فاروق يوسف
هناك من يتحدث عن ثورة مضادة في إطار الدفاع عن ثورات الربيع العربي المغدورة. وحين يختصر ذلك الحديث مقاصده فإنه يركز على مصر باعتبار أن ما شهدته بعد اعتلاء عبدالفتاح السيسي سدة الحكم، بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، يُعتبر مثالا للثورة المضادة.
هناك حملة دعائية هائلة تهدف إلى تزييف الحقائق من أجل أن يبدو الربيع العربي كما لو أنه ثورة إخوانية ضد الأنظمة السياسية العربية التي لم تعد قادرة على السيطرة على الحراك الشعبي الذي يعرف الجميع أنه لم يكن بمزاج إخواني. الدليل على ذلك أن التونسيين لا يزالون يقاومون محاولات حركة النهضة الإسلامية للسيطرة على الحكم.
يعرف المصريون جيدا أن الإخوان لم يشاركوا في التظاهرات التي أسقطت نظام حسني مبارك كما أن التونسيين لم يروا نهضويا واحدا بين صفوفهم حين أسقطوا نظام بن علي. غير أن الإخوان يسعون إلى استدراج التاريخ إلى أبجديات عملهم حيث صاروا يتوهمون وينشرون أوهامهم بين العامة ليظهروا كما لو أنهم ظلموا واستبيحت حقوقهم.
يدافع الإخوان عن أنفسهم كم لو أنهم أصحاب حق. لقد أتاحت لهم الفوضى التسلل إلى مواقع لم يكن في إمكانهم الوصول إليها لولا أن الشعوب الثائرة لم تكن تفكر في الاستيلاء على مواقع الحكم.
كان الإخوان ينظرون إلى فريستهم بيقظة تامة.
فالسلطة هي الهدف الذي يسعى الإخوان إلى الوصول إليه ولا فرق لديهم بين الوسائل التي تمكنهم من إنجاز ذلك الهدف. وهو هدف تهون أمامه ممارسة كل الأعمال القذرة. لذلك فإن تضليل الشعب بالدين من خلال استعماله لأغراض سياسية لا يشكل إلا واحدة من تلك الممارسات التي تعد سلّما للوصول إلى السلطة المطلقة.
وكما يبدو فإن جماعة الإخوان والتنظيمات المتفرعة عنها كانت أكثر الأطراف السياسية استعدادا للقفز إلى السلطة بالرغم من أنها لم تساهم بشكل مباشر في إسقاط الأنظمة السابقة.
ما كانت تنتظره منذ عقود صار بين يديها بعد أن حل فراغ سياسي لم يكن متوقعا أن يحل بتلك السرعة. لقد سقطت الأنظمة ومعها اختفت سلطة الأجهزة الأمنية بكل ما تعنيه تلك السلطة.
حتى من خلال صناديق الاقتراع بدا واضحا أن تلك الأحزاب الدينية هي الأكثر تمرسا على تعبئة جماهيرها والسيطرة على الشارع.
كان الخطأ المصري ضروريا من أجل أن تكشف جماعة الإخوان عن وجهها الحقيقي. سنة حكم واحدة كانت كافية لنزع كل الأقنعة الديمقراطية وليثبتوا أن أول ما حطموه هو السلّم الذي ارتقوه ليصلوا إلى السلطة.
في سنة واحدة رأى المصريون من الإخوان ما لم يروه طوال السنوات التي حكم فيها مبارك مصر. كان العنف هو وسيلتهم لإخضاع المجتمع المصري لشروط وجودهم في الحكم.
لم تكن تلك السنة مثالية لكي يحصل الإخوان على الشرعية.
لذلك فإن اعتبار تلك السنة أساسا لشرعية استيلاء الإخوان على الحكم في دول الربيع العربي ما هو إلا محاولة للضحك على النفس والسخرية من الحقيقة التي تدين الإخوان.
تلك شرعية زائفة وهبها الإخوان من خلال الاستعانة بسلاح الميليشيات قوة الأمر الواقع، وهو ما يجرّبه أردوغان في ليبيا مستعينا بمرتزقة هم أفراد سابقون في التنظيمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة.
أما حين تدافع الشعوب عن حقها في أن ترفض حكم الإخوان الشمولي فإن ذلك يُسمى من وجهة نظر الجهات التي تدير وتمول الإخوان بالثورة المضادة. بالمعنى الذي يشير إلى أن الربيع العربي وجبهة الإخوان هما الشيء نفسه وأن مَن يقف ضد استيلاء الإخوان على الحكم إنما يقف ضد الحراك الشعبي الذي أطلق رياح الربيع العربي.
تلك كذبة يجري الترويج لها باعتبارها واقعا.
في حقيقة الأمر ليست هناك ثورة مضادة بقدر ما أن الربيع العربي يدافع عن نقائه وأصالة ثورته في تونس وليبيا ومصر. فالقيم الوطنية والإنسانية التي انتفضت من أجلها الشعوب صارت مهددة من قبل تنظيمات إرهابية، كلها تستظل بمظلة الإخوان.
نقلا” عن العرب اللندنية