القبائل الليبية اتخذت قراراً بضرورة غلق حقول النفط لأن الإيرادات تستخدم في تمويل الإرهاب
إنجي مجدي
قبل أيام قليلة وجّه مصطفى صنع الله، رئيس مؤسسة النفط الوطنية الليبية، اتهامات للجيش الوطني الليبي بمحاولة إحباط عملية استئناف إنتاج النفط في حقل الشرارة، جنوب طرابلس، من خلال مرتزقة روس وآخرين دخلوا إلى المنطقة.
وعلى الرغم من عدم ذكر حقل الشرارة تحديداً، غير أنه في تصريحات إعلامية، الأحد، قال أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي، إن الجيش عزز انتشاره لحماية المنشآت النفطية الليبية، وذكر أن الميليشيات تحاول دخول منطقة الهلال النفطي تنفيذاً لمخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي المشهد الليبي الممزق بعد تسع سنوات من إسقاط التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لنظام معمر القذافي، فإن روسيا تدعم الجيش الوطني الليبي، المتمركز في الشرق بقيادة خليفة حفتر، في تأمين حقول النفط بالبلاد، بينما تستعين حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، برئاسة فايز السراج، بالمرتزقة من الميليشيات السورية الذين تجلبهم تركيا إلى ليبيا وتوفر لهم الدعم المالي والسلاح.
أزمة إيرادات النفط
بينما تمتلك ليبيا احتياطياً نفطياً يقدر بـ 48 مليار برميل، وهو الأكبر بأفريقيا وتاسع أكبر احتياطي على مستوى العالم، فإن قطاع النفط يمثل 95 في المئة من عائدات التصدير للبلاد و60 في المئة من الناتج المحلي.
وحاولت الفصائل المتنازعة داخل ليبيا استخدام السلعة الرئيسة للسيطرة، وهو ما تسبب في خفض الإنتاج بثالث أكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا، في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، من نحو 1.3 مليون برميل يومياً إلى نحو 320 ألف برميل يومياً، غير أن تقديرات أخرى تشير إلى خفض الإنتاج لنحو 90 ألف برميل فقط في الوقت الحالي.
وتشكل إيرادات النفط نقطة صراع رئيسة بين الفرقاء الليبيين، ففي حين يسيطر الجيش الوطني الليبي على منطقة الهلال النفطي بالشرق، تستحوذ حكومة طرابلس في الغرب على احتياطات البنك المركزي الوطني، التي تتكون بالأساس من عائدات النفط. ومؤسسة النفط الوطنية في طرابلس، الهيئة الوحيدة المسموح لها بموجب اتفاق دولي، تفرضه الولايات المتحدة والبحرية الأوروبية، لتصدير النفط من ليبيا. بعد ذلك يتم إرسال الأموال إلى البنك المركزي في طرابلس، الذي أرسل في السابق جزءاً من العائدات إلى البنك المركزي الخصم في بنغازي مقابل تعاون من جانب حفتر حول تأمين إنتاج حقول النفط في الشرق الليبي.
وبالنسبة لحقل الشرارة النفطي الأكبر في ليبيا، فقد كان ينتج 300 ألف برميل يومياً، ويمثل إنتاجه نحو ثلث إنتاج ليبيا من النفط الخام. وسيطر الجيش الوطني الليبي على الحقل في فبراير (شباط) 2019، لكن تم فرض إغلاق الحقل منذ يناير الماضي، لاستخدامه كوسيلة ضغط في المفاوضات مع حكومة الوفاق. وفي حال استئناف التصدير ستتعزز خزينة حكومة الوفاق مما يدعمها في نزاعها مع الجيش الليبي، غير أن استمرار وقف الإنتاج يعد ورقة ضغط للعودة إلى المفاوضات.
اتهامات متبادلة
ويواجه حفتر انتقادات دولية بسبب حصاره لمنشآت النفط، مما كلف الدولة ما يزيد على 6 مليارات دولار من العائدات المفقودة. واتهم صنع الله، الجيش بدفع مبالغ طائلة لمرتزقة أجانب لمنع شركة النفط الوطنية من القيام بواجبتها، الذي بدوره “يجعل بقية السكان الليبيين يعانون”. وأعرب عن أسفه، في تعليقات، الجمعة الماضية، لفقدان عائدات النفط و”الاضمحلال الكارثي للبنية التحتية النفطية” بسبب الإغلاق الذي يمنع أعمال الصيانة في المنشآت.
غير أن الجيش الوطني الليبي والبرلمان الليبي المنتخب يتهما حكومة السراج باستغلال واردات النفط في دفع رواتب المرتزقة السوريين والجماعات الإرهابية التي تدعمها.
وفي بيان، صدر عن المكتب الإعلامي لمجلس النواب الليبي، اتهم عيسى العريبي، رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بالمجلس، مؤسسة النفط بطرابلس بانتهاج سياسة تمهد من خلالها للاحتلال التركي بسرقة الحقول والموانئ النفطية. وأضاف أن مؤسسة النفط في طرابلس تغض النظر عن تهريب النفط في منطقة سيطرة حكومة الوفاق “المرفوضة”.
قرار وقف إنتاج النفط
وفي حديثه لـ”اندبندنت عربية” قال ناصر سعيد، الناطق باسم الحركة الوطنية الشعبية الليبية، إنه منذ إطلاق الجيش الوطني الليبي عملياته لتحرير طرابلس وتطهير البلاد من الميليشيات الإرهابية، اتخذت القبائل الليبية قراراً بضرورة غلق حقول النفط لأن وارداتها تستخدم في تمويل الإرهاب وجلب المرتزقة من الجماعات الإرهابية في سوريا ودفع رواتبهم وشراء السلاح لهم، لذا فإن أموال الشعب الليبي تستخدمها حكومة الوصاية، في إشارة إلى حكومة الوفاق، في غير ما هو مخصص لها.
ويرى سعيد أن صنع الله، يروج أكاذيب ويصرح بتعليقات سياسية، مضيفاً أن ما يتعلق بمعاناة الشعب الليبي حجة تتخذها طرابلس، وبالمقابل هناك عملية تبديد للأموال الليبية وتبديد للعائد النفطي.
يقول، “نحن الليبيين لا نعرف في أي حساب تودع إيرادات النفط ومن ينفقها وآلية الإنفاق، هناك صراع، فهناك مصرفان من المصارف المركزية، وهناك حكومة غير شرعية في طرابلس تستورد الإرهابيين وتدير اتفاقات بحرية تنتهك السيادة الليبية فكيف نسلمها النفط تبيعه وتحصل على أمواله؟”.
ويشير الناطق باسم الحركة الوطنية الشعبية الليبية إلى أن بلاده تديرها حكومة بالوصاية غير منتخبة نفذت الاتفاقيات الدولية، مضيفاً أنه لا يمكن إطلاق عملية سياسية ما لم يتم نزع سلاح الميليشيات وسحب المرتزقة من داعش والقاعدة الذين جلبهم أردوغان.
ويوضح، “المشكل في ليبيا ليس سياسياً بل أمني، لا بد من نزع سلاح الميليشيات أولاً. يمكن عقد مصالحة وانتخابات غداً، لكن هناك صراع إخواني ضد قيام الدولة، مشروع الإخوان هو هدم الدولة الوطنية وتدمير جيشها”.
ويتوقع سعيد استمرار تعليق إنتاج النفط في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، لكن ليس من الواضح عما إذا كانت تركيا وحكومة طرابلس سترضخ قريباً لوقف إطلاق النار الذي دعت إليه القاهرة في وقت سابق من شهر يونيو (حزيران) في إعلان شارك فيه حفتر ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح. وتصر تركيا على زحف ميليشياتها إلى مدينة سرت والجفرة، وهو ما وصفه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالخط الأحمر الذي يستوجب تدخل الجيش المصري باعتباره قضية أمن قومي لمصر.
ويشير مراقبون إلى أنه ليس من الواضح عما إذا كان البنك المركزي في طرابلس سيرسل الأموال إلى بنغازي إذا تمكنت حكومة طرابلس من استعادة السيطرة على حقول النفط الجنوبية واستئناف عمليات إنتاج وبيع النفط، لكن من شأن هذا أن يشكل ضغطاً على حفتر لإعادة تشغيل حقول النفط الشرقية.
نقلا” عن أندبندنت عربية