الانسحاب الأخير يأتي في إطار المناورة للحصول على مكاسب أكبر في مقاعد الحكومة اليمنية
كتب : كنعان الحميري
مجدداً، يعلن “المجلس الانتقالي الجنوبي”، قراره تعليق مشاركته في المشاورات الجارية لتنفيذ “اتفاق الرياض”، في خطوة وصفها متابعون بمثابة ورقة ضغط جديدة على الحكومة الشرعية اليمنية للحصول على المزيد من المكاسب السياسية.
خشية الشارع
وفي حين أرجع الانتقالي الجنوبي في رسالته التي وجهها للسعودية هذا القرار لأسباب من بينها “تزايد وتيرة التصعيد العسكري من قبل القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية في محافظة أبين، وكذا استمرار عمليات التحشيد العسكري باتجاه الجنوب”، عدّها مراقبون خطوة استباقية تهدف لخلط الأوراق في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضده في كافة المحافظات الجنوبية، وخشيته من اندلاع الاحتجاجات في مدينة عدن عقب تردي الخدمات وانهيار قيمة الريال اليمني، ورفضه تحمل المسؤولية، في الوقت الذي يحكم قبضته العسكرية على كافة مفاصل المدينة الساحلية، ومرافقها الحيوية.
وتبذل السعودية جهوداً في طريق التنفيذ الكامل لـ”اتفاق الرياض”، الذي أُعلن بعد توقيع مصالحة بين الطرفين في العاصمة السعودية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، الذي استند إلى عدد من المبادئ، أبرزها التزام حقوق المواطنة الكاملة، ونبذ التمييز المذهبي والمناطقي، ووقف الحملات الإعلامية المسيئة بينهما.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، قدمت الرياض مقترحاً يهدف إلى إنهاء الخلاف بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد ما ساءت الأوضاع بينهما في أبريل (نيسان) الماضي، إثر إعلان الأخير الحكم الذاتي في عدن، المقرّ المؤقت لـ”الحكومة الشرعية”، بعد استيلاء الحوثي على العاصمة صنعاء عام 2014.
كما تضمنت استمرار وقف إطلاق النار والتصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، وكذا خروج القوات العسكرية من عدن إلى خارج المحافظة وفصل قوات الطرفين في محافظة أبين وإعادتها إلى مواقعها السابقة.
وكان الانتقالي الذي يتبنّى علناً خيار فصل جنوب اليمن عن شماله، ويدّعي تمثيله الحصري خيارات أبناء المحافظات الجنوبية، قد أعلن أواخر أبريل الماضي، ما سمّاه “الإدارة الذاتية للجنوب”، وشرع في تنفيذ خطوته بمصادرة الإيرادات المالية الحكومية في العاصمة المؤقتة عدن، وأخيراً في محافظة سقطرى، وهو ما اعتبرته الحكومة الشرعية حينها “استمراراً في التمرد، وعرقلة لتنفيذ اتفاق الرياض”، وطالبت بالتراجع الفوري عنه، ووصفته بـ”الانقلاب الجديد”.
استباق
مراقبون اعتبروا خطوة الانتقالي استباقاً لخروج مظاهرات شعبية ضده في المناطق التي يسيطر عليها، عقب خروج مضاهرات حاشدة مؤيدة للحكومة الشرعية في كل من شبوة وحضرموت وأبين والمهرة وسقطرى، وخشيته من خروج أخرى في عدن توعدت باقتلاعه.
يقول المحلل السياسي اليمني، عدنان هاشم، إن الانتقالي بقرار تعليقه الأخير، يسعى لاحتكار تمثيل المحافظات الجنوبية وتعبيراً عن استيائه من الحشود الشعبية المؤيدة للحكومة الشرعية.
واعتبر أن الانتقالي “يريد ابتلاع باقي المكونات الجنوبية التي تأسست خلال عقدين، وقد يؤدي ذلك إلى حروب صغيرة بينها في المستقبل القريب”.
ضد التحشيد
من جانبه، أرجع منصور صالح، نائب رئيس الدائرة الإعلامية للانتقالي الجنوبي، قرار الأخير تعليق مشاركته عقب ما وصفه “استشعاره للامسؤولية والاستهتار التي أبدتها (الحكومة) وعدم رغبتها وجديتها في تنفيذ الاتفاق”.
وفي ما يشبه الإقرار بخشية الانتقالي من تنامي الاحتجاجات الشعبية ضده، قال صالح لـ”اندبندنت عربية”، إن “الحكومة سعت إلى تعطيل تنفيذه (اتفاق الرياض) وعملت عقب آلية تسريع الاتفاق إلى خلق المعوقات والعراقيل التي منها التحشيد وتعطيل الحياة في المحافظات الجنوبية وعدم صرف رواتب القطاعات العسكرية والمدنية والامتناع عن علاج الجرحى”.
وأوضح أن قرار الانتقالي برفع قراره للتحالف ممثلاً في المملكة العربية السعودية هدفه الضغط على الحكومة اليمنية للمضي في تنفيذ ما التزمت به.
وأشار إلى التزام الانتقالي وحرصه على تنفيذ الاتفاق وتقديم كل ما من شأنه المضي فيه للوصول إلى بر الأمان.
مكاسب أكبر
فيما يرى فيصل علي، رئيس مركز يمنيون للدراسات، أن الانتقالي لم يكن صادقاً في توقيعه السابق واللاحق على اتفاق الرياض، وهذا الانسحاب الأخير يأتي في إطار المناورة للحصول على مكاسب أكبر في مقاعد الحكومة.
رفضاً للاحتجاجات
وأضاف علي “في نفس الوقت يأتي (قرار الانتقالي) كرد فعل للمسيرات التي جابت محافظات المهرة وأرخبيل سقطرة وحضرموت وأبين، وكشفت بوضوح أن الانتقالي ليس اللاعب الوحيد في المحافظات اليمنية الواقعة في الجنوب والشرق وأن هناك قوى سياسة أكثر حضوراً منه، وأن استقواءه بالسلاح لن يؤدي إلى سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد”.
منع التمزيق
واعتبر أن “الجماهير اليمنية في تلك المحافظات عادت لتتصدر الواجهة وتمنع محاولات تمزيق الجمهورية اليمنية التي تسعى لها انقلابات صنعاء وعدن، ومن يقفون خلفها من قوى الاستعمار، ولولا ضعف الشرعية وتمكينها لقوى الانقلابات في الشمال والجنوب لما وصلت البلاد إلى هذه الحالة السيئة بسبب الصرعات التي أخذت الشكلين الطائفي في صنعاء والجهوي في عدن”.
سيطرة كاملة
وعن الأهداف التي يسعى الانتقالي لتحقيقها، قال رئيس مركز يمنيون للدراسات إنه “يبحث عن سيطرة كاملة وانفصال جاهز لمحافظات اليمن في الجنوب والشرق، ولا يبحث عن حلول ولا عن عودة الدولة والشرعية، وهو مشروع جهوي قروي، وهناك من يدعمه من القوى السياسية داخل الشرعية، ويتلقى دعماً معلناً من أبوظبي التي تسعى إلى تمزيق الجمهورية اليمنية”، حد وصفه.
وقبالة هذه التطورات، تسعى الرياض إلى منع تشكّل جبهات أخرى في الحرب اليمنية المتعدّدة الأوجه، ومحاولتها توحيد الجهود العسكرية والسياسية نحو إنهاء الانقلاب الحوثي، ووضع حد للتدهور الاقتصادي والمعيشي الذي تشهده البلاد، وهو ما تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، بحسب الأمم المتحدة
المصدر أندبندنت عربية