زايد هدية
انحسرت حدة العمليات العسكرية، في محيط مدينة سرت وسط ليبيا، وقاعدة الجفرة العسكرية بالجنوب، بعد هجمات متتالية لقوات الوفاق عليها، وتمكن قوات الجيش الوطني الليبي من صدّ هذه الغارات العسكرية، مرتكزة بشكل كبيرة في دفاعها، على الضربات الجوية، ضدّ الأرتال التي أرسلتها قوات الوفاق، بشكل متتابع، في الأيام الماضية.
يأتي ذلك، في الوقت الذي عاد الطرفان إلى طاولة الحوار، من خلال المباحثات العسكرية “5+5″، التي تقودها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في جولتها الثالثة، للتوصل إلى حل سلمي ووقف دائم لإطلاق النار.
تفاصيل جديدة من القاهرة
في هذه الأثناء، تحدثت مصادر خاصة رفيعة مقربة من الجيش الليبي والبرلمان، في شرق البلاد، لـ “اندبندنت عربية” عن تفاصيل دارت في كواليس المباحثات، التي احتضنتها القاهرة، في الأيام الماضية، وتمخضت عنها المبادرة التي أعلنتها الحكومة المصرية لحل الأزمة الليبية، والتي لاقت ترحيباً كبيراً، على الساحة الدولية.
وأوضحت المصادر نفسها أن “الجيش والبرلمان، تلقيا ضمانات دولية، بعدم السماح لقوات الوفاق، بتجاوز قواعد فض الاشتباك، التي تم الاتفاق والموافقة عليها من قبلهما، والضغط عليها لوقف إطلاق النار والتهدئة والجلوس للتفاوض”، وحددت المصادر، هذه النقاط التي تمّ تعيينها كخطوط نهائية لكل طرف، يمنع تجاوزها حتى نهاية المفاوضات، بقولها “باتجاه الغرب حدّد للجيش 30 كيلو متراً، غرب سرت، بمثابة خط دفاعي أمامي أخير للوقوف عنده، وعدم تجاوزه تحت أي ظرف، وحدّدت المسافة الفاصلة بين الطرفين بـ 30 كيلو متراً، بمعنى أن الخط الأخير لقوات الوفاق، في اتجاه سرت، ينتهي على بعد 60 كيلو متراً غربها”.
وأضافت المصادر “باتجاه الجنوب، في الخط المؤدي إلى الجفرة، تم تحديد 80 كيلو متراً، جنوب سرت، وينطلق منها خط فاصل ينتهي عند الحدود الجزائرية، باتجاه الغرب، كنقاط يمنع تجاوزها من كل طرف باتجاه الطرف الآخر، حتى إشعار آخر”.
وشددت على أن “هذا الاتفاق الذي نال رضا الجيش والبرلمان، قبل الإعلان عنه، هو ما دفع الجيش لسحب كل قواته، من ترهونة والوطية وجنوب طرابلس، باتجاه سرت والجفرة، تنفيذاً لما تم الاتفاق عليه، بعد تعهدات من أطراف دولية لم تحددها، بمنع قوات الوفاق من تجاوز قواعد فضّ الاشتباك، بأي شكل وبكل السبل الممكنة”.
ترهونة وسرت
وعند سؤالنا، حول أن قواعد فضّ الاشتباك هذه، تشبه ما كان عليه الوضع عسكرياً، قبل الرابع من أبريل (نيسان) 2019، باستثناء سرت، قالت مصادرنا “تم طرح مسألة سرت على طاولة النقاش، باعتبارها كانت تحت سيطرة قوات الوفاق، قبل هذا التاريخ، لكن الجيش والبرلمان ردا بأن ترهونة أيضاً في هذه الحالة يجب أن ترجع للجيش، كونها كانت في هذا الوقت من العام الماضي، في قبضة اللواء التاسع بالمدينة التابع له”.
وبينت المصادر أن “هذه النقطة، حلّت بالاتفاق على بقاء الجيش في سرت، وقوات الوفاق في ترهونة، بسبب الموقع الجغرافي للأخيرة، الذي يقع بين طرابلس ومصراتة، ما يجعلها نقطة ساخنة، في الغرب الليبي، تهدد بعودة التصعيد في أي لحظة”، وتابعت أن “مبادرة القاهرة لم تعلن حتى تم ضمان الدعم الدولي لها، في موازاة تعهدات بدعمها بكل السبل”، مؤكدة “أن مسالة سرت والجفرة محسومة حالياً، لا يمكن أبداً لقوات الوفاق دخولها، بحسب التعهدات الدولية من قوى كبرى، التي عينتها خطوطاً حمراً عسكرياً”، واصفة ما يحدث حالياً “بانتحار عسكري تدفع ضغوطات تركية قوات الوفاق إليه، لتحقيق مصالحها في ليبيا، بإرسال أرتال متتابعة، لتكون هدفاً مكشوفاً للطائرات، في فضاء مفتوح”، مشيرة إلى أن “حكومة الوفاق تعلم بذلك”، ومستدلة بـ “تصريحات نائب رئيس حكومة الوفاق أحمد معيتيق، الذي أشار إلى الخطوط الحمر المحددة دولياً في سرت والجفرة، والتي تسببت في خلافات كبيرة، في صفوف حكومة الوفاق”.
رأي معيتيق ينتصر في الغرب
وكان النائب الأول لرئيس حكومة الوفاق أحمد معيتيق قال أخيراً “قوى دولية كبرى أبلغته بأن سرت والجفرة خطوط حمر، لا يسمح أبداً لقوات حكومته بالوصول إليها”، مطالباً “قوات الوفاق، يتقدمها كتائب مدينة مصراتة، بعدم التوجه أبداً إلى سرت والجفرة، لأن هذا العمل يشكل انتحاراً، وقالت مصادر متطابقة، مقربة من حكومة الوفاق والجيش “الجهة التي حذرت معيتيق، من تقدم قواتهم نحو سرت والجفرة، هي روسيا، أثناء الزيارة التي قام بها إلى موسكو، برفقة وزير الخارجية محمد سيالة، الأسبوع الماضي”، وأثارت تصريحات معيتيق جدلاً واسعاً في أوساط حكومة الوفاق، وتسببت في هجوم شديد عليه قاده ابن مدينته، وزير الداخلية فتحي باشا آغا، حين وصف هذا التصريح من معيتيق بـ “الخيانة” لدماء قتلى مصراتة، الذين سقطوا على أبواب سرت، وأضاف “الخطوط الحمر ترسمها دماء شهدائنا، ولا تخضع للإملاءات إلا ثلة من الانتهازيين، ضعفاء النفوس والهمم”، في إشارة إلى تصريح معيتيق .
وبعد أيام، من فشل قوات الوفاق في التقدم نحو سرت والجفرة، على الرغم من محاولاتها المتكررة وتعرضها لقصف عنيف وغير مسبوق من الجو، تسبب في سقوط أكثر من 70 قتيلاً في صفوفها، خلال ثلاثة أيام فقط، وعشرات الجرحى، معظمهم من مصراتة، بحسب مصادر صحافية وطبية وعسكرية من المدينة وخارجها، يبدو أن رأي معيتيق بدأ يعلو على انتقادات باشا آغا، في الغرب الليبي، وهو ما تكشّفت عنه استجابة حكومة الوفاق الوطني للدعوات الدولية، بالعودة إلى المفاوضات العسكرية التي ترعاها الأمم المتحدة، بعد أيام من إعلانها رفض التفاوض مع أي طرف يتبع الجيش الليبي والبرلمان في شرق البلاد
مناورة سياسية
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بنغازي جمال الشطشاط أن “مبادرة القاهرة كانت مناورة تكتيكية ذكية، من الدبلوماسية المصرية”، موضحاً لـ “اندبندنت عربية” “هذه المبادرة غيّرت الموازين سياسياً وعسكرياً، والتي كانت تميل لكفة حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، بشكل كبير، في الأسابيع التي سبقت إعلان المبادرة”، وتابع “الآن، بعد تجاوب الجيش الليبي مع الضغوط الدولية، وانسحابه من قواعده غرب البلاد، وترحيبه بالتفاوض، بعد الحصول على ضمانات بدعم دولي كبير جداً للمبادرة المصرية، ورفض حكومة الوفاق كل ذلك، أصبحت تحركاتها العسكرية تجاه سرت والجفرة، تصنفها دولياً طرفاً معتدياً، ورفضاً للقرارات الدولية، عكس ما كانت عليه الصورة، في الأشهر الماضية تماماً”.
ويشير الشطشاط إلى أن “المبادرة المصرية حددت نقاطاً عسكرية، مدروسة بدقة، تجعل أي تقدم لقوات الوفاق تجاه النقاط التي حددت خطوطاً حمراً، يتم في فضاء صحراوي مفتوح ومكشوف، يجعلها صيداً سهلاً من الجو، بمعنى أنها وضعت ما يشبه الشرك لاستنزاف قوات الوفاق، إذا أصرت على مواصلة العمل العسكري، تجاه الشرق، كما حدث وكان متوقعاً”.
نقلا” عن أندبندنت عربية