كتب : محمد الثريا
في أواخر شهر مارس من العام 2015م وعلى إثر الانقلاب الذي حدث يومها في اليمن تمكنت المملكة العربية السعودية سريعا من تشكيل تحالف عربي عسكري بالتزامن مع انتزاعها تفويضا أمميا يجيز لها التدخل في الشأن اليمني آنذاك تحت مبرر دحر الانقلاب واستعادة الشرعية اليمنية.
مضى أكثر من خمسة اعوام حرب وبدلا من ان تغادر سلطة الانقلاب المشهد وتنتهي سطوتها لم ننفك منذ ذلك الحين وحتى اليوم عن الاستماع فقط لأخبار الاخفاقات والتخبط والصراعات البينية التي تعصف بذلك الحلف العربي وانصاره بالداخل اليمني..
فكيف تحولت الجماعة الحوثية من مجرد كيان انقلابي محاصر الى سرطان يتمدد وغول يلتهم كل ماهو امامه ليغدو معظم الشمال كماهو حال اليوم في قبضته تقريبا باستثناء بضع كيلومترات هنا وهناك؟ ليس هذا وحسب بل بات الحديث اليوم عن كون سلطات الانقلاب الحوثية سلطة امر واقع يتوجب على جميع المنظمات الدولية التعامل معها على هذا الاساس والتسليم به وفق تصريحات اممية موثقة وهو ما يعد نصرا سياسيا مؤزرا بالنسبة لجماعة كانت توصف حتى الامس القريب بالشرذمة الكهنوتية التي لايحسب لها حساب.
في مقابل ذلك وكما نرى ذهبت دول التحالف العربي او ما بقي منها لتترنح جنوبا برغم هول إمكاناتها وقدراتها السياسية والعسكرية المتقدمة ..إذ حقا باتت بالكاد اليوم تسيطر على جغرافيا مضطربة وقد تفقدها في اي لحظة؟
يتحدثون هذه الايام عن مبادرة أممية معدلة لحل الصراع اليمني وبغض النظر عن حظوظ نجاح تلك المبادرة او فشلها كسابقاتها ..!
فإن المسعى الاممي بحد ذاته يمثل وبوضوح إعلانا صريحا عن فشل مهمة التحالف العربي وربما محاولة أخيرة لتجديد العودة الى اروقة الامم المتحدة والبحث من هناك عن حل للازمة اليمنية .
السعودية التي تبدو عاجزة اليوم عن حلحلة الإشكال وتذليل الصعاب امام إنفاذ اتفاقية سياسية مؤقتة في جغرافيا تقع كليا تحت سيطرتها وتدين مكوناتها المحلية بالولاء لها هل يرجى منها إحلال اتفاق سياسي للحل الشامل باليمن؟ هذا هو السؤال الذي بات يفرض نفسه اليوم امام حلفاء المملكة سواء في الداخل او الاقليم؟
هذا التحول الكبير والسلبي في دور وقدرات التحالف العربي يؤكد بما لايدع مجالا للشك ان الازمة اليمنية قد دخلت مرحلة التدويل والتجاذبات الخارجية ؛ وان التعقيدات التي شهدها الملف اليمني خلال الفترة الماضي جاءت بالفعل مقدمة لذلك التحول وهو ما حذرنا منه منذ البداية عند الحديث عن تبعات مسلسل إضاعة الفرص الذي دأبت عليه قيادات التحالف العربي خلال الفترات الماضية وعدم حسمها الامر مبكرا .
فحينها اكدنا ان قائمة خياراتك سوف تتضاءل شيئا فشيئا مع مرور الوقت والذي غالبا لايصب في صالحك سيما وانت تصارع في بلد يعج بالمتناقضات السياسية والاجتماعية فضلا عن إرثه التاريخي المتخم بالصراعات الداخلية المتجددة وطبيعة العدو المؤدلج الذي تواجهه اليوم .
ما اود الاشارة اليه هنا وهذا ما ينبغي ادراكه جيدا من قبل الجميع ..!
انه لامحالة سوف لن تقف كارثة الصراع اليمني شمالا وجنوبا عند اعلان فشل الدور السعودي ومغادرته المشهد ولو صوريا بل حينما تتعداه الى اعادة تموضع قوى الداخل المتحاربة بما فيها تلك المرتبطة بمشيئة النظام السعودية وذهابها نحو خيارات بديلة فرضتها مستجدات الازمة وتداعيات اخفاق الاداء السعودي المتكرر.
فهنا تحديدا تأتي المخاوف من التدخلات الاقليمية والدولية بكامل ثقلها وقذارتها وهنا تصبح مسألة تحول اليمن الى سوريا جديدة أمرا واقعا ..
المرحلة بالفعل مرحلة حساسة وتتطلب تضافر الجهود واستحضار النوايا الصادقة. والبداية من اعادة تفعيل دور التحالف العربي والانطلاق مجددا من بوابة لملمة حلفاء الداخل وتصويب بوصلة الصراع كما بدأ وليس من حيث توقف وانحرف .