كريتر نت – DW عربية
الأرمني الأصل كيغام دجيغاليان عمل كمصوّر في قطاع غزة المحصور بين إسرائيل ومصر على مدى أربعين عاما. وثائقي دويتشه فيله يحكي قصة المصّور وذكرياته المرئية عن تلك الحقبة.
في صناديق وأكياس يحتفظ مروان ترازي بكنزه: صور من الأربعينات حتى السبعينات تبين مشاهد صغيرة من حياة قطاع غزة في تلك الحقبة. وغالبيتها تأتي من مخلفات المصور الأرمني كيغام دجيغاليان الذي افتتح في الأربعينات أحد أوائل استوديوهات التصوير في مدينة غزة. “هذه النسخ والصور مهمة جدا بالنسبة إلي. إنها ارثنا وثقافتنا. ما نراه في الصور هو ما تبقى”، يقول ترازي. ومنذ أن عثر عليها فهو يعتني بالحفاظ على مجموعة الصور.
والصور بالأسود والأبيض تكشف وجها معروفا لقطاع غزة الذي تسيطر عليه منذ أكثر من عقد حركة حماس الاسلامية والمحاصر من قبل اسرائيل وجزئيا من مصر. هناك صورة تبين محطة القطار على طول الخط الحديدي بين قطاع غزة ومصر الذي لم يعد موجودا منذ مدة. وحتى الأحداث السياسية لتلك الفترة مسجلة في الصور ـ أزمة اللجوء الفلسطينية عقب تأسيس دولة اسرائيل في 1948 والاحتلال العسكري المصري لقطاع غزة حتى 1967. “عندما تفجرت الحرب في 1948، هرب الكثير من الفلسطينيين إلى غزة. وعائلته عايشت وضعا مشابها في أرمينيا”، يقول مروان ترازي. كيغام اعتبر غزة كبيته الثاني وبدأ في تصوير كل ما يحيط به.
الهرب من أرمينيا، وطن جديد في غزة
والدة دجيغاليان هربت معه أولا كطفل صغير من القتل الجماعي ضد الأرمن بعد 1915 إلى سوريا. وبعد وفاة الوالدة حل كشاب عند أقارب في القدس التي كانت حينها ضمن منطقة الانتداب البريطاني. وفي مطلع الأربعينات وصل كيغام إلى غزة للعمل هناك كمصور، كما تقول ابنته أناهيد بوتين المولودة في غزة وتعيش اليوم في فرنسا. الأرمن كانوا مشتتين في كل مكان في الشرق الأوسط وكانوا يبحثون عن العمل. وإلى تلك الحقبة يعود الكثير من المصورين الأرمن المعروفين الذين عملوا على توثيق الحياة في القدس وأماكن أخرى. “ربما كان والدي يعتقد أنه بوسعه إيجاد عمل”، تقول أناهيد. المصورون كانوا في ذلك الزمن قلة في قطاع غزة ـ على الأقل توجد شواهد قليلة حول ذلك. ولاحقا نشأ جيل جديد من الفلسطينيين تعلموا الحرفة. فشقيق مروان، موريس ترازي تعلم التصوير عند كيغام في الستينات. وبعدها تولت عائلة ترازي العمل وتحول “استوديو كيغام” إلى “استوديو موريس”.
ذاكرة مرئية للمجتمع
والكثير من استوديوهات التصوير التقليدية القديمة ـ بينها استوديو موريس ـ أغلقت أبوابها في الأثناء. ومقابل ذلك أنجبت غزة أجيالا من المصورين الصحفيين الذين وثقوا التاريخ الحافل بالأحداث لغزة في العقود الأخيرة ـ من الانتفاضة الأولى عبر ثلاثة حروب بين حماس واسرائيل. شريف سرحان مثلا يصور منذ مدة طويلة النزاع، لكن أيضا الحياة اليومية في غزة. “أريد أن أبين أن غزة لها عدة وجوه. ما تعرفه الغالبية عن غزة هي الصورة المنقولة عبر وسائل الاعلام: الحرب والدمار والحصار. لكن ما وراء ذلك توجد غزة أخرى”، يقول شريف. وحاليا يعمل لإصدار كتاب حول الحرف التقليدية في غزة التي تختفي ببطء. وبالنسبة إلى سرحان تكون صور الذاكرة المرئية للجميع. والحنين إلى الماضي لا وجود له. “يوجد بالطبع أناس لا يدرون ما العمل بهذه الصور. لكن آخرين مثلي يبحثون عنها ونريد أن نعرف كيف كانت حياة أجدادنا”، يقول سرحان.
عمل أرشيف صعب
وفي غزة يُخزن جزء من التاريخ المرئي في أرشيف الصور التابع لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفسطينيين. والصور والنسخ تم تحويلها في السنوات الأخيرة إلى صيغة رقمية وتكشف تاريخ اللاجئين الفلسطينيين منذ بداية الخمسينات. وحتى الشقيق الأصغر لكيغام، هرانت كان يعمل حينها كمصور لصالح الأمم المتحدة. وفي رام الله في الضفة الغربية المحتلة تعمل مؤسسات ثقافية على تخزين الصور من ألبومات عائلية من العقود الأخيرة. ومروان ترازي قام في الأثناء بنسخ تلك الصور ورقمنتها. والحفاظ على النسخ والصور في صناديق وأكياس ليس وسيلة مثالية. “آمل أن يهتم الجيل الناشئ ويرى في ذلك قيمة”، يقول ترازي.
وتأمل بنت كيغام، أناهيد بوتين في بقاء الصور. فهي لم تقدر منذ سنوات عديدة على زيارة قطاع غزة بسبب قوانين السفر الاسرائيلية الصارمة حيث تحافظ على اتصالها الوثيق بصديقاتها. والصور تربط الأجيال المختلفة بالأماكن المختلفة:” سيكون جيدا الحفاظ على هذا التاريخ على الأقل التاريخ الذي نعرفه”، تقول أناهيد.