كريتر نت – العرب
تقترب الأزمة المالية التي تعانيها الكويت بسبب جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط من سقف لم يكن يتوقعه أكثر خبراء المال والاقتصاد تشاؤما لبلد عرف بثرائه ورخاء مجتمعه بالنظر إلى وفرة عائداته المالية قياسا بعدد سكانه الذي لا يتجاوز الـ4.5 مليون نسمة.
ولم يعد الحديث عن الأزمة المالية في الكويت يستثني سيناريو العجز عن دفع رواتب الموظفين والعمّال، بحسب ما أعلنه وزير المالية الكويتي براك الشيتان، الأربعاء.
وما يضاعف من وطأة الأزمة المالية في الكويت، حدوثها بالتوازي مع حالة من عدم اليقين السياسي، بسبب مرض أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الموجود حاليا في الولايات المتّحدة لاستكمال العلاج، دون أن يكون هناك سيناريو ثابت لخلافته على رأس الدولة نظرا إلى كبر سنّ ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ومرضه، وتداخل الصراعات على منصب الأمير بين عدد من أعضاء الأسرة الحاكمة.
وأكّد وزير المالية الكويتي براك الشيتان أن بلاده تواجه حاليا صعوبة في توفير فاتورة رواتب موظفي الدولة، بسبب شح السيولة التي تعاني منها المالية العامة خلال السنة المالية التي تنتهي في مارس المقبل.
وتأثرت الكويت كثيرا بجائحة كورونا التي رتّبت عليها أعباء إضافية، حيث تسببت في تعطيل الكثير من الأنشطة الاقتصادية وأحالت على البطالة الآلاف من العمال غالبيتهم العظمى من الوافدين.
وضاعف من حدّة الأزمة التراجعُ الكبير في أسعار النفط المورد الأساسي لخزينة الدولة الكويتية، حيث اضطر البلد إلى تقليص إنتاجه اليومي من 3.12 مليون برميل إلى 2.2 مليون في نطاق الإجراءات الجماعية لمجموعة أوبك بلاس الهادفة إلى الحدّ من تدهور الأسعار.
ولم تعد السلطات الكويتية تستثني أي حلول للخروج من الأزمة بما في ذلك وقف تمويل الصندوق السيادي المتعارف عليه محليا بـ”صندوق الأجيال”.
وأعلن البرلمان الكويتي، الأربعاء، عن إقراره قانونا يجعل التحويلات إلى الصندوق المذكور مشروطة بتحقيق فائض في الميزانية.
ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يكون قرار توقيف التحويلات إلى الصندوق السيادي خطوة أولى لبدء السحب منه توفيرا للسيولة.
وذكر مجلس الأمة في بيان على حسابه في تويتر أن النواب وافقوا أيضا على طلب رئيسة اللجنة المالية والاقتصادية سحب تقرير اللجنة بشأن مشروع قانون الدين العام وإعادته إلى اللجنة من أجل المزيد من الدراسة لمدة أسبوعين.
ويتضمن مشروع قانون الدين العام السماح للحكومة باقتراض عشرين مليار دينار خلال ثلاثين عاما (الدينار الكويتي يعادل حوالي 3.23 دولار أميركي)، منها ثمانية مليارات دينار لسد عجز الميزانية العامة و12 مليارا للإنفاق الرأسمالي.
وعلى الرغم من وجاهة العوامل المباشرة التي أدت إلى هذه الأزمة في الكويت، يُرجع أغلب المحللين السياسيين والاقتصاديين أسبابها الحقيقية إلى أخطاء متراكمة وعمليات هدر وسوء تصرّف في الموارد تواصلت لفترة زمنية طويلة وحرمت البلد من استثمار مبالغ طائلة أتت من عوائد النفط في سنوات الوفرة وارتفاع الأسعار.
ويشير هؤلاء إلى التهاون الرئيسي المتمثّل في عدم تنويع الموارد والارتهان بالنفط، ولا يستثنون في ذلك انتقاد السياسة الاجتماعية المبالغة في سخائها بالإكثار من تقديم المنح والأعطيات للمواطنين، الأمر الذي شجّع التواكل وجعل المواطن مجرّد عبء على الدولة بدل أن يكون مساهما في صنع ثروتها.
ويقدّر الخبير المالي الكويتي عبدالمحسن المرزوق إجمالي إيرادات الكويت المتوقعة من النفط بنحو 3.8 مليار دينار فيما رواتب القطاع الحكومي تبلغ حوالي 12 مليار دينار والدعم المقدّم من الدولة يبلغ 4 مليارات دينار إضافة إلى مصاريف أخرى تقدّر بنحو 6.5 مليار دينار.
وأبلغ وزير المالية براك الشيتان، خلال مداخلة له في جلسة لمجلس الأمّة الكويتي (البرلمان)، النواب بأنّ “الإيرادات النفطية في انخفاض شديد، وهناك زيادات في العجز جاءت بسبب زيادة المصروفات على الإيرادات”.
وأضاف “من ضمن الأمور التي طرحتها الحكومة لمعالجة الاختلالات، توفير السيولة المؤقتة لدفع رواتب شهرين قادمين حتى نوفمبر القادم”، موضّحا “ما يزال عندنا عجز متوقع بقيمة 14 مليار دينار (43 مليار دولار) في ميزانية 2020 – 2021”.
وتأثر الاقتصاد الكويتي في ظل التأثيرات المزدوجة لجائحة كورونا، وانهيار أسعار النفط، كما تقلص إنتاج البلاد النفطي إلى 2.2 مليون برميل في ظل الالتزام باتفاق خفض الإنتاج لمجموعة أوبك بلاس.
وخلال السنة المالية الماضية 2019 – 2020، سجلت الكويت عجزا بمقدار 18.4 مليار دولار، بزيادة 69 في المئة عن العام السابق، وفق بيانات صدرت عن وزارة المالية، الخميس الماضي.
وقال الشيتان “عجز الميزانية المسجل من بداية أبريل 2020 حتى نهاية يوليو الماضي، بلغ 4 مليارات دينار (12.1 مليار دولار).. إن لم تتحسن أسعار النفط ونقترض وننفذ إصلاحات مالية ستنفد السيولة”.
والكويت، عضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك، وتمثل الصناعة النفطية فيها أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و95 في المئة من الصادرات و80 في المئة من الإيرادات الحكومية.
والشهر الماضي أكدت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت عند المرتبة “أي أي سالب” مع تغيير النظرة المستقبلية للتصنيف من “مستقرة” إلى “سلبية” في ضوء التحديات المالية التي تواجه تمويل الموازنة العامة.