أندرو فاينبيرغ
هل يدرك مدير حملة دونالد ترمب كيف فاز رئيسه في الأساس؟
لقد مضى أقل من أسبوعين على قيام الرئيس الخامس والأربعين لأميركا بتعيين العضو النافذ في الحزب الجمهوري المخضرم بيل ستيبين المساعد السابق لحاكم ولاية “نيو جيرسي” كريس كريستي، وقد أمضى عاماً مديراً سياسياً في البيت الأبيض، مسؤولاً عن إعادة حملته الانتخابية إلى مسارها بعد صيف مملوء بحوادث فاشلة، وأرقام متدهورة في الاستطلاعات.
ويعترف المطّلعون على عالم ترمب سرّاً أن رئيسهم بات في وضع أصعب مما كان عليه في 2016، عندما كان وافداً جديداً على السياسة لينافس هيلاري كلينتون، صاحبة الخبرة الطويلة في شؤون العاصمة واشنطن، إذ أمضت 20 عاماً من أعوامها الـ23 السابقة في مناصب رسمية مختلفة.
كذلك يدرك أولئك المطلعون أنه في هذه المرة، يخوض النجم السابق في تلفزيون الواقع، سباق إعادة انتخابه لأكثر الأدوار اضطلاعاً على الإطلاق، وهو دور رئيس الولايات المتحدة. ويخوض ترمب غمار المنافسة على هذا المنصب في ظل “كوفيد- 19” الذي لا يزال يعصف بعدد من المناطق التي يستمد منها معظم دعمه سياسيّاً.
وعلى الرغم من ادعاءات ترمب المتكررة (التي لا أساس لها من الصحة) بأن الاستطلاعات العامة ليست سوى دعاية تهدف إلى كبح إقبال الناخبين الجمهوريين، إلا أن أولئك المطّلعين ينظرون إلى بيانات الاستطلاعات العامة التي يمكن لكل شخص لديه اتصال بالإنترنت الوصول إليها. وتظهر هذه البيانات تخلّف ترمب عن نائب الرئيس السابق جو بايدن في عدد من الولايات التي لابد من أن يفوز (ترمب) بها للاحتفاظ بمنصب الرئيس (لولاية ثانية). وسيذهب البعض إلى حد الاعتراف بأن الاستطلاعات الداخلية التي تجريها حملته، تتوافق مع بيانات الاستطلاعات المتاحة للجمهور.
ومع ذلك، يروي ستيبين قصة مختلفة.
في أواخر الأسبوع الماضي، انضم مدير حملة ترمب المعيّن حديثًا إلى مكالمة عبر تطبيق “زووم” مع صحافيين، كي يقدّم حججاً على حاجة المستطلعين الذين تضع نتائجهم بايدن في الصدارة باستمرار على المستوى الوطني وفي ولايات حاسمة، “إلى بذل مزيد من الجهد لإظهار أنهم لا يرتكبون نفس الأخطاء التي ارتكبوها في عام 2016 “.
وفي سياق إبداء وجهة نظره عن حالة السباق في عدد من الولايات الحاسمة الرئيسة، بما في ذلك فلوريدا، وميشيغان، ومينيسوتا، وبنسلفانيا، وويسكونسين، عرض ستيبين سلسلة من الرسوم البيانية التي توضّح هوامش الفوز النهائية لترمب في تلك الولايات، إلى جانب بيانات استطلاعات الرأي قبل أربع سنوات، التي أظهرت تخلّف ترمب بفارق كبير عن هيلاري كلينتون.
وفيما تظهر الاستطلاعات العامة الحالية أنّ وضع ترمب في تلك الولايات اليوم أسوأ مما كان عليه عندما تواجه مع كلينتون، ادعى مدير حملته الانتخابية أن الاستطلاعات غير دقيقة لأنها لا تأخذ آراء أعداد كافية من الجمهوريين. وأورد أن الرئيس يتمتع بأفضلية فعلية في تلك الولايات، بالنظر إلى بيانات تسجيل الناخبين، وأن أرقام الاستطلاعات لا تُظهر ذلك.
في المقابل، وفقاً لخبراء الانتخابات والنشطاء المخضرمين من الحزبين كليهما، يتجاهل ستيبين حقيقة مؤلمة واضحة. فثمة رقم مفقود في العرض الذي قدّمه للصحافيين.
وفي عدد من الولايات جاء ذلك الرقم أكبر بكثير من هامش فوز ترمب في 2016. ويتعلق الأمر بعدد الأصوات التي نالتها الأحزاب الأخرى (غير الحزبين الجمهوري والديمقراطي)، بما فيها مرشّح “الحزب الليبرالي” حاكم نيو مكسيكو السابق غاري جونسون، والحاكم السابق لولاية ماساتشوستس بيل ويلد، ومرشحة “حزب الخُضر” جيل ستاين. وفي ولاية ويسكونسين، فاز جونسون بـ106674 صوتاً، ما يفوق بأربع مرات هامش فوز ترمب على كلينتون الذي بلغ 22784 صوتاً. وفي فلوريدا، بلغ عدد السكّان الذين صوتوا لمصلحة جونسون/ ويلد 207043 صوتاً، ما يساوي ضعفي عدد الناخبين الـ112911 الذين منحوا أصوات المجمع الانتخابي الـ29 الخاص بفلوريدا، لمصلحة الجمهوريين قبل أربع سنوات. وفي بنسلفانيا، حصلت التذكرة الليبرالية على 146715 صوتاً، ما يمثل أربعة أضعاف عدد الأصوات التي فاز بها ترمب، وقد بلغت 44292 صوتاً.
على نحوٍ مشابه، تفوّقت ستاين على هامش فوز ترمب في ولايات عدة، بما في ذلك بنسلفانيا (49941 صوتاً)، وميشيغان (51463 صوتاً)، وويسكونسن (31072 صوتًا). علاوة على ذلك، تجاوز عدد الأصوات التي فاز بها مرشحو الأحزاب الأخرى هامش الفوز (الذي حققه ترمب آنذاك) في الولايات التي يأمل ترمب أن ينتزعها من الديمقراطيين هذا العام، كنيفادا، ومينيسوتا.
بشكل عام، حققت الأحزاب الأخرى إنجازاً لافتاً في 2016. ومع تقديم الحزبين الرئيسَين مرشحيْن غير شعبيين بصورة كبيرة، وتقديم الأحزاب الأخرى مرشحين معروفين إلى حد ما، للدورة الثانية على التوالي، ساعد “الحزب الليبرالي”، و”حزب الخضر” في ترجيح الكفّة لمصلحة ترمب من خلال انتزاع حصة من التصويت الشعبي أكبر بنحو ثلاث مرات من حصتها قبل ذلك بأربع سنوات.
ومع ذلك، يعتقد جو هانتر، وهو ناشط مخضرم في الحزب الجمهوري عمل مديراً للاتصالات في حملة جونسون في 2016، أن التهديد الذي يمثله فوز ترمب بولاية ثانية سيدفع ناخبي جونسون إلى صفّ الديمقراطيين هذه المرة.
في هذا الصدد، ذكر أن “هناك بالتأكيد اعتقاداً لدى ما يقترب كثيراً من كونه كتلة حاسمة، بأن التصويت المناهض لترمب يجب أن يكون تصويتاً لمصلحة بايدن بدلاً من الاحتجاج بالتصويت لطرف ثالث”.
وأوضح هانتر أن جونسون وويلد استفادا من شهرة اسميهما نسبياً، والمصداقية التي تمتعا بها كحاكميْن جمهورييّن سابقيْن.
كذلك لاحظ أن “التذكرة الليبرالية هذه المرة، مع كل الاحترام، ليست مثل تذكرة جونسون وويلد”.
إضافة إلى ذلك، أوضح هانتر أن بيانات الاستطلاعات التي اطّلع عليها عن انتخابات 2016، أظهرت أن “شريحة مهمّة” من الديمقراطيين الذين صوّتوا لمصلحة السناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية، كانوا ميّالين للتصويت في الانتخابات العامة لمصلحة جونسون.
وشرح أن “ذلك يعود ربما إلى أن غاري جونسون هو غاري جونسون أكثر من كونه ليبرالياً، لكن تلك الديناميكية ليست ضمن اللعبة هذه المرة”.
لذا تنبأ هانتر، بناءً على مقارنة استطلاعات عام 2016 بالنتيجة النهائية للانتخابات، أن يعمد عديدٌ من الجمهوريين المناهضين لترمب، ممن أدلوا بأصوات احتجاجية لمصلحة جونسون في 2016، إلى تغيير ولائهم لمصلحة بايدن هذا العام.
واستطراداً، أشار هانتر أنه “بالنظر إلى استطلاعات الرأي قبل ثلاثة أو أربعة أسابيع (من الانتخابات)، فإن (مرشح الطرف الثالث) سيسجل نسبة معيّنة. ولكن، عندما ستفرز الأصوات فعلياً، تكون النتيجة أن مرشح الطرف الثالث لم ينل سوى حوالي نصف تلك النسبة، لأن الناخبين سيقولون “هذا أمر جدي. لا يمكنني أن أضيّع صوتي”. وأعتقد أن هذا بدأ بالفعل في هذا الوقت، والجمهوريون المناهضون لترمب ينظرون إلى الأمر ويقولون “ليس مرّة أخرى” (بمعنى عدم تكرار تصويتهم لمصلحة ترمب)”.
في ذلك السياق، يتفق لاري ساباتو، مؤسس “مركز جامعة فيرجينيا للسياسة”، مع تنبؤات هانتر نفسها التي تفيد بأن مرشحي الأحزاب الأخرى والمستقلين، سيحصلون على حصة أصوات أقل بكثير هذا العام.
ووفق ساباتو، “من المرجح جداً أن نرى إجمالي أصوات المرشحين المستقلين، ومرشحي الأحزاب الأخرى تتقلّص بنحو النصف. لقد بلغت حوالي 6 في المئة قبل أربع سنوات، ونتوقع أن تصل إلى حوالي 3 في المئة (هذا العام)”. وأضاف أن سباق هذا العام ليس إلا “استقطاباً انتخابياً شبيهاً بالاستقطاب الذي طبع أميركا في العصر الحديث”. وأوضح أن الاستقطاب “يقلل دائماً تقريباً النسبة المئوية التي ينالها مرشحو الأحزاب الأخرى”.
وعلى الرغم من ذلك، لفت ساباتو إلى أن الناخبين الذين من المرجح أن يضعوا بايدن على القمة هذا العام، هم أولئك الذين إما أنهم لم يصوتوا في المرة السابقة، أو صوتوا لمصلحة ستاين في 2016 لأنهم أرادوا التصويت لمرشح ليبرالي غير هيلاري كلينتون.
كذلك أوضح أن فوز ترمب بهامش ضيق (في 2016)، وحوادث السنوات الأربع الماضية تعطي لأولئك الذين صوتوا لمصلحة الأحزاب الأخرى في المرة الأخيرة “إمكانية أقل بأن يضيعوا أصواتهم، أو يعبروا عن اعتراض فلسفي على الحزبين الرئيسين عن طريق التصويت لطرف ثالث هذه المرة”. وأضاف، “ما يُصعّب الأمر أكثر على ترمب، سيكون حقيقة عدم وجود مرشح بارز لدى الخُضر، وأن كثيراً من الخُضر، أو على الأقل الأشخاص الذين صوتوا لمصلحة ستاين، أقسموا ألا يفعلوا ذلك مرة أخرى لأنهم كانوا يعتقدون أن كلينتون ستفوز بسهولة، وكان بوسعهم التصويت لمرشح الخضر. وقد باتوا يرون الآن ما تعلمناه جميعاً، أنه لا يمكنك أبداً أن تأخذ أي شيء كأمر مسلم به”.
في سياق متصل، شدد ساباتو على أنه ليس كل هؤلاء الناخبين سيصوّتون لمصلحة بايدن هذه المرة، لكنه أقرّ بأن تقلص التصويت للأحزاب الأخرى نتيجة الاستقطاب الذي يخترق الثقافة السياسية الأميركية هذه الدورة، “ربما” سيساعد بايدن أكثر من ترمب.
في وجهة ذات صلة، افترض ستيوارت ستيفنز، المستشار الجمهوري المخضرم الذي كان كبير الاستراتيجيين في حملة ميت رومني في 2012، أن الأحزاب الأخرى ليست لديها ببساطة أي فرصة لاستنشاق الأوكسجين في هذه الدورة لأن دونالد ترمب يمتصه كله.
وقد أشار ستيفنز، الذي يعمل الآن مستشاراً كبيراً لمصلحة لجنة العمل (“سوبر باك”) الجمهورية المناهضة لترمب المعروفة باسم “مشروع لينكولن”، إلى أن “ترمب يسيطر على كل شيء لدرجة أنه لا يسمح بأي مساحة لتنفس المرشحين من الأحزاب الأخرى”.
وخلص إلى أن الأمر “يتعلق بترمب، أو لا لترمب، ولا يوجد هناك أحد سوى بايدن. لذا فإنه إذا كنت لا تحب دونالد ترمب، فإما أنك لن تصوت، أو ستصوت لجو بايدن”.
ويتفق جيمس كارفيل، الاستراتيجي الديمقراطي، والعقل المدبر لانتصار بيل كلينتون في انتخابات 1992، مع تقييم ستيفنز لغياب المساحة في الخطاب العام، أمام الأحزاب الأخرى هذا العام.
وقد استخلص كارفيل أن “الناس يعرفون من هو ترمب الآن”، لذا فإن “الخيار لم يعد نظرياً”
نقلا” عن أندبندنت عربية