كريتر / BBC / عربي NEWS
كيف تمضون عطلة نهاية الأسبوع؟ أجابت ثلاث نساء، من بغداد وعدن والقاهرة، على هذا السؤال الذي طرحته مدونة بي بي سي لقضايا المرأة.
اليمنية حليمة محمد، الحاصلة على شهادة ماجستير في الدراسات النسوية والمديرة التنفيذية لمؤسسة تعنى بالتنمية والإعلام، تكتب عن فيلم سينما عرض مؤخرا في عدن وغير إيقاع عطلاتها “المملة”. تكتب عن عطلات قديمة كانت تقضيها مع صديقاتها عند شاطئ البحر في عدن وتحديدا عند رصيف السياح الذي لم يعد كما كان بعد أن دمرت الأعمال العسكرية جزءا منه.
أفكّر في عطلة نهاية الأسبوع وأحلم بالبحر والكورنيش، وبالمشي مع صديقاتي، والجلوس وحيدة عند رصيف السياح بمنطقة التواهي؛ أعبر بوابته التاريخية القديمة وأشعر بأني عبرت الزمن نحو مملكتي الخاصة؛ أُشاهد السفن والقوارب والبحر عن قرب وأختلي بنفسي لتصفية ذهني بعد أسبوع من العمل الشاق، ثم ألتقي بصديقاتي. هكذا كانت نهاية أسبوعي قبل الحرب.
أما الآن لم تعد هناك خيارات لقضاء نهاية الأسبوع في عدن.
أعيش في شبه جزيرة، والبحر جزء من حياتنا، لكني لم أعد أستطيع الذهاب إليه برفقة صديقاتي منذُ ثلاثة أعوام. البحر لم يعد مكانا آمنا بالنسبة لنا كنساء، فالمظاهر المسلحة المنتشرة تشعرنا بالقلق والخوف من أن نتعرض للاختطاف أو المضايقة؛ فنحن نعيش في مجتمع محافظ دائما ما يحمّل المرأة مسؤولية الأخطاء، لهذا نكون حذرات من فكرة الذهاب بمفردنا.
رصيف السياح في التواهي هدمت بوابته ومبناه القديم في الحرب بالكامل؛ هدمت مملكتي الخاصة ولم تعد كما كانت، وأغلب الأماكن إما تهدمت بفعل الحرب أو أغلقت.
عطلاتي أصبحت شبه مملة لذا نادرا ما أخرج للتنزه وأفضل قضاء الإجازة في المنزل، وتحولت العطلات إلى أيام روتينية يكسر هدوءها التوتر في وضع البلد أو أصوات طلقات الرصاص التي نسمعها في أغلب الأحيان لتقلق سكينتنا عند احتفال أحدهم بمناسبة خاصة غير آبه بالأرواح البريئة التي قد يحصدها الرصاص.
بعد انتهاء عطلتي المملة، وفي طريقي للعمل لفت انتباهي لافتة على شكل بطاقة عرس مكتوب عليها “مأمون ورشا يدعوان جميع سكان المدينة لحضور حفل زفافهما”. رغم غرابة الموضوع إلا أنني شعرت بالفرحة. ضحكت في سري: عرس، والمدعوون مدينة عدن كلها. فقلت لنفسي: “وماله كلنا محتاجين نفرح”.
مع المساء ازداد فضولي حول دعوة العرس وبدأت بالبحث فعلمت عن طريق “فيسبوك” أن هذه الدعوة هي دعاية لفيلم كاتبه ومخرجه وكل الممثلين فيه من عدن.
عدت بذكرياتي إلى الوراء، إلى ما قبل التسعينيات حين كانت دور السينما منتشرة في كل مكان في عدن، كنت أذهب بصحبة عائلتي لمشاهدة الأفلام في السينما القريبة من منزلنا.
ما زلت أذكر ملامح وجوه أمي وأخواتي وأعينهم المعلقة على الشاشة. كنت أتتبع الضوء لأعرف من أين يخرج، ولا يزال صفير الجماهير عند بداية ونهاية العرض حاضرا في ذهني كلما مررت قرب واحدة من دور السينما التي صارت خرابا ومرتعا للحشرات والقوارض، وكبّلت أبوابها بسلاسل الإغلاق.
أتذكر الخالة آسيا التي تسكن في الشارع المقابل لنا عندما كانت تعمل في السينما بقسم الأشرطة وكنا كلما صادفتها – أنا وأمي – في الشارع تطلعنا على الأفلام الجديدة. كم حزنت الخالة آسيا على إغلاق السينما حيث خسرت عملها هي والكثيرين ممن تم تسريحهم سواء من دور السينما أو المسارح أو المصانع بسبب الإغلاق لاعتبارات ثقافية ودينية لنظام ما بعد عام 1994 أو لاعتبارات سياسية ولتطبيق نظام الخصخصة.
السينما كانت جزءا من حياتنا وحياة الأجيال التي سبقتنا، ووجود عرض لفيلم سينمائي بعد مرور كل هذه الأعوام يعني لنا الكثير ويرجعنا لزمن الفنون المختلفة التي كانت تزخر بها عدن.
افتتح الفيلم في أول أيام عيد الأضحى في قاعتي أفراح وبمنطقتين مختلفتين؛ كان فرحة لمدينة انهكتها الحرب والوضع الاقتصادي المتدهور.
يحكي فيلم (10 أيام قبل الزفة) قصة شابين قبل حفلة زفافهما والتحديات التي تواجههما. طرح الفيلم الكثير من المواقف والقضايا التي يعيشها الناس وواقع الحياة الصعبة بعد حرب 2015 في قالب تراجيدي-كوميدي. ورافق الفيلم أغنية خاصة به اسمها (أم المساكين) والمقصود بها عدن.
عيناي لم تفارقا الشاشة طوال العرض. في نهاية الفيلم يحتفل مأمون ورشا بعرسهما بطريقة تقليدية بسيطة ممزوجة بالزغاريد والرقص والبخور الذي فاحت رائحته في القاعة. صفير نهاية العرض جعل القاعة تهتز وأيقظ المشاعر الجميلة التي حملتها للسينما من طفولتي. كان الفيلم يستحق عناء البحث عن التذاكر بسبب الإقبال الكبير عليه، ويستحق أن أقضي إجازتي معه برفقة عائلتي وصديقاتي.