كريتر نت — أ ف ب
تجهد الرضيعة مسيرة صقر الخويري لفتح عينيها بينما تحاول جدّتها إطعامها الحليب بواسطة حقنة طبية على وقع صراخ أطفال آخرين في أروقة طليت جدرانها باللون الزهري في قسم معالجة سوء التغذية في مستشفى يمني.
ومنذ ولادتها قبل نحو ثلاثة أشهر، لم يعرف جسد مسيرة الهزيل سوى أروقة مستشفى السبعين في صنعاء، الشاهد على ست سنوات من الاقتتال في البلد الفقير الغارق في أزمة انسانية وصحية وغذائية كبرى يفاقمها تهديد فيروس كورونا المستجد.
وسيطر المتمردون الحوثيون في الثامن من يوليو 2014 على عمران شمال صنعاء في أول انتصار عسكري في مواجهة القوات الحكومية لينطلقوا بعدها نحو مناطق أخرى فاتحين الباب أمام نزاع على السلطة دفع بملايين السكان إلى حافة المجاعة.
وأصبح شكل مسيرة وعشرات مثلها من الأطفال الآخرين الذين يرقدون بأجساد هزيلة ووجوه منهكة على أسرة في مستشفيات اليمن وهم يتنفّسون بصعوبة ويكادون يعجزون حتى عن فتح أفواههم لتناول الحليب، مشهدا مألوفا في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
ويبلغ وزن مسيرة 2 كيلو و400 غرام، وهي تعاني من سوء تغذية حاد تسبّب لها بضمور في الدماغ، حسبما ذكرت جدتها.
أعداد إضافية
بعد ست سنوات من الاقتتال، يشهد اليمن انهيارا في قطاعه الصحي، فيما يعيش أكثر من 3.3 ملايين نازح في مدارس ومخيمات تتفشى فيها الامراض كالكوليرا بفعل شح المياه النظيفة.
وكان النزاع قد تصاعد مع تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري في مارس 2015 لدعم القوات الحكومية في مواجهة الحوثيين المتحالفين مع إيران، ومذاك الحين، قتل آلاف المدنيين بينهم مئات الأطفال في ضربات جوية وعمليات قصف متبادلة.
ويبدو اليمن المطل على البحر الاحمر وخليج عدن بعيدا جدا عن أي تسوية سياسية، في ظل استمرار المعارك والضربات الجوية رغم تهديد فيروس كورونا المستجد الذي تسبّب بوفاة أكثر من 330 شخصا في بلد يعجز ملايين من سكانه عن الوصول للمياه النظيفة للشرب والاغتسال.
والشهر الماضي، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في تقرير من أن النقص الكبير في المساعدات الإنسانية في اليمن على خلفية وباء كوفيد-19 يهدّد أعدادا إضافية من الأطفال بالموت جرّاء سوء التغذية.
في مستشفى السبعين في صنعاء، تبدو تبعات الحرب والمخاوف من الفيروس واضحة على الأجساد الضئيلة وفي تصريحات الأطباء.
وفي قسم معالجة سوء التغذية الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 25 شخصا، يحذّر الأطباء من المزيد من التدهور خاصة مع الخوف من تفشي الفيروس وأزمة وقود اندلعت مؤخّرا وجعلت من الصعب على الكثيرين حتى إحضار أطفالهم للمستشفى.
ويعترف الأخصائي في قسم التغذية هزاع عبد الله الفرح بأن الكثير من اليمنيين يعزفون عن اصطحاب أطفالهم للمستشفى لتلقي العلاج خوفا من الفيروس.
ويقول إن الوباء “زاد العبء على الكادر الصحي وعلى المواطنين. يمتنع بعض المواطنين من الذهاب بأطفالهم إلى المستشفى خوفا من الإشاعات التي تتناقل عن كورونا”.
نقص حاد
ويلف الغموض وضع تفشي فيروس كورونا في صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بينما تتهم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا الحوثيين بإخفاء الأرقام الفعلية للإصابات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وتحذر المنظمات الانسانية من كارثة بشرية في اليمن بحال تفشى الفيروس على نطاق واسع.
وجمعت الأمم المتحدة الشهر الماضي 1.35 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لليمن في مؤتمر للمانحين استضافته السعودية، إلا أن هذا الرقم يوازي نحو نصف التمويل المطلوب والبالغ 2.41 مليارا.
وتحذّر يونيسيف من أنّه ما لم يتم استلام 54.5 مليون دولار من هذا المبلغ للخدمات الصحية والتغذية بنهاية أغسطس، فإن 23500 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد سيواجهون خطر الموت بشكل متزايد.
ولن يتلقى ما يصل إلى مليون طفل مكمّلات المغذيات الدقيقة الحيوية وفيتامينات ضرورية، وستفقد نحو 500 ألف أم حامل وسائل التغذية الأساسية بما في ذلك تقديم المشورة بشأن تغذية الرضع والأطفال، بينما سيحرم 19 مليون شخص من إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية.
وصرح الطبيب أمين العيزري في مستشفى السبعين أنّ الكثيرين “لا يستطيعون الوصول إلى المركز الصحي أو المستشفى أو العيادة بسبب ضعف الحالة المادية”، مضيفا “هناك أيضا نقص حاد في المواد ونقص حاد في الأدوية ونقص حاد في توفير الأغذية”، وتابع “أطفال اليمن يموتون كل ساعة ودقيقة”.