كريتر نت – العرب
تزامنا مع تواتر التقارير الطبية التي تفيد بحدوث موجة ثانية من وباء كورونا، حذر خبراء من التداعيات الوخيمة المرتقبة على جميع المستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ما قد ينذر بمزيد من المجاعات والعنف والنزاعات الدموية. ورغم إقرار المختصين بأن الوباء شل فعلا كل محركات العالم، إلا أنهم صنفوا كل ما حصل من نتائج وخيمة إلى حد الآن بأنها لا تعدو أن تكون سوى مشهد أول من كارثة طويلة المدى.
شخّصت كل التقارير الدولية والأممية على مدى ثمانية أشهر منذ ظهور وباء كوفيد – 19 في مدينة ووهان الصينية جل التداعيات التي ألقت بظلالها على العالم ولخصتها في ما آل إليه الاقتصاد الدولي من تأزم وانكماش غير مسبوق.
وبالتزامن مع تحذيرات المخابر الطبية والعلماء من أن العالم بات على أعتاب موجة ثانية من كورونا قد تكون وطأتها أشد من الأولى، أصبح لدى الخبراء إجماع على أن هذه الكارثة الصحية ستفرز نتائج أخرى وخيمة قد تكون مرفوقة بأعنف النزاعات الدموية في تاريخ البشرية.
شبح الفوضى
علاوة على تعطل كل محركات الاقتصاد تقريبا ما أجبر الملايين من العمال والموظفين على البطالة في أعنف أزمة ضربت كل الدول بلا استثناء، تحدثت الأمم المتحدة عن جوانب أخرى قد تكون محفوفة بالمخاطر مستقبلا ومنها الخلل الحاصل في نظام التعليم وكذلك إمكانية حدوث نزاعات حادة ستكون الأكثر دموية على مر التاريخ.
وحذر خبراء ودبلوماسيون من الأمم المتحدة من أن يفاقم الوباء الوضع الإنساني الناجم عن أكثر النزاعات دموية في العالم ويهدد بكارثة اقتصادية قد تؤدي إلى مزيد من العنف. وقال الخبير في الدبلوماسية ريتشارد غوان “مازلنا فقط في المشهد الأول من مسرحية طويلة الأمد”.
وبتشتيته الانتباه وموارد القوى الكبرى المنشغلة بشدة في مكافحة الفايروس على أراضيها، بات كوفيد – 19 يهدد أيضا مصير العديد من برامج المساعدات واقتصادات دول سبق أن دمرتها الحروب.
وحذر غوان من أن “هناك العديد من المخاوف من حقيقة أن التداعيات الاقتصادية لكورونا قد تولّد المزيد من الفوضى والمزيد من النزاعات”.
وفي تناسق تام مع تحذيرات غوان، سبق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن أطلق في مارس الماضي دعوة لوقف إطلاق نار عالمي. لكن تحقيقه في سوريا وليبيا واجه صعوبات، حيث لا تزال المعارك قائمة.
وعرقلت تدابير العزل التي أبقت في وقت من الأوقات نصف البشرية داخل البيوت، جهود عمليات حفظ السلام وجهود المنظمات غير الحكومية في هذا الصدد كما أعاقت توزيع مساعدات أساسية.
وفي اليمن الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية بحسب الأمم المتحدة، تزداد المعارك ضراوة وفق دبلوماسيين، معتبرين أن البلاد تتجه سريعا نحو مزيد من الانهيار.
وأسف نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكووك الأسبوع الماضي لذلك قائلا “مرة أخرى، المجاعة تلوح في الأفق. مرة أخرى، النزاع يتفاقم. مرة أخرى، الاقتصاد بحالة سيئة جدا وموارد الوكالات الإنسانية شبه جافة. تضاف ذلك إلى مشكلة جديدة: تفشي وباء كوفيد – 19 بشكل خارج عن السيطرة”.
وقال الدبلوماسي البريطاني لمجلس الأمن الدولي إن إرسال الأموال من الخارج إلى اليمن قد تراجع بفعل الوباء بنسبة 70 في المئة، وهو يعدّ منذ زمن طويل حبل نجاة لاقتصاد البلاد. وأضاف “أنقذوا اليمن الآن أو شاهدوه ينهار”.
حذر خبراء ودبلوماسيون من الأمم المتحدة من أن يفاقم الوباء الوضع الإنساني الناجم عن أكثر النزاعات دموية في العالم ويهدد بكارثة اقتصادية
وحذر المسؤول الأممي أيضا من وضع الاقتصاد السوري، المتضرر أصلا بفعل عشر سنوات من الحرب. وأشار إلى أن تدابير العزل الهادفة إلى ردع تفشي الوباء قد أدت إلى انكماش إجمالي الناتج الداخلي السوري بنسبة 7 في المئة هذا العام.
وبحسب دبلوماسيين، فد أرغم الوباء أيضا القوى الكبرى على خفض قيمة مساعداتها إلى المناطق التي تشهد أزمات إنسانية ما يجعل الوضع مأساويا أكثر وتقوده لغة الفوضى والقوة والعنف.
وفي يناير وخلال قمة استضافتها ألمانيا في برلين، أعرب القادة الدوليون عن التزامهم برفض أي تدخل في الحرب الأهلية في ليبيا واحترام الحظر على إرسال الأسلحة لهذا البلد بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة في عام 2011.
لكن غوتيريش أشار الشهر الماضي إلى أن التدخل الخارجي في ليبيا، حيث تدعم روسيا وتركيا معسكرين متحاربين، بلغ “مستويات غير مسبوقة”. وأوضح ريتشارد غوان من مركز مجموعة الأزمات الدولية للأبحاث “حاليا، انتباه ألمانيا يتركز على إنعاش الاقتصاد الأوروبي”.
الكل في خطر
لا تشمل تداعيات كورونا مستقبلا الدول التي تشهد حروبا فحسب، بل إن دولا أخرى تعتبر مستقرة نسبيا من الناحية السياسية باتت أيضا تصارع من أجل تلافي الاحتجاجات المطلبية وما قد تحمله من عنف ويحصل ذلك راهنا في لبنان المأزوم والموشك على الإفلاس وكذلك في تونس غير المستقرة حكوميا والتي تعرف مدنها بشكل يومي تقريبا احتجاجات اجتماعية وعمليات هجرة غير شرعية عادة ما يروح ضحيتها شباب وأسر بأكملها تختار قوارب الموت على البقاء في وضع اجتماعي مأزوم.
ويراقب الخبراء بحذر أيضا الوضع في لبنان، الغارق في أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، انعكست في انهيار غير مسبوق للعملة المحلية وتضخم مفرط، وعمليات طرد موظفين وقيود مصرفية مشددة، تزيد منذ أشهر من مستوى الاستياء الاجتماعي.
وخلص غوان قائلا “في المحصلة، المشهد قاتم جدا ومحزن”. وبحسب العديد من المراقبين، أثر الوباء أيضا على سمعة العديد من العواصم الكبرى التي كان ينظر إليها في السابق على أنها قوية ومحصنة وقادرة على مجابهة أي كارثة طبيعية أو صحية.
ويقول في هذا الصدد دانيال بياو، مسؤول سابق في الأمم المتحدة، وأحد أهم خبراء العالم في المدن “تفوق المدن جميع الأماكن من حيث فرص العمل، والتفاعلات الاجتماعية، والتعليم والتنمية الثقافية وتاريخيا”، مضيفا أن أدوارها تتقلص في المدن في الغالب لأسباب اقتصادية، ونادرا ما تكون لأسباب بيئية.
وأشار بياو أيضا إلى طريقة تجاوب المدن مع مواجهة الأزمة، قائلا “أفريقيا تبتكر كل يوم. ومنذ مارس 2020، تنتج الشركات الخاصة وأصحاب المشاريع الصغيرة الملايين من أقنعة الوجه، بينما كانت الدول الأكثر ثراء تنتظر الصادرات الصينية”. وتساءل المسؤول الأممي عن التوجه نحو الرقمنة، والعمل عن بعد، ولاسيما في الاقتصادات المتقدمة.
وبفعل ما أحدثه الوباء من أزمة اقتصادية، تغافل الخبراء الذين أطنبوا في الحديث بلغة الأرقام والدولارات أيضا طيلة ثمانية أشهر عن قطاع التعليم الذي يوصف بأنه الطريق الأسلم لإنتاج دولة متقدمة ومتطورة. وأعلنت في هذا الصدد الأمم المتحدة الثلاثاء أن جائحة كورونا تسببت في أكبر خلل بأنظمة التعليم حول العالم على مدار التاريخ.
أرغم الوباء أيضا القوى الكبرى على خفض قيمة مساعداتها إلى المناطق التي تشهد أزمات إنسانية ما يجعل الوضع مأساويا أكثر وتقوده لغة الفوضى والقوة والعنف.
وقال غوتيريش إنّ الجائحة “ألحقت ضررا بأكثر من مليار طالب في 160 دولة، إضافة إلى ما لا يقل عن 40 مليون طفل فاتتهم فرصة التعلم في العام الحرج الذي يسبق مرحلة التعليم (الحضانة) على خلفية غلق المدارس”.
وحذر من أن العالم يواجه “كارثة أجيال يمكن أن تهدر الإمكانات البشرية وتقوض عقودا من التقدم”. وأضاف في رسالة وجهها عبر تويتر “نحن نمر بلحظة حاسمة بالنسبة للأطفال والشباب في العالم. والقرارات التي تتخذها الحكومات الآن سيكون لها تأثير دائم على مئات الملايين من الشباب، وعلى آفاق التنمية في البلدان لعقود قادمة”.
وفي السياق، طالب غوتيريش بإعادة فتح المدارس بمجرد السيطرة على انتشار الفايروس محليا. ووفق موقع “ورلدوميتر”، عالميا، تجاوز عدد مصابي كورونا حتى الثلاثاء 18 مليونا و467 ألفا، توفي منهم أكثر من 697 ألفا، وتعافى ما يزيد على 11 مليونا و695 ألفا.