى تقديم تقنيات جديدة بل تركز على تحسين النماذج المطلوبة.
وهذا يشمل الطائرات والصواريخ والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي والمدفعية؛ فعلى سبيل المثال، اشترت الجزائر وحدها حوالي 200 قطعة طائرات من روسيا منذ 2000 إلى 2019، وتتراوح ما بين طائرات هليكوبتر للنقل إلى طائرات هليكوبتر مقاتلة ومقاتلات برية مقاتلة.
فيما تم طلب نماذج مختلفة من صواريخ أرض-جو (SAM) المصممة لتدمير الطائرات، بالإضافة إلى صواريخ من أنواع أخرى؛ جاءت الطلبات من الجزائر(عدة طلبات مختلفة ما بين 2000 و2019)، وبوركينا فاسو ومصر (عدة طلبات أيضا) وإثيوبيا وليبيا والمغرب. وكانت الجزائر أيضا قد طلبت أكثر من 500 دبابة في المجموع، فيما طلبت أوغندا 67 دبابة.
أسلحة رخيصة – لا أسئلة!
في وثائق الاستراتيجية الروسية المتاحة للجمهور، مثل مفهوم السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية أو عقيدة الدفاع ، تعرّف الدول الأفريقية بأنها تنتمي إلى قارة غير مستقرة وتشكّل تهديداً دولياً في ضوء أنشطة الجماعات الإرهابية، لا سيما في منطقة شمال إفريقيا، وتسلط مثل هذه الوثائق الضوء على أهداف روسيا لتوسيع التفاعل مع إفريقيا من خلال تطوير علاقات تجارية واقتصادية مفيدة ودعم النزاعات الإقليمية ومنع الأزمات.
عدم الاستقرار المستمر هذا يغذي سوقًا مستمرًا للأسلحة، وبالنسبة لروسيا فإنّ أفريقيا تمثل سوقاً رئيسياً بلا حدود بعد العقوبات الاقتصادية الغربية المفورضة عليها بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، فأفريقيا هي القارة الوحيدة حيث يمكن لروسيا أن تدفع بحرية أحد العناصر الرئيسية لصادراتها؛ الأسلحة، إذ أن تجارة الأسلحة تمثل 39٪ من عائدات صناعة الدفاع الروسية.
وفي هذا ترى أستاذة التاريخ في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، والمتخصصة في تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية إيرينا فيلاتوفا أن “الأسلحة الروسية جيدة، ومعترف بها عالمياً، وكذلك أرخص، ولا يوجد سبب لعدم رغبة الدول الأفريقية في شرائها”.
وبالمقابل فإنّ صفقات الأسلحة مع روسيا لا تتطلب شروطاً سياسية أو تعديلات متعلقة بحقوق الإنسان، ولهذا فإنّ روسيا تمكنت، في كثير من الأحيان، من سد الفجوة بعد خروج المصدرين الأوروبيين أو الأمريكيين للأسباب السابقة.
على سبيل المثال، في عام 2014، اتُهم جنود حكوميين في نيجيريا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المشتبه بهم في قتال البلاد ضد بوكو حرام، بعد ذلك، ألغت الولايات المتحدة شحنة من طائرات الهليكوبتر الهجومية، على الرغم من توقيع الصفقة بالفعل. ولكن في نفس العام، قدمت نيجيريا طلبا لروسيا وتلقت ست مروحيات قتالية من طراز Mi-35M منها.
سيناريو مشابه حدث في مصر أيضا بعد انقلاب عسكري في عام 2013، إذ بدأت الولايات المتحدة في قطع المساعدات العسكرية وإمدادات الأسلحة للبلاد. هذا ترك لروسيا (مع فرنسا، مصدّر رئيسي آخر للأسلحة) فرصة مفتوحة؛ ما دفعها لتكثيف نقل الأسلحة بسرعة إلى مصر، وقد شكلت صادرات روسيا ما نسبته 31% من واردات مصر من الأسلحة ما بين عامي 2009 و 2018.
وتتم عادة صفقات الأسلحة مع روسيا بشكل سريع، فإذا كانت دولة معينة بحاجة إلى الأسلحة، فستكون روسيا قادرة على توريد الأسلحة لها، والذي يعود لعدم وجود ضغط من مجموعات المجتمع المدني المحلية لتتبع مبيعات الأسلحة، إذ أن صناعات الدفاع الروسية سرية، ولا يلزم القانون الشركات بالإبلاغ عن صادرات الأسلحة، وعادة ما تخضع هذه المعلومات لقوانين السرية الخاصة بالولاية، فقد أدى النقص العام في البيانات والشفافية إلى خلق حالة “لا وجود” لمجموعات المجتمع المدني لرصد تجارة الأسلحة فيها.
بالتنافس مع روسيا تتزايد فرص مبيعات الأسلحة الصينية
يبدو أن أسواق روسيا التي تشتري السلاح في أفريقيا في الوقت الراهن آمنة. ومع ذلك، يرى الخبراء أن لدى الصين قدرة لتصبح لاعباً أكبر لإمدادات الأسلحة في أفريقيا، فهي تمثل حالياً 13 ٪ من صادرات الأسلحة إلى القارة.
يقول سترونسكي إنّ الصين قد حسنت نوعية وكمية ما تبيعه، كما أنها تصنع أسلحة روسية بانظمة هندسة انعكاسية، مضيفاً أنه منذ عام 2014، شاركت روسيا تكنولوجيتها العسكرية الحساسة كجزء من علاقاتها المتنامية مع الصين.
فيما تضيف كويموفا أن الصين اليوم قادرة على إنتاج وعرض جميع أنواع الأسلحة، موضحة أن “الصين تنمو بشكل عام كمصدر للأسلحة وتظهر أنماطاً مماثلة لروسيا من حيث تقديم الأسلحة دون شروط سياسية”.
ولا ترى الباحثة كويموفا الصين على أنها تهديد للأسلحة الروسية في أفريقيا، ولكن في رأيها، فإن المنافسين الرئيسيين للأسلحة الروسية سيظلان على حالهما: الولايات المتحدة وفرنسا.
وتعرّف الباحثة اهتمام الصين بإفريقيا باعتباره اقتصادياً في الغالب، مضيفة أن “المنافسة الروسية في أفريقيا في هذا الصدد قد ضاعت بالفعل” – لأنه من الناحية الاقتصادية، لا تستطيع روسيا تقديم ما تستطيع الصين تقديمه. وبدلاً من ذلك، تركز موسكو على صادرات الموارد الطبيعية وإبرام صفقات الأسلحة، وبالنسبة إلى مستوردي الأسلحة، يعد التحول إلى مورّدين آخرين مكلفاً، لذا فإن الاحتمال كبير أن تتمكن روسيا من ضمان صفقات جديدة مع مشتري الأسلحة لديها في المستقبل القريب.