“بطل” فوضى حظر التجول وزير الداخلية سليمان صويلو قد يخسر منصبه
تورغوت اوغلو
لم يمض شهر على الأزمة الأولى حتى اندلعت الأزمة الثانية في حزب العدالة والتنمية التركي. وبطل القصة في كلتا الأزمتين هو وزير الداخلية (سليمان صويلو).
كما تعلمون، حَدَثت الأزمة الأولى قبل حوالى شهر عندما أعلن صويلو حظر التجول في ثلاثين محافظة في إطار تدابير منع انتشار وباء كورونا.
وأدى الإعلان المفاجئ للحظر الذي جاء قبل ساعتين ونصف الساعة فقط من بدء سريانه إلى ارتباك شديد وحالة من الاضطراب بين المواطنين الذين حاولوا شراء حاجياتهم الضرورية قبل أن يداهمهم الوقت.
وبطبيعة الحال تَسبَّب ذلك في امتعاضٍ قوي لدى الرأي العام التركي، وتم تفسير ذلك بوجود شرخ في التنسيق بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة.
بعد ذلك، أعلن صويلو أنه قَدَّم استقالتَه للرئيس رجب طيب أردوغان، ولكن الأخير قال إنه لم يَقبَل هذه الاستقالة. وأُسدل الستار على الفصل الأول من المسرحية.
وفي يوم الخميس الماضي تَنبَّه الرأي العام التركي إلى أزمة ثانية كان وزير الداخلية بطلها أيضاً، حيث أعلن حظر التجول في السادس والسابع من يونيو (حزيران)، أيضاً في إطار إجراءات فيروس كورونا.
لكن أردوغان ألغى هذا الحظر. وتَبيَّن أن وزير الصحة أيضاً لم يكن على علم بالقرار.
وتعليقاً على الأزمة الأولى نشرت مقالة لي في 14 أبريل (نيسان) على صفحات “اندبندنت عربية” بعنوان: (مسرحيتان تركيتان في ليلة واحدة والأزمة حقيقية بـ”العدالة والتنمية”). وقد كتبت في نهاية المقال: “وقد استطاع (صويلو) هذه المرة أن يتفلت من براثنهم، ولكن العراك لن ينتهي في هذه النقطة”.
ولكن عليَّ أن أعترف بأنني لم أكن أتوقع أن الأزمة ستندلع في وقت قصير كهذا.
وقد كانت “الأزمة الأولى” – ولكم أن تسموها “مسرحية صويلو” – نتيجة للتنافس بين صويلو وبين صهر أردوغان وزير الخزانة والمالية بيرات آلبيرق. وقد خرج صويلو في المرة الأولى منتصراً وأقوى. ويبدو أن أردوغان كان قد أدرك ذلك ولذلك لم يتخذ ضده موقفاً سلبياً بشكل مباشر.
ولكن في الجولة الثانية كان الصراع دائراً في ظاهره بين وزير الداخلية ووزير الصحة فخر الدين كوجا. وهكذا تم فتح جبهة ثانية ضد صويلو، بالإضافة إلى الجبهة السابقة التي كان قد فتحها وزير الخزانة والمالية ما اضطر صويلو أن يحارب على جبهتين: وزير الخزانة والمالية ووزير الصحة.
ولكن الملفت في هذه الأزمة الأخيرة هو أن أردوغان دخل على الخط مباشرة وألغى القرار الذي اتخذه وزير الداخلية.
ويمكننا قراءة قرار الرئيس التركي بطريقتين:
إحداهما هي أن الوزير الصهر انتقم من وزير الداخلية وانتهى الأمر.
والثانية هي أن أردوغان وجّه رسالة تحذيرية إلى صويلو حتى لا يدخل في لعبة ضد صهره.
وبعد كل ما جرى حتى الآن أصبح من شبه المؤكد أن صويلو قد وصل إلى نهاية المطاف في مسيرته في صفوف حزب العدالة والتنمية، ما يعني أنه سيَخسر منصبه، بل ربما يتنحى عن الحزب أو تتم تنحيته بفعلِ فاعل. وهذا يعني أننا على مشارف تعديل وزاري في الحكومة على نطاق ضيق.
ومن أجل إلقاء المزيد من الضوء على النزاعات أعلاه نحتاج إلى شرح طبيعة العلاقة بين المجموعات في حزب العدالة والتنمية ومدى نفوذها على الكتل التي تدعمها في داخل الحزب.
فعندما تأسس هذا الحزب لأول مرة كان أعضاء لجنة الإدارة والقرار المركزي في الغالب يتشكلون من ليبراليين ومحافظين وإسلامويين. ولكن هذا التوزيع قد تغير تماماً، وأصبح الجناح الرئيس المسيطر على الحزب هم فرقاء العمل يترأسهم كل من نائب الرئيس فؤاد أُوقطاي، وكبيري مستشاري الرئيس: إبراهيم كالين، وياسين أَقطاي. وهؤلاء يواصلون نشاطهم من قصر الرئاسة وفي محيط أردوغان.
كما أن هؤلاء يمثلون جماعة الإخوان المسلمين، والمؤيدين للفكر الخميني الإيراني والإسلام السياسي في تركيا. ويعلنون – في كل فرصة – ولاءَهم لأردوغان وصهره. كما أن هناك منظمات وجمعيات خيرية تعمل تحت إشرافهم، وتواصل أنشطتها في العالم تحت مظلة العمل الخيري في الغالب.
ومن بين أولئك الوزير السابق أمر الله إيشلر، ومترجم الرئيس للغة العربية ومستشاره سَفَر توران اللذان يعملان من خلال جمعيات إغاثية مثل (IHH) وغيرها. بالإضافة إلى جمعيات ومنظمات عربية تعمل تحت إشرافهما. وعلى سبيل المثال كانت الشاحنات التي تحمل السلاح إلى “المنظمات الإرهابية” في سوريا وتم ضبطها من قِبل قوات الأمن التركية عام 2014 تابعة لمنظمة (IHH) السالفة الذكر ولكن للأسف لا يزال رجال الأمن والقضاة الذين وكل الجنود والمدعين العامين الذين ضبطوا تلك الشاحنات في السجون التركية.
وأما الجناح الآخر في الحزب فهم القوميون العنصريون. ويتمتع الأمينُ العام للرئاسة فاتح كاسيرغا وسليمان صويلو بنفوذ قوي داخل هذه المجموعة. ويتوزع القوميون بين هذه المجموعة وبين شريك الحكومة وأعني به (حزب الحركة القومي).
كما أن أفراد هذا الجناح يمثلون الدولة العميقة المعروفة باسم منظمة (أرجنكون). ولهم نفوذ قوي على المافيا في تركيا.
وقد كان لهذه المجموعة تأثير قوي على إطلاق سراح أشهر وأكبر رؤساء المافيا (علاء الدين تشاقيجي) في الأيام القليلة الماضية، الذي كان مسجوناً على خلفية قتله لزوجته. وبالفعل تم إطلاق سراح كثير من رؤساء المافيا في تركيا، في هذه الأيام التي يتم فيها الحكم بالسجن على نواب برلمانيين محسوبين على المعارضة، بحجج واهية.
هذا هو ملخص خلفية الأزمتين والمجموعتين النافذتين داخل الحزب.
في الأزمة الأولى تمكَّن صويلو من كسب تعاطف القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية وبخاصة الشباب منهم. فكانت الحملة الأخيرة من أردوغان بمثابة إيقافه عند حدوده المرسومة له داخل الحزب والحكومة.
ويبدو أن صويلو قد نسي أنه ليس لأحد أن يتمتع بقوة ونفوذٍ داخل الحزب إلا بمقدار كونه أداة يستخدمها أردوغان عند الحاجة ويرميها بعد انتهاء مدة صلاحيتها المقدَّرة لها، شأنه شأن مئات الأمثلة السابقة.
وأما بالنسبة لأردوغان فإنه لايزال يصمم للعبة سياسية ويستعد للقيام بحملات تجلب له الأصوات مثل تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، والمشاركة الفعلية في الحرب الليبية، أو اختلاق مشاجرة عسكرية مع اليونان.
وليس كل هذا ببعيد عن أردوغان، وأتوقع منه أن يقوم بذلك بين ليلة وضحاها.
ولكن مهما فعل أردوغان فلن يتمكن بعد هذه المرحلة من منع حدوث انشقاقات في صفوف حزبه، ولن يستطيع الحيلولة دون مثل هذه الأزمات، وسيظل فاقداً للتأييد الشعبي والأصوات في الانتخابات المقبلة.
نفلا” عن أندبندنت عربية