كريتر نت – العرب
رغم العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة وأوروبا، فإن السعودية تجد نفسها دائما في مواجهة حملات غربية كلما تعلق الأمر بالبرنامج النووي والتسريبات التي تثار حوله في وسائل إعلام غربية في مشهد يوحي بأن الهدف منها هو ممارسة ضغوط على الرياض للاستمرار في الاعتماد على “الحلفاء” بدل البحث عن بناء مشاريع كبرى عسكرية واقتصادية تدعم خيارها في الاعتماد على الذات.
أثار الاهتمام الغربي بتسريبات إعلامية عن منشأة نووية سعودية تساؤلات بشأن التضخيم والمبالغة كلما تعلق الأمر بالمملكة والمشاريع التي تظهر أن الرياض تفكر في بناء علاقات خارجية متوازنة على قاعدة المصالح.
وأعرب مسؤولون غربيون عن مخاوفهم بشأن الأنباء التي تحدثت بها صحف أميركية عن بناء منشأة نووية جديدة في الصحراء السعودية بمساعدة الصين، لإنتاج “الكعكة الصفراء” المادة الأساسية في عمليات تخصيب اليورانيوم اللازم لإنتاج الأسلحة النووية.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس، إنّ لدى واشنطن “مخاوف” بشأن حقيقة البرنامج النووي السعودي والحجم الفعلي للأنشطة الرامية إلى تطوير أسلحة نووية، وتمتد هذه المخاوف إلى دول أخرى مثل ألمانيا وإسرائيل.
وذكرت الصحيفة أن وكالات المخابرات الأميركية تحقق في الجهود التي تبذلها السعودية لتعزيز قدرتها على إنتاج الوقود النووي الذي يضع المملكة في بداية الطريق نحو تطوير الأسلحة النووية. وأشارت إلى احتمال إخفاء الرياض الحجم الفعلي لأنشطتها النووية، محذرة من وجود تعاون بين الرياض وبكين في هذا الشأن.
ودعت الحكومة الألمانيةُ السعوديةَ إلى “الامتثال الكامل” لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وقالت وزارة الخارجية الألمانية إنه “من الأهمية بمكان أن تمتثل الرياض بالكامل لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي وأن يخضع برنامجها النووي لمعايير التحقق الدولية للوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
ويعتقد مراقبون أن الحساسية الغربية تجاه المشاريع الكبرى في السعودية تعود إلى رغبة في أن تظل الرياض في وضع يجعلها مرتهنة بالكامل للغرب خاصة أنها دولة نفطية كبرى وذات إنفاق عال، مشيرين إلى أن تضخيم التسريبات التي تتعلق بأخبار النووي السعودي هدفه منع المملكة من دخول مجال حساس، فضلا عن ابتزازها.
مخاوف غربية
تقع منشأة إنتاج “الكعكة الصفراء” في إحدى البلدات شمال غربي السعودية في منتصف الطريق بين المدينة المنورة وتبوك.
وبالإضافة إلى التعاون في مجال المفاعلات النووية، تساهم الصين بشكل أساسي في تطوير القدرات السعودية لإنتاج وتطوير الصواريخ البالستية بعيدة المدى.
وتشير تقارير إلى أن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل تتخوفان من أن يكون مصنع الصواريخ في الصحراء السعودية الذي تبنيه الصين لصواريخ نووية بعد معلومات كشفت أن تصميمه مشابه إلى حد بعيد لتصميم مصنع مماثل في باكستان يعمل منذ التسعينات.
ويمكن لامتلاك السعودية، بمساعدة صينية، القدرة على إنتاج الكعكة الصفراء أن يتيح لها إمكانية تخصيب اليورانيوم وإنتاج أسلحة نووية في غضون عدة أشهر إذا قررت عدم الالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وحتى العام 2016، فإن التقارير الدولية تؤكد أن السعودية لا تمتلك سوى بنية تحتية بدائية لمشاريع الطاقة النووية للاستخدامات المدنية، وتفتقر تماما إلى الموارد التقنية لتطوير قدراتها على إنتاج أسلحة نووية دون مساعدة خارجية.
للسعودية اتفاقيات تعاون ثنائية في مجال الطاقة النووية مع عدد من الدول، لبناء 16 مفاعلا نوويا بحلول عام 2040
وتؤكد السعودية دائما على أن مشاريعها النووية هي للاستخدامات المدنية حصرا، لكن تصاعد حدة التوترات مع إيران في المنطقة قد يفتح الباب أمام السعودية للدخول في سباق تسلح نووي مع إيران التي يتعرض برنامجها النووي لرقابة دولية مشددة التزاما منها باتفاق الدول الخمس الكبرى وألمانيا عام 2015، وهو الاتفاق الذي ألغته الولايات المتحدة من جانب واحد وتهدد إيران بالخروج منه.
وللسعودية اتفاقيات تعاون ثنائية في مجال الطاقة النووية مع عدد من الدول، مثل فرنسا والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكازاخستان لبناء 16 مفاعلا نوويا بحلول العام 2040 بكلفة تتعدى 80 مليار دولار، يقول مسؤولون سعوديون إن الغرض منها تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية واستخدامها في تشغيل محطات تحلية المياه.
وتخطط السعودية لبناء مفاعلين كبيرين للطاقة النووية لإنتاج كميات من الطاقة الكهربائية بالإضافة إلى مفاعلات صغيرة تستخدم لتغذية مشاريع تحلية المياه.
وتعد الطموحات السعودية في اللجوء إلى خيارات الطاقة النووية للاستخدامات المدنية جزءا من طموحات مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أقر عام 2006 برنامجا مشتركا للدول الست.
والخطط النووية السعودية مدرجة في رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط الذي يشكل أكثر من 90 في المئة من إيرادات الموازنة.
وأثارت صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية، نشرتها صحف أميركية في 16 مايو الماضي لسقف ثانوي شبه مكتمل يخفي الكتلة الأساسية للمفاعل الذي كان مرئيا في صور سابقة ملتقطة منتصف مارس، مخاوف عدة دول من البرنامج السعودي واستخداماته الحقيقية.
وتتخوف إسرائيل من إقدام السعودية على تأسيس بنية تحتية لبرنامج تسلح نووي مستقبلا استنادا إلى تصريحات سابقة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في نوفمبر 2018، تحدث فيها لقناة إخبارية أميركية، عن أن بلاده ستحذو حذو إيران في أقرب وقت إذا قامت الأخيرة بتطوير قنبلة نووية.
وتزايدت تلك التوترات في أعقاب إلغاء الاتفاق النووي من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو 2018 وإعادة العقوبات الأميركية على إيران “حملة الضغط الأقصى” في نوفمبر من العام نفسه.
قوة ردع
تعتقد السعودية في ضرورة امتلاك سلاحها النووي كقوة ردع في مواجهة امتلاك إيران أو سعيها الجدي لامتلاك الأسلحة النووية وما قد تشكله من تهديد وجودي للدولة السعودية.
ومن خلال قراءة المواقف الرسمية السعودية حول الأسلحة النووية يمكن الوصول إلى أن المملكة تعمل في اتجاهات ثلاثة، الأول: السعي لإنتاج السلاح النووي كقوة ردع في مواجهة التهديدات المحتملة.
والثاني: توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع إحدى الدول النووية، والثالث: المضي بقيادة أو دعم مساع دولية لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية.
وقد يبدو الاتجاه الأول لامتلاك أسلحة نووية هو الأكثر واقعية ويمكن تحقيقه دون ارتهان جزء من قرارها السيادي لدولة أو أخرى توقع معها اتفاقية دفاع مشترك، مع الإقرار بعدم واقعية الدعوات إلى إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي بوجود عشرات الرؤوس النووية لدى إسرائيل
التي ترفض مجرد الحديث عن ذلك، بالإضافة إلى أنها حتى الآن لا تنكر امتلاكها أسلحة نووية كما أنها لا تؤكد ذلك.
وحتى وقت قريب، ظل الاعتقاد السائد في الأوساط الغربية أن السلاح النووي الباكستاني هو جزء من آليات قوة الردع السعودية في مواجهة التهديدات الخارجية.
وتشير معظم التقارير إلى أن أموالا سعودية كانت وراء امتلاك باكستان أسلحة نووية مطلع ثمانينات القرن الماضي بعدما قامت الصين بتقديم ما يكفي من مادة اليورانيوم المخصب لإنتاج قنبلتين نوويتين ضمن برنامج سري.
وفي تصريحات أدلى بها عام 2013 عاموس يادلين الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) بين عامي 2006 و2010، تحدث عن أن حصول إيران على القنبلة النووية سيمكن السعوديين من الحصول على قنبلة نووية خلال شهر واحد من باكستان حيث دفعوا بالفعل ثمنها.
وتنفي السعودية صحة التقارير التي تشير إلى تعاون باكستاني سعودي في مجال الأسلحة النووية، أو ما يتعلق بمساعدات مالية سعودية للبرنامج النووي الباكستاني من منطلق توقيعها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ودعواتها المتكررة إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية في إشارة إلى إسرائيل وإيران.
في مقابل ذلك، قد لا يُرضي طموحَ السعودية استمرارُ الاعتماد على أسلحة ردع باكستانية تمتلك إسلام أباد قرارها، وتفضل على ذلك امتلاك قوة ردع نووية خاصة بها تنسجم مع مكانتها في العالم الإسلامي.