صالح سعيد المشرقي
صدفة لم يكن مهندس الطيران أمين يتوقع حدوثها جمعته في مناسبة عزاء صديقه العقيد نجيب مع سبعة من زملاء الدراسة والعمل الذين لم يلتق بهم من أكثر من عقد ونصف .
إلى قاعة العزاء الكبيرة دخل المهندس امين ليجلس في أول مكان شاغر واضعا كيس القات وقنينة الماء أمامه
مع بدأ مضغ المهندس امين لوريقات القات بدأت عيناه تجولان ماسحة بنظرة عابرة وجوه الحاضرين ومن بين وجوه عشرات الحاضرين كانت هناك سبعة وجوه توقف بصره عليها وقابلت عيناه عيونها
كانت تلك الوجوه السبعة مألوفة ولكن ماظهر عليها من تواقيع الزمن وعبثه بملامحها جعله غير متأكد من هوية أصحابها وهذا ماجعله يزيح بصره عنها لفينة من الوقت ويقضي بعض الوقت في رحلة بحث وتفتيش في جدار الذاكرة عما يطابق ماتبقى من ملامح تلگ الوجوه
كتلميذ يجلس على مقعد الامتحان تذكر إجابة سؤال كاد أن ينساه تبسم وجه م أمين وهو يتذكر أصحاب تلك الوجوه جميعا لينهض من مكانه وياخذهم الواحد تلو الآخر بالحضن ومصافحا إياهم بحرارة وهو يقول:
=الطيار عبد الجليل عاش من شافك
=القائد محمود الحمد لله انك بخير
وبنفس الشعور اكمل م آمين تحية ومصافحة العقيد مسعد والعقيد عبدالله والعقيد محمد والمهندس سالم وأخيرا العقيد في الأمن فضل الذي عرفه ولم يتذكر اسمه وبنفس الشعور والمحبة بادله الجميع التحية والشعور
كان هؤلاء السبعة بالإضافة إلى المرحوم العقيد نجيب هم أكثر من عرفهم وعاشرهم م آمين في رحلة حياته الدراسية والعملية وكانوا اعزاء على قلبه كما هو بالنسبة للجميع ولهذا افسحوا له مكانا للجلوس بينهم
لم يمنع جو المناسبة الحزين شركاء حياة الأمس من فتح الدفاتر القديمة وإعادة شريط الذكريات فتحوا قلوبهم لبعضهم ونثروا مكنونها ولم يقطع كلامهم إلا صلاة العصر
ماسمعه المهندس امين من أحاديث واخبار زملائه جعله ينسى همومه ويشعر أن ظروف حياته وما عاشه كان أقل قسوة من ظروف الآخرين وماعاشوه وواجهوه
صحيح أن قرار التسريح الإجباري من العمل قد شمله كالجميع لكنه لم يسجن لسنوات كما حدث للعقيد فضل ولم يغتصب منزله وممتلكاته كما حدث لمسعد وعبدالله ولم تسرق سيارته وارضيته كقائد لوائه السابق محمود والطيار عبد الجليل ولم تجبره ظروف الحياة على بيع منزله في المدينة والعودة للعيش في بيت الأسرة القديم بالقرية كالمهندس سالم ولايعاني من أمراض القلب والسكر كالعقيد محمد وفوق كل هذا لم يمت قهرا كالعقيد نجيب فقط تم الاستغناء عنه وأحيل للتقاعد الإجباري المبكر ومازال في المحكمة يشارع الشيخ الذي يبسط على أرضه
بعد العصر استأنف المهندس امين الحديث قائلا:
=سبحان الله ياجماعة العقيد نجيب رحمه الله الذي كان محطة تجمعنا في كل عطلة هاهو اليوم يجمعنا وهو متوفي
بعد ترحم الجميع على العقيد نجيب استدرك الطيار عبد الجليل الحديث قائلا:
=نعم بعد أن كانت الأفراح تجمعنا صرنا لانجتمع إلا في الأحزان
العقيد عبدالله بدوره قال :
=لكن الحمد لله رغم تفرقنا مازالت تجمعنا أمور كثيرة
مع سماعه لتساؤلات العقيد محمد والمهندس سالم عما بقي يجمعهم وكيف عاد العقيد عبدالله وقال :
=تجمعنا أمور كثيرة مشتركة فنحن جميعا خارج الخدمة وعاطلون عن العمل وجميعنا أيضا محاطون بنفس الهموم والمشاكل
قبل أن يكمل العقيد عبدالله كلامه قاطعه العقيد فضل وقال:
=وجميعنا عقدا
رغم الحزن تبسم الجميع ليوقف ابتسامتهم صوت قائد اللواء السابق العقيد محمود الذي اختتم تلك الجلسة قائلا:
=والأهم من هذا كله أننا جميعا معاقبون بجنوبيتنا
مارس 2007م