د. منصور يحيى
الساحر الحجافي- وهذا لقب اتخذه الشاعر لنفسه- هو وإن كان ابن الفصحى من الوجهة العلمية- الأكاديمية، وعلى الرغم مما يمتلكه من ملكة لغوية سليمة، تمكنه من قول القصيدة الفصيحة والإجادة فيها، وعلى الرغم من إجادته علوم العربية، إجادة المتمرس الرصين، وهو ما تشهد به وتدل عليه قصائده الفصيحة، إلا أن المتتبع لنتاجه يتبين بوضوح ميله لكتابة القصيدة العامية.
والحق أنه في العامية ملك متوج وفارس صنديد، فهو يمتلك أدوات هذا الجنس من النتاج الأدبي، ويجيد استعمالها، فمن قاموس عامي زاخر، إلى القدرة على توليد التراكيب وصياغة الأنماط التعبيرية ، إلى المخزون المعرفي في اللكنات المحلية اليمنية، والاطلاع على الموروث الشعبي، وغير ذلك .
إن الملكة القوية والذائقة السليمة لهذا الساحر الشاعر قد مكنته من تطويع القصيدة العامية للتعبير عن مختلف الأغراض للقصيدة الفصيحة المعاصرة، وتمكن من الكتابة بالعامية في الغزل، والوطنية،والطبيعة،والنفس والحياة.
والمتابع لنتاج هذا الشاعر في القصيدة العامية- واجد بلا شك- أنه قد استطاع في بعض قصائده أن يطرح أفكارا تتسم بالعمق ولها طابع فلسفي واضح، وتمكن من التعبير عن مفاهيم ذات بعد إنساني، و تمكن كذلك من وصف كثيرا من الصور التي تعكس البيئة المحلية اليمنية، وترسم ملامح الحياة لدى الإنسان العادي، وهو ما أراه ميزة تميز بها الشعر العامي، وأعني بها قربه من مجريات الحياة البسيطة للناس واتصاله بهمومهم اليومية، اتصالا وثيقا تعززه وحدة وسيلة التعبير اللغوي(اللهجة العامية).
و شاعرنا يدرك تماما ما يلزم القصيدة العامية، باعتبارها شعرا مكتمل العناصر ، لذا نجده يحرص على استيفاء قصائده لتلك العناصر من وزن وقافية، وصور فنية، ورؤى فكرية، واستعمال الرمز، والمحسنات اللفظية والمعنوية، وتوليد الدلالات بما يصلح أن تتولد عنه من البنى اللفظية والأنساق الأسلوبية، والبعد عن ضعف وابتذال الغرض والمفردة والأسلوب.
والذي أراه أن الشعر العامي، إن كان من شاعر متمكن رصين يصونه عن الابتذال ويتلمس به هموم الناس ويعبر به عن مكنونات النفس ومجريات الحياة، فإنه سيكون رديفا للفصيح ورافدا معه يسهمان معا في إثراء الثقافة العربية، وتقليص الهوة بين الفصحى والعامية في الشعر.
وأختم كلامي بتوجيه التحية لهذا الشاعر المبدع الذي أستطاع أن يدجن ذائقتي لتتقبل العامية الشعرية وأنا ابن الفصحى العنيد المتحيز لها والمنافح عنها .