كتب : محمد الثريا
من الصعوبة بمكان إنكار حقيقة التلاعب والعبث الذي مارسه عدد من قيادات الشرعية اليمنية تجاه ميزة الدعم السياسي واللوجستي اللامحدود الذي حضيت به منظومة الشرعية من قبل قيادة التحالف العربي على مدى خمسة اعوام متواصلة لتغدو حينها الحجة قائمة والمبرر لاغبار عليه في وصفها بالمذنب الوحيد والمتهم الاوحد في كل مايحدث اليوم بالبلد.
لكن في المقابل هل تساءلنا يوما عن مدى صحة هذه الدعوى حول صورة الشرعية الماثلة امامنا وكيف تم تنويم المزاج العام منذ سنوات من قبل آلة اعلامية جارفة تتفن جيدا بتكريس ثقافة الصوت العال وتدليس الحقائق وفقا لسياسات مموليها والتسويق لنمطية الشرعية كخطيئة سياسية تحمل وزرها دائما التحالف والشعب؟
والى اي مدى ايضا سيبدو هذا الطرح تناولا موضوعيا وتشخيصا دقيقا يختصر تعقيدات المشهد ومسببات انسداد الحلول للازمة اليمنية الراهنة؟
قال البردوني يوما :
الليل يبحث عن ضحى
والصبح يبحث عن عشية
حتى الزمان بلا زمان
والمكان بلا قضية
التابعون بلا رؤوس
والملوك بلا رعية
والمستغل بلا امتياز
والفقير بلا مزية
هل للقضية عسكها
هل للحكاية من بقية
وعلى ذكر عكس القضية وبقية الحكاية فان الحديث عن الازمة اليمنية ولاسيما عندما نقف امام حكاية ” رفض الشرعية وتهربها عن تحرير الشمال وتحقيق استقرار الجنوب” سيبدو حديثا مرسلا يستدعي معه الكثير من البحث والتدقيق في خفايا حكاية الازمة هذه وربما ايضا التعاطي بمنظور اوسع مع ملابسات قضية تجدد صراعاتها الداخلية بغية اثبات صحة ذلك الإدعاء من عدمه .
وبالعودة الى حكاية العجز الاخفاق المتعمد التي اشرنا اليها ومحاولة اختزال الكارثة في غياب النوايا الصادقة والرغبة الحقيقية لدى قيادات الشرعية عن السعي بجدية خلف مغادرة ذلك الواقع المشوه والعمل على انهاء الحرب فضلا عن الاعتقاد كلية بان المسألة باتت قاصرة فقط في بحث قيادات الشرعية عن واقع متأزم بهدف الاثراء والتكسب اكثر مع استمرار سنوات الحرب، هنا بصراحة سيبدو ان مجمل ذلك الكلام او على الاقل جزء كبيرا منه بات اليوم كلاما لامنطقيا وقاصرا جدا.
فالواقع والاحداث الاخيرة اثبتت بالفعل ان هدف تحرير الشمال ومسعى تطبيع الاستقرار جنوبا اضحى هدفا مرتبطا بحسابات خارجية وأمرا منوطا تحقيقه بتفاهمات دولية عدة تحددها طبيعة المصالح المشتركة والخارطة السياسية الجديدة المراد إرسائها عقب انتهاء الازمة اليمنية وهذا معناه بوضوح ان مسألتي التحرير والاستقرار مرهونتان حقا بقرار سياسي خارجي في المقام الاول وان معضلة عجز الشرعية امام عدوها وتوتراتها مع حلفائها ليست سوى عائق ثانوي فقط .
أعلم جيدا بغوغائية البعض حينما يطغى على تفكيره ومنطوقه الكثير من العاطفة فتثار حفيظته امام هكذا طرح ومتجاوزا بعفوية ربما الحقائق والوقائع الملموسة التي تؤكد في غالبها صدقية الحديث حول دور العامل الخارجي كسبب رئيسي وراء تاخر تحرير الشمال وحتى استقرار الجنوب.
ومع ذلك ساضع بعضا من تساؤلات مشهد الازمة والتي ربما في حال الاجابة عليها بشجاعة سيتضح كثيرا من غموض الصورة وضبابية المشهد الراهن !
ـ سيناريو تسليم الجبهات القتالية والانسحابات التكتيكية ليس عملا جديدا تصنعه قيادات عسكرية شرعية لصالح عدوها المفترض الحوثيين؛ فهو سيناريو تكرر كثيرا خلال السنوات الماضية؛ لكن السؤال هنا لماذا دائما ما تغض دول التحالف وحلفائها الطرف عن ذلك بل وتذهب نحو الاستمرار في التعويل على قيادات الشرعية العسكرية التي اثبتت فشلها وتخاذلها اكثر من مرة دونما جلسة مسائلة حجولة معها او حتى التلميح باستبعادها عن قيادة المعارك؟ لماذا يحدث ذلك؟
ـ نسمع عن حصار مطبق تنفذه قيادة التحالف بوجه الجماعة الحوثية منذ سنوات ومع ذلك تبدو الترسانة العسكرية للحوثيين اليوم في احسن احوالها ناهيك عن استخدامها مختلف الاسلحة الحديثة والمتطورة في كل معركة تخوضها الجماعة ! ترى من يفسر لنا هذا التناقض؟ اذ كيف تستقيم هنا معادلة تطور القدرات القتالية النوعية لدى الحوثيين في ظل حصار كامل ومعارك مستمرة؟
ـ تعلم الامم المتحدة قبل غيرها فضلا عن تقارير لمنظمات دولية عدة جميعها تؤكد نهب الحوثيين للمساعدات الانسانية المخصصة للمناطق الواقعة تحت سيطرة قواتهم وتحويل اموال تلك المساعدات بعد بيعها لصالح المجهود الحربي ورفد الالة العسكرية خاصتهم ومع ذلك ايضا لازال المجتمع الدولي مستمرا في شحن المساعدات الاغاثية باتجاه الحوثيين؟ما السبب؟ الا توجد خيارات اخرى امام الداعمين الدوليين لوقف هذا العبث والإعوجاج الواضح؟
ـ انطلاقا من صلاحيات واسعة منحت لها عقب وضع بلد الازمة تحت سلطة البند السابع وكذا التفويض الاممي بتشكيل لجنة رباعية يعزو اليها ادارة الملف اليمني دون غيرها واتخاذ ماهو مطلوب تجاه أحلال السلام وانهاء الصراع ومع ذلك ايضا تعجز تلك الدول في انفاذ اتفاقية سياسية مؤقتة (اتفاق الرياض) في الجنوب وايقاف سيل الدم الجاري حاليا؟ تحت اي مبرر يمكننا ابتلاع اعذارهم بعدها؟
عزيزي القارئ نكتفي بهذا القدر من التساؤلات على اعتبار ان الاجابة عليها ستكون كافية جدا لفهم خفايا المشهد العام للازمة والصراع وفي التأكيد ايضا انه وطالما ان الشريان المغذي لاستمرار الصراع يأت قادما بالاساس من المحيط الخارجي (رعاة الازمة والمنظومة الاممية التابعة لها) قبل ان يمر بمحيط الداخل المنتفع من قيادات الشرعية وغيرها (ساسة وعسكر) فانه لاجرم بان الطرح القائل باستحالة تحرير الشمال واستقرار الجنوب دونما رغبة وقناعة دولية يترجمها قرار سياسي حقيقي وليس مجرد مقترحات حل مستهلكة او ملهاة تحت مسمى مبادرة يتسلى بها الداخل يظل هو الطرح الاكثر صحة وواقعية،فيما سيبقى هنا مشهد تبادل الادوار وأحجية عجز عساكر الشرعية وتمنعهم عن حسم الصراع والذهاب الى استثمار ذلك الواقع الموقوف دوليا استثمارا ماديا وربما سياسيا احيانا مجرد نصف الحقيقة والجزء الظاهر من حكاية الازمة اليمنية فحسب.
على العموم سيبدو هنا ان الشرعية قد تمكنت حقا من قراءة المشهد والرؤية الدولية شمالا بحذق لتعمد بعدها الى تطبيق سياسة المجاراة وتكييف الموقف تبعا للواقع والرغبة الخارجية بدلا من مواجهة التيار السائر هناك ؛ وعلى غير ذلك سيبدو حينها ايضا ان ذات الشرعية الحذقة قد فقدت كثيرا من قدرتها في قراءة المشهد جنوبا لتغدو كما نراها بهذا الحال اليوم شرعية منقسمة ومندفعة وتحمل رؤوسا عدة.
والحقيقة ان اختلاف تفاصيل المشهدين ومسارهما السياسي يبقى نتاجا طبيعيا لاختلاف الاجندات الخارجية والتي على أساسها تدار الازمة والحرب منذ البداية .
وبين فشلها في تحرير الشمال وتحقيق الاستقرار في الجنوب..هل يبدو منصفا القول بان الشرعية باتت هي من يتحمل كامل المسؤولية هنا؟
تلك الشرعية المنفية والمخترقة والتي لطالما كانت ضحية التجاذبات الدولية منذ فجر الانقلاب عليها وحتى اليوم هل ستغدو في النهاية هي كبش الفداء على مذبح التسوية السياسية القادمة؟
من يدري لربما جعلت اساسا للعب هذا الدور وفصلت على هذ الاساس شخوصها ومواقفها المبهمة، لذا يتم اليوم كما نرى تهيئة البدلاء السياسيين والمزاج العام بقوة قبيل مشهد مغادرة الشرعية ولو بصورة ناعمة؟!
عموما لم يعد لدي الكثير هنا لأتحدث به عن حجم المآساة وجدلية المسؤول عنها سوى هذين البيتين وعلى قافية البردوني !
وببلد حن حاضرها إلى أمسها
من يتحمل كامل المسؤولية؟