كريتر نت – أندبندنت – أمال شحادة
ما لم تتوقعه إسرائيل أن يتحوّل السودانيون، الذين أصبحوا كابوساً لها بعد هجرتهم الواسعة لطلب اللجوء والعمل، إلى تحدٍ لا يُستهان به للحدود الشمالية، وتجاه لبنان خصوصاً. ومنذ نحو الشهر، ارتفعت نسبة السودانيين الذين يحاولون التسلل إلى إسرائيل عبر الحدود الشمالية.
ومع ارتفاع عددهم، ونجاح بعضهم في اختراق الحدود، والوصول إلى إسرائيل، كثَّف الجيش الإسرائيلي حراسته ومراقبته الحدود، ولم يخفِ الإسرائيليون قلقهم من إمكانية أن يكون البعض قد تسلل، ونجح في الدخول إلى تل أبيب، من دون ضبطه من قِبل الجنود المنتشرين بالمنطقة الحدودية، أو حتى أجهزة الرقابة التي نصبتها إسرائيل، لمراقبة المنطقة الحدودية تجاه لبنان.
هذا التسلل يأتي في وقت ينشغل فيه أمنيون ومعاهد بحوث بمناقشة الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي يشهدها لبنان، وتداعيات تطور هذه الأوضاع على إسرائيل، خصوصاً من الناحية الأمنية.
وتوقّع الإسرائيليون، في بعض المناقشات، وصول أعداد كبيرة من السودانيين وطالبي العمل في لبنان إلى المنطقة الحدودية، في محاولة التسلل إلى إسرائيل، وخلال ذلك يُستغل البعض في تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
وفي تلخيص بعض البحوث، اعتبر الإسرائيليون السودانيين الهاربين من لبنان تحدياً جديداً في المنطقة الشمالية، وفي حال زيادة العدد يصبح الوضع أكثر خطورة من الناحية الأمنية.
وفي تقرير نشره الجيش الإسرائيلي، ادّعى أنه جرى خلال الشهر الماضي ضبط واعتقال 20 متسللاً خلال أربع محاولات تسلل.
اعتقالات وقذائف إنارة
وخلال الشهرين الأخيرين، ارتفع عدد المتسللين من لبنان نحو المستوطنات الإسرائيلية الواقعة عند الحدود، وفي بعض هذه المحاولات، التي أعلنها الجيش، جاء أن بعضها كان من قِبل مزارعين، والبعض الآخر من السودانيين، وعند اكتشاف الحالتين الأوليين من التسلل، أطلق الجيش الإسرائيلي قنابل إنارة باتجاه لبنان، ونشطت حركة مدرعات ودوريات عسكرية على طول الحدود، وسارع إلى إعلان أنّ لبنانيين اُعتقلوا، ويُحقق معهم من قِبل الجيش.
وفي بعض الحالات، أُعلن إعادتهم إلى لبنان، وفي حالات أخرى انتهى النشر عن الموضوع مع الإعلان الأول للجيش عن التسلل، من دون تفاصيل حول مصيرهم.
المؤسسة الأمنية
ومع ارتفاع عدد المتسللين من بين السودانيين، انتقل الموضوع إلى بحوث المؤسسة الأمنية ومعاهد البحوث بالتركيز على كيفية منع التسلل وتداعياته، وخطر تكراره، أو نجاح عملية التسلل، وجرى التطرق إلى الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، واعتبر الإسرائيليون تسلل السودانيين “محاولة للبحث عن عمل” بعد فقدانه في لبنان، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومن ثمّ طلب اللجوء إلى إسرائيل.
الجيش الإسرائيلي من جهته رفع حالة التأهب والمراقبة، ووضع خطة لمنع أي عملية تسلل عبر الحدود، ونقل عن أمنيين أنه يتوجّب على الجيش عدم التعامل مع هذا التسلل مثل تعامله مع تسلل السودانيين عبر الحدود المصرية، بل يجب الأخذ بالحسبان إمكانية تنفيذ عمليات “إرهابية”، وفق تعبير الإسرائيليين، ودعا بعضهم الجيش اللبناني إلى أخذ دوره ومنع التسلل، قبل أن ترتفع المحاولات بشكل كبير، وتتحوّل إلى ظاهرة خطيرة، تنعكس على الوضع الأمني.
“اليونيفيل” ومهمتها
وعلى الرغم من تأكيد الجيش الإسرائيلي أن حالات التسلل الأخيرة اقتصرت على السودانيين، فإنه لم يسقط من نقاشه الدور الذي يتوجب على “اليونيفيل” (قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان)، القيام به لحماية الحدود، ضمن قرار مجلس الأمن 1701، وقد ذكر الأمر خلال الجولة التي قام بها قادة الجيش وممثلو وزارة الخارجية بمشاركة 12 سفيراً ودبلوماسيّاً أجنبيّاً بالمنطقة، قبيل تجديد ولاية قوات “اليونيفيل” على الحدود اللبنانية الإسرائيلية نهاية أغسطس (آب)، بعد نحو شهر ونصف الشهر.
وأعلن رئيس لواء العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي آفي دفرين، أن الجيش سيبذل كل جهد، مستخدماً جميع الأدوات المتوفرة له، للحفاظ على الهدوء والاستقرار، ومنع خرق “السيادة الإسرائيلية”، بما في ذلك “منع التسلل”.
واعتبر العسكريون الإسرائيليون، في حديثهم أمام السفراء، أن “اليونيفيل تلعب دوراً مهمّاً للحفاظ على الاستقرار بالمنطقة”، ودعوا مجلس الأمن إلى تبني قرار يمكّن “اليونيفيل” من تنفيذ مهامها من دون قيود. كما دعوا أيضاً المجتمع الدولي إلى الاعتراف بأن “(حزب الله) يهدد أمن سكان الشمال الإسرائيلي والعمل ضده”.
الاعتقال والمحاكمة لخلق الردع
وبالنسبة إلى يونتان يعقوبوفتش، مدير المركز لسياسة الهجرة الإسرائيلية، فإن الأمر المركزي الذي يتوجّب على إسرائيل فعله، الآن، اتخاذ كل الاحتياطات لمنع ما حدث لها عام 2016 عند الحدود مع مصر، ووصول مئات السودانيين من لبنان إلى الحدود الشمالية، وبرأيه فإن الأحداث الأخيرة عند الحدود الشمالية ومحاولة التسلل تشير إلى أن السودانيين سيكونون “على استعداد لتعريض حياتهم للخطر”، في محاولة لضمان العمل بإسرائيل.
ودعا يعقوبوفتش متخذي القرار الإسرائيلي إلى تعلُّم الدرس من ظاهرة 2016، واقترح “عدم إعادة السودانيين” الذين ضُبطوا عند محاولة تسللهم إلى لبنان، بل “اعتقالهم ومحاكمتهم”، لخلق ردع ومنع سودانيين آخرين من التسلل إلى إسرائيل، وفي الوقت نفسه، تقرّ المحكمة الإسرائيلية العليا فترة سجن لهؤلاء المتسللين، بدعم من الكنيست والحكومة.
جدار فاصل أقوى وأطول
وخلال مناقشة الموضوع، نقل عن سريت زهافي، مديرة ومؤسسة مركز “علما”، التي تركِّز بحوثها في مجال الترتيب الأمني لإسرائيل بمنطقة الشمال، أن واجب اللحظة يتطلب إعلان إقامة جدار أفضل وأقوى على طول الحدود الشمالية. وقالت “توجد أماكن عدة على طول الحدود تحتاج إلى تحسين أمنها. أتجوَّل كثيراً عند المناطق الحدودية، ولا أفهم كيف لم يقم، حتى الآن، جدار مرتفع وقوي وآمن مقابل لبنان، كما هو وضع الحدود الأخرى”، ورأت بالجدار الذي أقامه الجيش عند الحدود السورية أفضل مثال لحماية الأمن ومنع التسلل.