كريتر نت – العرب
الظرف المالي والاقتصادي الصعب الذي تمرّ به سلطنة عمان في الوقت الحالي، ليس الدافع الوحيد وراء اختيار مسقط الاستعانة ببنك إماراتي في ترتيب قرض من بنوك إقليمية ودولية، بل هناك أيضا دوافع سياسية تقود الرغبة في إحداث تغيير في طبيعة العلاقة العمانية الإماراتية نحو تجاوز حالة الفتور التي ميّزتها خلال فترات سابقة نتيجة التباعد في مواقف ورؤى الطرفين من عدّة ملفات وقضايا.
اختارت الحكومة العمانية الاستعانة بأكبر بنك إماراتي لترتيب قرض تسعى للحصول عليه من الخارج، وذلك في خطوة تتجاوز البعد المالي والاقتصادي وما يحيل عليه من مصاعب تواجهها سلطنة عمان جرّاء جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، إلى بعد سياسي أشمل يحمل مؤشّرات على تجاوز السلطنة ودولة الإمارات العربية المتّحدة حالة التوتّر والفتور التي سادت العلاقة بينهما في أواخر عهد سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد، بينما بدا خَلَفَهُ السلطان هيثم بن طارق عازما على المضي في إحداث العديد من التغييرات التي لا تستثني السياسة الخارجية للسلطنة وعلاقاتها الإقليمية.
ونقلت وكالة رويترز، الاثنين عن مصدرين وصفتهما بالمطّلعين أنّ الحكومة العمانية اختارت بنك أبوظبي الأول وبنك مسقط لترتيب قرض مؤقت بقيمة ملياري دولار تسعى إلى اقتراضه من بنوك دولية وإقليمية.
وكانت رويترز قد ذكرت في وقت سابق نقلا عن مصدر مطلع على دوائر صنع القرار المالي في عمان أن البلد الخليجي يسعى إلى الحصول على قرض مؤقت بقيمة ملياري دولار من بنوك عالمية وإقليمية. وقال المصدر حينها إن عُمان أرسلت طلب إبداء مقترحات للبنوك في يونيو الماضي من أجل الحصول على القرض.
وستحصل عمان، بحسب المصدرين، على القرض لمدة عام واحد لدعم خزائن الدولة التي تضررت من انخفاض أسعار النفط والانكماش الاقتصادي الناجم عن أزمة فايروس كورونا، على أن يتم تسديده لاحقا بأموال سيتم جمعها من سندات دولية.
ويتوفّر بنك أبوظبي الأول على عدد من المميزات والمواصفات التقنية التي جعلت الحكومة العمانية تختاره كشريك في ترتيب القرض، فهو “أكبر بنك في دولة الإمارات وأحد أكبر وآمن المؤسسات المالية في العالم.. ويسعى من خلال العروض المصرفية الاستراتيجية التي يوفرها، لتلبية احتياجات عملائه في جميع أنحاء العالم ضمن مختلف مجموعات الأعمال المصرفية الرائدة التي تشمل الخدمات المصرفية للشركات والأفراد والاستثمار”، بحسب ما هو منشور على موقع تعريفي بهوية البنك في شبكة الإنترنت. ويبدو أنّ مواجهة تداعيات جائحة كورونا وأزمة أسعار النفط قد أتاحت فرصة لإحداث نقلة في العلاقات بين سلطنة عمان ودولة الإمارات، وهي علاقات إن لم تكن متوتّرة في بعض الفترات فهي فاترة، على الرغم من نجاح الطرفين في الإبقاء على الخلافات بينهما عند حدود معينة لم يتمّ تجاوزها.
الظرف مناسب لجسر الهوّة بين عمان وبعض أشقائها الخليجيين في ظل اهتمام السلطان هيثم بن طارق بالعمق الخليجي
ومعروف عن سلطان عمان السابق قابوس بن سعيد الذي توفي في يناير الماضي بعد مسيرة طويلة في حكم البلاد امتدّت لما يقرب من خمسة عقود، أنّه طبع سياسات السلطنة بطابعه المتفرّد ما جعل لمسقط مواقف متمايزة عن مواقف أغلب بلدان الخليج من عدّة قضايا وملفات.
وخلال الفترة الأخيرة من حكم السلطان قابوس بدا أنّه من الصعب التوفيق بين مواقف السلطنة ومواقف بعض جيرانها ومن ضمنهم الإمارات، في عدد من القضايا الحسّاسة، ومن ضمنها الملف اليمني، حيث لم تبد عمان موقفا صارما من انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن وسيطرتهم على مناطق شاسعة من البلاد، بينما رأت الإمارات، مثلها مثل السعودية في ذلك خطرا كبيرا من زاوية أن جماعة الحوثي مجرد وكيل لطهران وأنّ سيطرتها على اليمن تعني تأمين موطئ قدم لإيران في جنوب الجزيرة العربية.
وعلى هذا الأساس اشتركت الإمارات مع السعودية في تشكيل تحالف عسكري انخرط في مواجهة الحوثيين بينما ظلتّ علاقة عمان مع هؤلاء، وأيضا مع إيران، علاقة عادية.
وكنموذج ثان عن مظاهر التباعد في الرؤى بين عمان والإمارات، الموقف من قطر التي بادرت كلّ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، قبل أكثر من ثلاث سنوات إلى مقاطعتها على خلفية اتهامها بدعم الإرهاب واتباع سياسات مهددة لأمن المنطقة ومزعزعة لاستقرارها، بينما اختارت مسقط الوقوف على الحياد في هذه القضية والحفاظ على علاقات جيدة بقطر، بل إنّها عرضت نفسها كوسيط في الخلاف وهو الأمر الذي جوبه بفتور من قبل أبوظبي والرياض.
تداعيات جائحة كورونا تلقي بظلالها على الاقتصاد العماني
أما اليوم فيبدو أنّ عاملين تضافرا لإحداث تغيير في طبيعة علاقة عمان بجيرانها لاسيما دولة الإمارات؛ أولهما النقلة التي حدثت على رأس هرم السلطة في عمان بوفاة السلطان قابوس ومجيء السلطان هيثم بن طارق الذي بدا عازما على وضع بصمته على سياسة السلطنة، وثانيهما الظرف الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا وأزمة أسعار النفط اللتان أثّرتا بشدّة على الوضع الاقتصادي والمالي لعمان وقد تدفعانها للبحث عن حلول لدى بعض جيرانها الميسورين والأقل تأثّرا بالجائحة.
وقد كشفت الأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن مخلّفات الوباء والهبوط الحاد لأسعار النفط أن مسقط غير قادرة على تجاوز محنتها دون دعم خليجي في شكل حزمة إصلاحات عاجلة على شاكلة خطة الإنقاذ التي حصلت عليها البحرين في 2018.
ويعتقد محللون أن الظروف باتت مهيّأة الآن أمام عُمان لجسر الهوة مع أشقائها في ظل حكم السلطان هيثم بن طارق الذي أكد منذ الخطاب الأول عند مباشرة مهامه على أولوية العمق الخليجي.
وسبق لإحسان خومان رئيس أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى أم.يو.أف.جي أن توقّع لجوء سلطنة عُمان لإصدار سندات هذا العام، لكنّه لم ينف حاجة مسقط إلى التعويل على مساعدات من جيرانها الأثرياء. وقال خومان إنّ “عُمان يمكنها إصدار سندات، لأن البحرين وهي الدولة الخليجية الوحيدة الأخرى المصنفة ديونها مرتفعة المخاطر فعلت ذلك بالفعل في ظل الجائحة، إذ جمعت ملياري دولار في مايو الماضي”، مضيفا “إذا لم تلجأ عمان إلى السوق فستحتاج إلى الحصول على تلك السيولة من مكان آخر.. وربما يكون الخيار هو مجلس التعاون الخليجي أو صندوق النقد الدولي”.