كتب : رامي الريس
مرّة جديدة، رمى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طَوق النجاة إلى لبنان واللبنانيين، وتابع تنفيذياً الخطوات العملية المطلوبة لإخراج لبنان من مأزقه المُتفاقم على مختلف المستويات السياسية والإقتصاديّة والإجتماعية والمعيشية. لذلك، المطلوب إلتقاط اللحظة، وعدم إهدار الفرصة السانحة لإخراج لبنان من النفق المُظلم الذي دخل فيه وسيزداد ظلماً وقساوةً، ما لم يتمّ التحرّك الجدّي والرسمي قبل فوات الأوان.
المهمّ في هذا المنعطف أن يُدرك الرأي العام حقيقة موازين القوى في البلد، وأن يستعيد في ذاكرته الجماعيّة تلك الخطوات السياسية التي مارست فيها بعض الأطراف كل أنواع السياسات الكيديّة والتعطيلية والعبثية، وفي بعض الأحيان، التخريبية لتحقّق أهدافها الفئوية الخاصة، وهي بطبيعة الحال تتناقض مع الأهداف الوطنية العامة.
والمهمّ أن يعلم الرأي العام مُسبقاً حقيقة المواقف السياسية لمختلف الفرقاء، ليتمكّن من محاسبتها في صناديق الإقتراع عند حلول موعد الإنتخابات النيابية، سواءً أكانت مبكرة أو في موعدها المقرّر في العام 2022، وهذه المعرفة المسبقة من شأنها أن تُسقط ذاك الشعار الذي يتكرّر من دون اعتبار لخلفيات مواقف الأطراف المختلفة وهو “كلّن يعني كلّن”.
لا شكّ في أنّ كل القوى تتحمّل، بشكل أو بآخر، مسؤوليّة المأزق الراهن، ولا شك في أنّ اللبنانيين تعبوا من الواقع الحالي، وهم مُحقّون في ذلك، ولا شكّ في أنّهم وصلوا إلى مرحلةٍ لا يملكون فيها رفاهية التمييز بين الأطراف أو الرغبة بإجراء عملية توزيع المسؤوليات في ما بينها، وهم أيضاً على حقّ في ذلك. ولكن في نهاية الأمر، لا يستطيع الرأي العام اللبناني، مهما كان متألّماً ومسحوقاً، ألّا يرى أن ثمّة موازين قوى معيّنة تتحكّم بالبلد وتنفّذ أجندتها الخاصة وأجندات من يدعمها من الخارج.
لا يستطيع الرأي العام أن يتغاضى عن المحاولات الحثيثة لاستلحاق لبنان بمحاور معيّنة على حساب محاور أخرى، أو أن يغضّ الطرف على إسقاط سياسة النأي بالنفس التي كانت تُسمّى في الماضي “لا شرق ولا غرب”، والتي تطورّت بشكل لاحق في إتفاق الطائف الذي حسم عروبة لبنان وإنتماءه إلى محيطه العربي. لم يعد أحد يدافع عن “الطائف” أو يطالب بتطبيقه.
لا يُمكن صرف النظر عن الجهود المستمرّة لتغيير وجه لبنان عبر السعي المتواصل لإسقاط ميزاته التفاضلية التي لطالما تمتّع بها، منها مثلاً التعرّض للحريات السياسية والإعلامية، وزجّ الناشطين في السجون لمجرّد تعبيرهم عن سخطهم وغضبهم من السياسات المُتّبعة، أو إدارة الظهر لما يُخطّط له من تأميم للقطاع المصرفي على سبيل المثال. وبالرغم من فداحة الأداء المصرفي ووقاحته مع المودعين، إلّا أنّه من غير المقبول توليد الذرائع لإسقاط نظام السرّية المصرفيّة أو حصر النشاط المصرفي بأربعة أو خمسة مصارف كبرى تبتلع المؤسّسات المصرفية الصغرى، وقد تبتلع معها ودائع الزبائن!
لا يُمكن إشاحة النظر عن التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت، أو التراجع عن الإصرار على ضرورة وصوله إلى خواتيمه، لتتكشّف أمام اللبنانيين كلّ التفاصيل المرتبطة بهذه الكارثة التي حلّت بالبلاد وضاعفت مشاكله المتراكمة، فضلاً عن المأساة التي خلّفتها لدى أُسَر لبنانية وغير لبنانية، فقدت أفراداً منها في ظروف تراجيدية ما كانت لتحصل لو تحمّل المعنيون مسؤولياتهم ولم يتقاذفوها بين بعضهم البعض، بدءاً برئيس الجمهورية وصولاً إلى أسفل الهرم.
بالمناسبة، من قال إنّ رئيس الجمهورية فوق المحاسبة والقوانين والدستور؟ ألا يماثل الإهمال في قضية المرفأ الخيانة العظمى؟ ثمّ أليس رئيس الجمهورية جزءاً من السلطة التنفيذيّة بحيث يترأس مجلس الوزراء متى يشاء ويوجّه نقاشاته وقراراته؟ ثمّ إذا كان الرئيس قويّاً ولم يستطع منع وقوع الإنفجار، ألا يعني ذلك بشكل أو بآخر سقوط مقولة الرئيس القويّ وبروز الحاجة لإعادة تعريفها بما يتلاءم مع طبيعة التركيبة اللبنانية المعقّدة؟
في الختام، ملاحظة على الهامش، التغيير المنشود ليس مرتبطاً بانتخابات نيابية أو سواها من الخطوات الدستورية المطلوبة والضرورية؛ إنّما من خلال تسوية إقليمية تعيد خلط الأوراق الداخلية وتوزيعها وِفق إعتبارات جديدة ترتكز إلى ضرورة تعزيز مفهوم الدولة والمؤسسات في لبنان. وكل ما هو عدا ذلك، لا يعدو كونه خطوات غير مكتملة المفاعيل… لا أكثر ولا أقلّ!
* نقلا عن “نداء الوطن”