كريتر نت – العرب
يراهن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الالتزام بمواعيد الخطط الطموحة التي أعلن عنها في رؤية 2030، على الرغم من إجراءات التقشف الناتجة عن انخفاض أسعار النفط والأزمة الاقتصادية التي تسبب بها انتشار وباء كورونا.
وتراجعت التوقعات المتشائمة التي كانت ترجّح تعثر خطط السعودية بإنشاء مدينة نيوم المستقبلية والمجمع الرياضي والترفيهي في القدية، وتطوير السياحة في البحر الأحمر، جراء إعلان الرياض عن تخفيضات الإنفاق الحكومي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، ولاسيما أن كلفة تلك المشاريع تصل إلى 500 مليار دولار.
وكشفت مصادر اقتصادية عن قيام الرياض خلال الأسابيع الماضية بتوقيع اتفاقيات اقتصادية طموحة وجديدة ضمن رؤية 2030 التي يعمل عليها ولي العهد السعودي في أكبر مشروع اقتصادي بتاريخ البلاد، لتحقيق الانفتاح الاجتماعي والسياسي في خطط البلاد المستقبلية.
وحدد الأمير محمد الترفيه والسياحة ضمن القطاعات الحيوية التي ستشملها إصلاحاته التي تمتد من خلق فرص عمل إلى توفير المزيد من الخيارات للشباب السعودي وإعادة تشكيل التصورات السائدة عن السعودية كدولة متشددة ومحافظة وعصية على الانفتاح.
وأكد مسؤولون تنفيذيون في مشاريع مدينتي نيوم والقدية، عدم تأثر خطط البناء بالأزمة الاقتصادية وإجراءات التقشف التي فرضها الوباء، متوقعين الالتزام بتواريخ الإنجاز المقررة سابقا، على الرغم من التقشف الذي فرضه انهيار أسعار النفط وانتشار كورونا.
وأجمع المسؤولون التنفيذيون في تصريحات لصحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية على إصرار الأمير محمد بن سلمان على المضي قدما في المشاريع الضخمة كما هو مخطط لها.
وقال مايكل رينينجر، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة القدية للاستثمار، “إن ولي العهد ملتزم بهذه الرؤية ويريد أن يتأكد من التزام كل مسؤول فيها، بدءا من الرئيس التنفيذي نفسه، وإدراك أهمية الحفاظ على المسار والمضي قدما، وعدم الاستسلام أمام العوائق”.
ووقع مشروع القدية، الذي تتجاوز قيمته 15 مليار دولار وسيشمل مضمار سباق سيارات الفورمولا 1، وملعبا يتسع لعشرين ألف متفرج ومدينة ملاه من شركة الأعلام الستة للترفيه، عقدا بقيمة 187 مليون دولار الشهر الماضي للطرقات والجسور. وهو قسط من حوالي 2.6 مليار دولار التي يخطط لتخصيصها خلال السنة الحالية.
ووقعت نيوم في ذروة أزمة انهيار أسعار النفط في يوليو الماضي، اتفاقية بقيمة خمسة مليارات دولار مع شركة “إير برودكاتس” الأميركية العالمية الرائدة في مجال الغازات الصناعية، وشركة “أكوا باور” السعودية، وهي مطوِّر ومستثمر ومشغل لمجموعة من محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه مملوكة بنسبة 40 في المئة لصندوق الاستثمارات السيادي السعودي، من أجل تطوير مشروع للطاقة المتجددة.
وبعدها بأيام، منحت شركة البحر الأحمر للتطوير أكبر عقد لها حتى الآن، حيث وقعت شركات سعودية لبناء مطار من تصميم أستوديو “فوستر آند بارتنرز” البريطاني العالمي للهندسة المعمارية. وتتوقع منح عقود إضافية تزيد قيمتها على مليار دولار قبل نهاية السنة الحالية ضمن مشروع مدينة نيوم التي تعد الأكثر طموحا بخطة ولي العهد السعودي.
ومن المفترض أن تكتمل المراحل الأولى من مشروع القدية على سواحل البحر الأحمر في عام 2023، والذي يتوقع الاقتصاديون أن تبلغ تكلفته حوالي 10 مليارات دولار وأن يغطي خمس جزر.
ويأمل مسؤولون في المشروع أن يُرحب بالزائرين في غضون سنتين، حيث يراهنون على انتعاش السياحة عالميا. وقال جون باغانو، الرئيس التنفيذي لشركة البحر الأحمر للتطوير، “إن ولي العهد السعودي يريد إنهاء المشاريع في مواعيدها المقررة. لكنه قد يوسعها لتشمل جزيرة أخرى، وذلك حسب ما بدا بعد اجتماع مجلس الإدارة الأخير”.
وأكد باغانو على التزام إدارة الشركة بالخطط المقررة، دون أن يخفي الشكوك المتداولة التي عادة ما تحوم حول المشاريع الكبيرة. لكنه شدد على أن التقدّم المُحرز يبدد أي تساؤلات حول المستقبل.
وقال عضو المجلس الاستشاري لمشروع نيوم، علي الشهابي، إن المشروع متواصل، مضيفا أن جدوله النهائي لم يتحدد بعد. وأشار إلى أنه من المحتمل أن يمضي قدما “بوتيرة أكثر اعتدالا”؛ ففي الأسبوع الماضي منح عقدا لشركة بكتل، وهي أكبر شركة بناء وهندسة في الولايات المتحدة، للعمل على تطوير بنيتها التحتية الأساسية.
تنويع مصادر الاقتصاد السعودي وعدم الاكتفاء بقطاع النفط
ولا يزال سعر النفط، الذي يبقى شريان حياة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، متراجعا من حيث سعر التعادل في الدولة الخليجية.
وتراجعت عائدات النفط بنسبة 45 في المئة في ربع السنة الثاني إلى 25.5 مليار دولار. لكن المحللين قالوا إن إنفاق مليارات الدولارات على المشاريع في وقت يتسم بالتقشف الشديد كان محرجا.
وقالت أم من مدينة بريدة في منطقة القصيم “كنت أتمنى أن يتم بذل نفس الجهد والسرعة التي رأيناها في القدية ونيوم في مشاريع مثل المستشفيات والقطاعات الحكومية الأخرى”.
وأشار مصرفي خليجي إلى أن إصرار ولي العهد على المضي قدما في مشاريعه “سمة من سماته”. وقال المصرفي في تصريحات للصحيفة البريطانية إن الأمير محمد يبدو أنه لا يتراجع ويثبت التزامه وتيقّنه من تحسن الأمور.
وأضاف أنه إذا تعافى الطلب على النفط وعادت الأسعار إلى 60 دولارا للبرميل خلال العام المقبل، فستبقى المشاريع قائمة، لكن لا يزال يتعين عليك التساؤل عن جدوى المشاريع، بغض النظر عما إذا كانت الدولة تمتلك المال.
ويأمل صندوق الاستثمارات العامة، المطور الرئيسي لجميع المشاريع في نيوم والقدية والبحر الأحمر، في جذب الاستثمار الأجنبي. وحولت الرياض 40 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية إلى الصندوق في مارس وأبريل لدعم إستراتيجية الاستثمار الخارجي والمشاريع المحلية.
وقال صندوق الاستثمارات العامة الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “لا نعتقد أن الظروف الاقتصادية الحالية ستخلّف تأثيرا كبيرا على جداول المشروع الزمنية”. وأكد مايكل رينينجر تخصيص مستحقات المرحلة الأولى من مشروع القدية.
وأضاف “لم تتغير وجهة نظرنا حول أهمية رأس مال القطاع الخاص محليا وإقليميا ودوليا؛ ففي خضم هذه الأزمة، تعتبر كل وظيفة نوفّرها وكل دولار نجنيه مفيدَيْن للاقتصاد”.