كريتر نت – العرب
يتزايد تغول التيار السلفي في شرق ليبيا بشكل بات يقلق المجتمع الذي ينظر إلى أعضاء هذا التيار وفتاواه على أنهم دخلاء باعتبار أن المجتمع الليبي معروف بالوسطية وبقربه من الصوفية ولم تدخل الفتاوى المتشددة عليه إلا في السنوات الأخيرة.
ويقود هذا التيار المتطرف، ممثلا في هيئة الأوقاف المسيطر عليها، هذه الفترة حملة لمحاربة الشعوذة، وهي الحملة التي ينظر إليها كثيرون على أنها ليست سوى محاولة لإلهاء المجتمع عن مشاكله الأساسية ولتقويض احتجاجات ضد الفساد كان قد لوح بها بعض النشطاء، تزامنا مع انطلاق حراك ”23 أغسطس” في طرابلس.
وعرضت هيئة الأوقاف في بيان أصدرته مؤخرا مشروع قانون حد الساحر على نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الأوقاف في انتظار أن يحيله إلى رئيس الوزراء عبدالله الثني الذي من المفترض أن يحيله في ما بعد إلى البرلمان من أجل المصادقة عليه.
وينص القانون على تطبيق حد الإعدام على الساحر وبالسجن مدة لم تحدد ودفع غرامة لكل من يأتي ساحرا.
وقال مصدر من بنغازي لـ”العرب” إن البيان الذي نشرته هيئة الأوقاف مع مشروع القانون يبدو ظاهريا موجها إلى الشعب، لكنه يحمل في طياته رسالة للأجهزة الأمنية تفيد بضرورة تنفيذ هذه الفتوى، وهو ما فهمه وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة إبراهيم بوشناف الذي رفض مضمون البيان بشكل دبلوماسي.
وذكر البيان أن “قانون العقوبات الليبي لم يتطرق من قريب أو بعيد لجريمة السحر والشعوذة وقد تم ضمها إلى جريمة النصب المنصوص عليها بموجب المادة رقم 461 التي جاءت تحت عنوان النصب”.
وأصدر بوشناف بيانا عكس رفضا ضمنيا لهذه الحملة وتحذيرا مبطنا للأجهزة الأمنية التي تتواتر الأنباء بشأن اختراق بعضها من قبل التيار السلفي منذ بدء تنفيذ القانون قبل مصادقة البرلمان عليه.
ووجه بوشناف كتابا لرؤساء الأجهزة الأمنية ومدراء الأمن، بشأن ضرورة عمل أعضاء هيئة الشرطة حِيال مكافحة ومحاربة السحر والشعوذة وفقًا لصحيح القانون.
وأوضح بوشناف آليات العمل القانوني اللازم لذلك، مؤكّدًا أنّ الدفاع عن مصالح البيئة الاجتماعية حق وواجب، شريطة ألّا يقع بالمخالفة لأحكام القانون أو ينقلب إلى تهديد لأسس الشرعية، أو ينحدر إلى تعريض النظام الاجتماعي للخطر، ومبيّنا أنه إلى “أن يتدخّل المشرّع لتأطير الفتوى المنسوبة إلى اللجنة العليا للإفتاء بالخصوص يجب التعامل مع الأمر وفقا للقانون القائم”.
لكن المصدر يرى أن الخطر لا يكمن في الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية وإنما في كتيبة طارق بن زياد السلفية المتحالفة مع هيئة الأوقاف والتي تستخدم القوة لإيقاف أي نشاط ترى الهيئة أنه لا يجوز دينيا.
وأضاف المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته لدواع أمنية، أن هذه الكتيبة هي الذراع العسكرية غير المباشرة للتيار السلفي في المنطقة الشرقية ومن المفترض أنها تتلقى أوامرها بشكل مباشر من القيادة العامة للجيش.
وسبق أن ارتكبت هذه الكتيبة، التي يقال إنها تسيطر على المساجد أيضا، جملة من الانتهاكات أثناء الحرب ضد المجموعات المتطرفة في بنغازي ودرنة وطرابلس، وضايقت الناس وتعدت على حريتهم؛ حيث سبق أن داهمت مقهى نسائيا في بنغازي وقامت باحتجاز العاملين فيه.
كما شنت الكتيبة حملة على كتب بدعوى “الترويج للعلمانية والإباحية والإلحاد”، من بينها كتب للأديب المصري الراحل نجيب محفوظ والأديب السوري الراحل محمد الماغوط والفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه.
وينظر متابعون إلى تغاضي القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر عن هذه الانتهاكات على أنه شكل من أشكال الدعم لهذه الكتيبة التي تعد واحدة من أقوى الكتائب العسكرية التي يعول عليها الجيش في حروبه.
وفي مطلع أغسطس الماضي زار حفتر كتيبة طارق بن زياد، وذلك ضمن تفقده وحدات القوات المسلحة للوقوف على جاهزيتها، في خطوة عكست وجود تقارب كبير بين الطرفين.
ويستفز هذا التقارب أغلبية المجتمع الرافض للتطرف في حين يحذر مراقبون من انعكاساته التي يمكن أن تسهم في تفشي التطرف وتغيير هوية المجتمع الليبي دينيا؛ ذلك أن هذا التقارب يشجع الليبيين المترددين على تبني الأفكار السلفية.
ويعيش الشرق الليبي تدهورا غير مسبوق في الأوضاع المعيشية بدءا بالانقطاع المتكرر للكهرباء وصولا إلى ارتفاع الأسعار وشح السيولة وانتشار الفقر والبطالة.