شنّ أعنف الحملات ضد الرئيس لحمله على إخلاء البيت الابيض
كتب : وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
تمرّ الولايات المتحدة بمرحلة تاريخية لم تعرفها منذ الحرب الأهلية في العام 1861، إذ يهدد معسكر سياسي بإسقاط الرئيس دونالد ترمب “في الشارع” إذا ما اُعيد انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني)، كما أعلنته هيلاري كلنتون، وأيدها السناتور شوك شومر، وعدد من أعضاء الكونغرس منذ أسابيع، وإذ يشعر معظم الأميركيين بالقلق بما هو خطر دستوري قد يترجم بشلل ما بعد الانتخابات ولمدة قد تطول، إذا لم يُحسم الموضوع بشكل واضح، فالرأي العام العالمي وحكومات عديدة أيضاً تراقب التطورات الداخلية الأميركية خصوصاً هذه التهديدات بالفوضى الشارعية التي تعتزم المعارضة علناً القيام بها. فكيف وصلت الأمور الى هنا؟
أعنف الحملات
منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر2016، والمعسكر الذي يواجهه، من فلول إدارة الرئيس أوباما إلى الحزب الديموقراطي، والأكاديميا، والصحافة، والجمهوريين المنشقّين عن الحزب، يشنون أعنف الحملات ضد الرئيس واضعين كل ثقلهم لحمله على إخلاء البيت الأبيض.
وبدءاً بإخراج مستشاره الأول للأمن لقومي الجنرال مايكل فلين في بداية عهده، إلى تحقيقات بادعاء لتنسيق مع روسيا لم تؤدِ الى نتيجة، إلى محاولة لعزله، إلى تفجير سلسلة من الاحتجاجات العنيفة في مدن أميركية عدة، إلى تهديد علني بانتفاضة في الخريف إذا نجح في الانتخابات، إلا أن الوعيد الجديد أخطر بكثير من كل التحركات السابقة، وهذه هي الأسباب.
“البلاشفة”
في تاريخ أميركا، لم تشهد أعرق ديمقراطية في العالم محاولات حزبية لاستعمال المؤسسات العدلية والأمنية للضغط على رئيس منتخب كما حصل مع دونالد ترمب بين عامي 2017 و2018، وبعد فشل مجموعة المحقق مولر في اتهام ترمب، تحركت المعارضة لعزله عام 2019 وانتهت في بداية العام 2020 بالتصويت على عزله في غرفة مجلس النواب، وفشلت في مجلس الشيوخ، أما في الصيف، ففجّرت المعارضة عبر حلفائها “البلاشفة” موجة عنف شارعي في مناطق عدة، لتصعيد الضغط على البيت الأبيض.
ومع ارتفاع شعبية ترمب قليلاً في الاستطلاعات انتقلت المعارضة إلى منهجية متطرّفة لم يسمع بها الشعب الأميركي من قبل: انتفاضة على رئيس منتخب.
لن يعترفوا به رئيساً إذا نجح
وفي الأسابيع الماضية، أعلن أكثر من سياسي أميركي كبير على يسار المشهد السياسي، وبعض السياسيين الجمهوريين المعارضين لترمب أنهم لن يعترفوا به رئيساً إذا نجح، ودعوا المرشح بايدن إلى أن “لا يقرّ بشرعية ترمب”، إذا خسر المرشح اليساري، وقالوا إن “البيروقراطية لن تأخذ أوامرها من ترمب بعد انتهاء ولايته”، والأكثر من ذلك، فهذا المعسكر أكد أنه “سيأمر العسكر بإخراج الرئيس من البيت الأبيض وتنصيب بايدن مكانه”!
الناس كانوا يظنون أن هذه السيناريوهات آتية من أفلام هوليود لو لم تصدر عن كبار القيادات المعارضة، ما نشر كثيراً من القلق وبعض الهلع بين المواطنين الأميركيين، والسؤال الكبير داخلياً وخارجياً هو: ماذا حلّ بعقول زعماء الحزب الديموقراطي، وعلى رأسهم الزعيم الفعلي لحكومة الظل، الرئيس السابق باراك حسين أوباما؟ كيف يمكن لأفكار من العالم الثالث، وسيناريوهات من الشرق الأوسط أن تجد أرضاً خصبة في بلد كأميركا؟
أسباب كثيرة
المحللون يتقدمون بأسباب كثيرة منها اثنان يهمان المنطقة العربية، أولاً هكذا أفكار هي من صنع الجامعات التي طالما تلقت مساعدات مالية من دول شرق أوسطية لعقود، فزرعت أكاديميين متطرفين خرجوا إلى العالم السياسي الأميركي.
ثانياً، لوحظ أن ما يجمع كل الأصوات التي تطالب بالانتفاضة على ترمب على الرغم من إعادة انتخابه، هو تأييدها المطلق للاتفاق النووي الإيراني، فهل ركل سيّد البيت الأبيض مصالحهم من دون أن يدري في العام 2019 بإلغائه الاتفاق، ووضع عقوبات متزايدة، فأشعل نار غضبهم، وأحدث تسونامي من قبل أصحاب المصالح الاقتصادية الهائلة، ضده.
إنها نظرية، ولكن المصالح العميقة التي هندسها شركاء الاتفاق عام 2015 كبيرة بشكل أنها تؤثر في عقول المهندسين، وتجعلهم ينسون أنهم مواطنون في بلد عريق في ديموقراطيته، لا مكان في ثقافته السياسية لهكذا ممارسات.
هذه الدعوات هي بالفعل كارثية إن ترجمت أفعالاً لأنها ستشعل أميركا داخلياً وتشلّ الولايات المتحدة خارجياً، ما يجعل المحللين يتساءلون إذا كانت هذه الصيحات الغريبة عن أميركا منبتها فعلاً خارج بلاد العمّ سام.
“البلشفت”
البعض يظن أن دعوات المعارضة الحالية، ليست ألا ضغطاً تخويفياً على كتلة الناخبين المستقلين في الوسط، وحجمها يتراوح بين 10 الى 15 مليون ناخب، وهي من غير المُسيسين الذين يخافون الشارع. وبالتالي فإن هكذا دعوات، ولا سيما من قبل زعماء معروفين كرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ شوك شومر وغيرهم، قد تردعهم من التصويت لصالح ترمب، لكي يربح بايدن، وتُجنب البلاد من انقسام لا تحمد عُقباه. بما معناه تطبيق شعار “بايدن أو الفوضى”. إلا أن هكذا مقاربة صعبة المنال في الثقافة الشعبية الأميركية، على الرغم من ثقافة الجامعات التي “بَلشَفتْ” طلابها منذ عقود. فالأكثرية الصامتة لا تعبر عن رأيها كثيراً بين انتخابات وأخرى، ولكن إذا شعرت بأن هنالك قوة راديكالية تريد استعمال العنف “لتغيير النظام” الى أسوأ، ستنتفض “حضارياً” وتختار الأقرب الى حياتها اليومية، وليس جماعة الانتفاضات المتطرفة. وقد حدث ذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
نقلا” عن أندبندنت عربية