كريتر نت – DW
تصاعد التوتر بين تركيا واليونان، بعد تخطيط أنقرة للتوسع في المياه البحرية المحيطة بها وإعلانها البدء في التنقيب عن النفط بالقرب من جزيرة كريت. فهل هذه التحركات التركية شرعية وفق القانون الدولي؟ خبيرة ألمانية تشرح.
تأتي العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على رأس أجندة رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي. وفي كلمة لها أمام البرلمان الألماني “بوندستاغ” قالت المستشارة أنغيلا ميركل في الأول من يوليو/ تموز: “نحن بحاجة إلى اتباع استراتيجية منسجمة حول مستقبل العلاقات مع تركيا”. كما أشارت ميركل إلى وجود قضايا متعددة الاتجاهات مع تركيا بدءاً بسوريا مرورا بليبيا وانتهاء إلى مشكلة اللاجئين وحقوق الإنسان.
ووصفت المستشارة الألمانية خطوة التنقيب عن النفط والغاز قبالة قبرص وجزيرة كريت اليونانية بـ “الصعوبة” التي تقف في طريق تحقيق تفاهم دائم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. عمليات التنقيب الأولى بدأت عام 2019، وتم الإعلان عن عمليات أخرى في الخريف. عمليات الحفر والتنقيب التي تشرع فيها تركيا، ستكون من بين أهم القضايا التي سيناقشها وزير الخارجية الألماني هيكو ماس في أثينا.
خلفية هذا النزاع تعود إلى تأكيد تركيا على حقوقها في المناطق البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط. لعقود من الزمن، ظلت أنقرة مستاءة من عدم استفادتها من الموارد الطبيعية للجزر اليونانية الواقعة قبالة ساحل بحر إيجة التركي. في مقابلة سابقة له مع صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية، قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو إنه من “غير المقبول” أن تطالب جزيرة كاستيلوريزو الصغيرة، التي تبعد أكثر من 500 كيلومتر من أثينا عن البر التركي، بمساحة بحرية تبلغ 200 ميل في كل اتجاه”.
مبدأ الإنصاف
وفقا ًلاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الدولي لعام 1982، فإن ادعاء تركيا له ما يبرره “في الوقت الحالي”، كما تقول الباحثة نيله ماتس ـ لوك، مديرة معهد فالتر شوكنغ للقانون الدولي في جامعة كيل. إذ أشارت إلى فرنسا، التي تضم عدة جزر صغيرة في جنوب المحيط الهادئ والمحيط الجنوبي مع المناطق البحرية الضخمة المقابلة حولها. وعلى غرار البر، يمكن للجزر “الحقيقية” الصالحة للسكن، بخلاف الصخور، المطالبة بجرف قاري ومنطقة اقتصادية خالصة تمتد إلى مئتي ميل بحري بحسب اتفاقية عام 1982.
ولكن في حالة تداخلت هذه المنطقة مع منطقة دولة أخرى، فعلى الدول المعنية الاتفاق على ترسيم للحدود وفق اتفاقية القانون البحري الدولي. وأضافت الخبيرة في قانون البحار الدولي: “لكن تبقي البنود التي يجب أن تُبنى عليها هذه الاتفاقية غير واضحة”. ولكن “عندما تتوصل الدول إلى اتفاق، يكون لها مطلق الحرية في اختيار الطرق التي تستخدمها والنتيجة التي تتوصل إليها. إذا تم تقديم هذه القضية إلى محكمة دولية أو هيئة تحكيم دولية، فيجب أن يتم البث في ذلك بالاعتماد على مبدأ الإنصاف لترسيم الحدود البحرية “.
متى تكون الاتفاقية صالحة قانونيا؟
على الرغم من عدم صدور قرار حتى الآن، أعلنت الحكومة التركية عن بدء عمليات تنقيب عن النفط والغاز بالقرب من جزيرة كريت في سبتمبر/ أيلول. وأشارت إلى “مذكرة التفاهم” بشأن تقسيم المناطق البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، التي وقعتها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 مع حكومة الوفاق الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
بيد أن هذا الاتفاق، الذي أودعته أنقرة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، قوبل بالرفض ليس فقط في اليونان، بل أيضاً في الدول المجاورة الأخرى. الخبيرة في قانون البحار الدولي ماتس لوك توصلت إلى استنتاج مفاده أنه “حتى لو دخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ، فلا يمكن أن يكون له أي تأثير على حساب أطراف ثالثة”.
فالاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، والذي يتجاهل بشكل تام حقوق اليونان في المناطق البحرية، قد لا يكون له تأثير قانوني على الأقل على الأخيرة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن اتفاقية القانون البحري بشأن توزيع المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر الأيوني والتي وافقت عليها إيطاليا واليونان في يونيو/ حزيران، فعالة من الناحية القانونية. وتقول ماتس ـ لوك إن “ذلك يعتمد على ما إذا كانت للدول المجاورة حدود متداخلة مع بعضها البعض. في الأساس، طالما أن الأمر يتعلق بتقسيم منطقة مطالب بها بشكل ثنائي، فليس هناك حاجة إلى إشراك دول أخرى”.
هل من حل ممكن؟
رفضت اليونان وقبرص حتى الآن التفاوض بشأن مسألة ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، لأنهما تريان أنها مسألة تنظمها العقود والاتفاقات الدولية. لكن ليس من الواضح، ما إن كانت هذه الدول ستحتفظ بنفس الموقف لفترة أطول. ولكن في حالة قررت كل من أنقرة وأثينا ونيقوسيا استدعاء مؤسسة مستقلة من أجل التوصل إلى تسوية، فستكون هذه المؤسسة إما محكمة العدل الدولية في لاهاي أو هيئة التحكيم الدولية.
لكن إلى حين التوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، تقول الخبيرة في قانون البحار الدولي أنه يمكن لأطراف النزاع “الاتفاق على حل مؤقت يوفر استفادة اقتصادية مشتركة للمناطق البحرية المتنازع عليها دون أن يترتب عن ذلك مطالب واستباق للتوصل إلى اتفاق نهائي. وتضيف أنه بهذا الشكل يمكن لهذه الدول تقاسم المكاسب إلى حين التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود”.
ومن الناحية العملية يمكن أن يتحول هذا الاستخدام المشترك إلى حل دائم في نهاية المطاف.