كريتر نت – DW – محي الدين حسين
بعد نحو أربعة عقود من تطبيقها، ألغى السودان قوانين وضعها إسلاميون توالوا على حكمه. سودانيون رحبوا بالتعديلات، لكن وجدوها غير كافية، “فالقانون كالعملة يجب أن يكون موحداً ولا يميز بين مسلم وآخر غير مسلم”.
إلغاء تجريم الردة، والسماح لغير المسلمين بتناول المشروبات الكحولية، بالإضافة إلى تجريم ختان الإناث، وإلغاء إلزام النساء بالحصول على تصريح من أفراد عائلاتهن الذكور للسفر مع أطفالها.
كلها تعديلات جديدة أعلنت عنها الحكومة الانتقالية في السودان، في تراجع عن سياسات انتهجها إسلاميون حكموا السودان لنحو أربعة عقود.
وزير العدل السوداني نصرالدين عبدالباري أكد أن ةهدف التعديلات هو “مواءمة القوانين مع الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية”، مشيراً إلى أنهم “ملتزمون بالعدالة وعدم التمييز بين الأشخاص على أي أساس”، وأضاف:”هذا أمر نحتاجه في السودان، لأن هناك من يعتقد أنه قادر على فرض أفكاره أو توجهاته الفكرية على الناس، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر في الدولة التي نعيش فيها”.
وكان الرئيس السوداني الأسبق الراحل جعفرالنميري قد اعتمد تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في السودان عام 1983، وواصل الرئيس السابق عمر البشير العمل بها بعد توليه السلطة عام 1989. لكن الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة بعد الإطاحة بعمر البشير العام الماضي تعهدت بقيادة السودان إلى الديمقراطية وإنهاء التمييز.
ووصف رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إجراء التعديلات الجديدة بخطوة “هامة”. وقال حمدوك في تغريدة عبر تويتر: “إن إجازة وتمرير هذه القوانين والتعديلات الجديدة خطوة هامة في طريق إصلاح المنظومة العدلية من أجل تحقيق شعار الثورة”.
“هامة لكن غير كافية”
وترى الناشطة الحقوقية السودانية إيمان سيف الدين أن التعديلات الجديدة “هامة جداً لكنها غير كافية”، وتضيف في حديث لـ DWعربية: “إنها مهمة في سياق إعادة الحريات للشعب السوداني الذي ثار ضد النظام الإسلامي المتطرف، لكنها غير كافية لأن هناك قوانين كثيرة يجب تغييرها”.
وتعتقد إيمان سيف الدين أن “التعديلات الجديدة نفسها فيها عدم مساواة”، وتوضح بالقول: “التعديل المتعلق بشرب الخمر مثلاً يسمح لغير المسلم بتناوله بينما يحظر ذلك على المسلم”، وتضيف: “القانون في الدولة يجب أن يكون موحداً مثل العملة، أما أن
يكون هناك قانون للمسلمين وقانون لغير المسلمين فإن هذا تفكيك للقانون في الدولة”. ومن”الإشكاليات” الأخرى التي تراها الناشطة السودانية، هي عدم إلغاء عقوبة الجلد بالكامل. فقد نصت التعديلات الجديدة على”إلغاء عقوبة الجلد عدا في الجرائم الحدية والقصاص”.
“تغيير جذري”
وتقول الأمم المتحدة إن نحو ثلاثة بالمئة من سكان السودان غير مسلمين. ويعيش المسيحيون السودانيون بشكل رئيسي في الخرطوم وفي جبال النوبة قرب حدود جنوب السودان. ويتبع بعض السودانيين أيضاً المعتقدات الأفريقية التقليدية. وكانت منظمات حقوق الانسان الدولية تتهم حكومة البشير بانتهاك حقوق الإنسان وخصوصاً حقوق غير المسلمين.
ومع تغيير القوانين التي وضعها الإسلاميون، يرى الخبير الألماني بشؤون السودان، رومان ديكرت، أن السودان يشهد “تغييراً جذرياً”، ويضيف في حديث لـDWعربية: “لأن الجيل الشاب، الذي يمثل الغالبية العظمى من الناحية الديمغرافية، والذي تحرر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يضغط من أجل المشاركة السياسية”.
ويذكر ديكرت “الدور الحاسم” للشباب السوداني المستقل في الثورة على البشير، مضيفاً أن ما يمهد للتغيير في السودان هو “استسلام أو رحيل جيل كامل من الحكام القدامى”، ويتابع: “لا أقصد البشير فحسب، فالصادق المهدي (زعيم حزب الأمة القومي) اعتزل السياسة والزعيم الإسلامي (حسن) الترابي أيضاً توفي قبل سنوات”.
والترابي هو الذي دعم البشير في انقلاب عام 1989.
“العودة إلى التقاليد الليبرالية”
ويعتقد ديكرت أن التغيير القادم في السودان هو”العودة إلى التقاليد السودانية الليبرالية بالتمكين الذاتي، كما كان الحال في الانتفاضات الشعبية السابقة في عامي 1964 و1985″. وماعدا الثورة التي أطاحت بالبشير عام 2019، شهد السودان منذ استقلاله ثورتين، الأولى عام 1964 أطاحت بالنظام العسكري للفريق إبراهيم عبود، والثانية عام 1985 أطاحت بجعفر النميري.
لكن التغيير المنشود في السودان يواجه “تحديات كثيرة”، كما يرى ديكرت، ويوضح:
“قبل كل شيء، الأزمة الاقتصادية والمالية المزمنة، فالإصلاحات النيوليبرالية التي يديرها صندوق النقد الدولي تهدد بتوسع الفجوة الاجتماعية”، ويتابع: “من التحديات الأخرى هو أن جيل الشباب لايزال غير ممثل تقريباً في جهاز الدولة، فضلاً عن الفجوة بين كل من الطبقة السابقة والطبقة الوسطى المنكمشة والأقلية الحاكمة”.
وووفقاً لديكرت، فإن الصراع على السلطة بين القوى المدنية والعسكرية ، والصراع الآخر داخل “المعسكر غير المدني” أيضاً يشكلان تحدياً آخر أمام التغيير في السودان، مضيفاً أنه مع فقدان الإسلاميين مصداقيتهم في السودان فإن “خطوط النزاع الفعلية ستكون في مكان آخر”، وليس بين الليبراليين والإسلاميين، مشيراً إلى أن الإسلاميين أصلاً استغلوا الدين من أجل “إدارة أعمالهم”.
إلا أن الناشطة السودانية إيمان سيف الدين تعتقد أن “الإسلاميين سيعملون على عرقلة الإصلاحات”، وتتابع: “لكن ليست لديهم قوة مقارنة بقوة إرادة الشعب السوداني”، وتختم: “ستكون كلمة الشعب السوداني هي المنتصرة في النهاية”.