ما جرى فاجأ المشهد السياسي والرأي العام في تونس وطرح اسئلة كبيرة حول الخلافات داخل الحركة
كريتر نت – أندبندنت – باسل ترجمان
البيان الذي صدر الأربعاء 16 سبتمبر “أيلول” ووقع عليه 100 من قيادات حركة النهضة يطالب رئيس الحركة راشد الغنوشي باحترام القانون الداخلي، وعدم الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة واحترام النظام الداخلي، فاجأ المشهد السياسي والرأي العام في تونس، وطرح أسئلة كبيرة حول الخلافات داخلها.
أخطار التمديد وفرص التداول
وتحت هذا العنوان، أوضحت القيادات في حركة النهضة الموقعة على البيان موقفها مما شهدته وتشهده الحركة من إرهاصات سياسية، معتبرة أن من نتائج هذا الوضع تراجع الزخم الانتخابي للحركة، وشلل مؤسساتها وهياكلها المحلية والمركزية، وانسحاب ثلة من الرموز القيادية التاريخية منها. ومع اقتراب موعد عقد مؤتمر الحركة المقرر نهاية العام الحالي، فإن الموقعين على البيان يعتبرون أن شروط نجاح المؤتمر تتلخص بضمان تحقيق التداول القيادي في رئاستها، لأن ذلك يمنع الاستئثار بالسلطة ويسهم في الانتقال من قيادة تاريخية زعاماتية إلى تجربة جديدة قوامها المؤسسات والعمل الجماعي.
لا رئاسة مدى الحياة
البيان حذّر من أخطار التمديد لرئيس الحركة وتغيير القانون، واعتبر أن ذلك ينسف الصدقية الأخلاقية لها، والحديث عن ذريعة “المؤتمر سيد نفسه”، لتغيير القوانين وتمكين رئيس الحركة من مواصلة البقاء في السلطة، من طبائع الاستبداد والحكم الفردي الذي عملت الحركة ضده زمن بورقيبة وبن علي، والحديث عن عدم وجود بديل مؤهل لقيادة الحركة، وأن الغنوشي هو الضامن وحدتها، مغالطة كبيرة وإنكار لأدوار قيادات تاريخية فيها.
وكان المتحدث الرسمي باسم الحركة عماد الخميري صرح لوسائل الإعلام بأن المؤتمر سيد نفسه، ومن حقه تعديل كل القوانين والأنظمة الداخلية، ما اعتبره عدد من المراقبين لشؤون الحركة تمهيداً يحظى برضى رئيسها راشد الغنوشي لتجديد رئاسته، وتجاوز القانون الداخلي.
البيان بين الترحيب والرفض
الصحافي المختص بالشأن السياسي العام في تونس الهاشمي نويرة، وصف البيان بأنه دال على أن الأزمة داخل “النهضة” حقيقية وليست مفتعلة، ووصلت إلى مرحلة صعبة الاحتواء، والحركة لم يعد بإمكانها تفادي الصراع الداخلي على السلطة، وانقسمت بين المرحبين بالبيان والراغبين في التغيير على أمل أخذ فرصتهم في القيادة، وبين مجموعة استهوتهم الديمقراطية واكتفوا بالعمل العلني، ولهم رغبة فعلية في الاندماج المجتمعي، وبين بعض من لا يؤمنون بالديمقراطية ويعتبرون “النهضة” انحرفت عن نهجها السوي.
وأشار نويرة إلى أنه في المقابل هناك رافضون منتفعون من سلطة رئيس الحركة راشد الغنوشي، الذين يقدرون دور رئيسها ويعتبرون أن الحل في دفعه إلى مزيد من الإصلاحات، وهم من ربطوا مصيرهم وتحالفاتهم وخطابهم بوجود الغنوشي. واعتبر نويرة في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن كل ما تشهده الحركة من توتر يرفع احتمال ألا يعقد المؤتمر هذه السنة، ومن الصعب جداً أن يعقد لأنه غير مضمون النتائج.
بيان مستهجن ومرفوض
وفي رد فعل على البيان، استهجن عضو المكتب التنفيذي والمكلف بالإعلام في حركة النهضة خليل البرعومي جمع التواقيع في عريضة ترفض تولي راشد الغنوشي مجدداً رئاسة الحركة، واعتبر أن هؤلاء لا يمكنهم تحديد مصير آلاف المنخرطين فيها، والعريضة ورقة ضغط لا أكثر، وأنه لا مشكلة في التداول على المواقع، لكن ذلك يكون بالانتخاب، ملمحاً إلى أن عقد المؤتمر مرتبط بالوضع الصحي للبلاد، وأنه لم يتم حسم موعد انعقاده.
ونبّه البرعومي إلى أن ما جاء في العريضة فكرة مطروحة داخل مؤسسات الحركة، لكن أن تصدر في عريضة وقعها عدد من القيادات فهذا ضغط غير مقبول، وفيه وصاية على لجنة الإعداد للمؤتمر وللمؤتمرين.
الغنوشي أو لا أحد
في المقابل، أوضح المحلل السياسي مختار الخلفاوي أن من المفيد التذكير أن قيادة راشد الغنوشي لحركة النهضة لا تقتصر على المدتين الأخيرتين، فالأمر أبعد بكثير، ويمتد إلى نصف قرن منذ نشأة الجماعة الإسلامية في تونس خلال السنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضي، مروراً بتأسيس حركة الاتجاه الإسلامي عام 1981، ووصولاً إلى الفترات التي تخلى فيها الغنوشي عن رئاسة الحركة لغيره من قيادات النهضة كحمادي الجبالي وصالح كركر ومحمد بن سالم وغيرهم، ولكنه كان الممسك الأول بملف الحركة، وكان القائد الحقيقي لها سواء في الداخل أو في مرحلة المهجر.
وأشار الخلفاوي في تصريحات لـ “اندبندنت عربية” إلى أن عريضة رفض التمديد لرئيس الحركة تتضمن رغبة في تغيير جذري لقيادة الحركة، وفتح صفحة ما بعد الغنوشي، والعريضة ضمت أسماء من قيادات الصف الأول المؤسس مثل صالح البوغانمي، والتاريخي مثل عبدالمجيد النجار ومحمد بن سالم، والجناح النضالي ويمثله عبداللطيف المكي ونور الدين العرباوي وسمير ديلو وغيرهم، وهي دعوة صدرت عن كل مؤسسات الحركة من مجلس الشورى إلى المكتب التنفيذي ونواب البرلمان، وحمل الموقعون على العريضة القيادة التاريخية، أي الغنوشي، مسؤولية تراجع حركة النهضة انتخابياً وسياسياً بسبب أخطائها المتلاحقة.
النهضة بين أزمتين
وبحسب الخلفاوي، “فالسؤال هل سيحتكم الرافضون للتمديد إلى قاعدتهم المعروفة بحق الاختلاف وواجب وحدة الصف، أم سيمرون إلى فرض التغيير لإعطاء نفس ثان للحركة بالخروج من ثقافة الجماعة وأمير الجماعة إلى ثقافة الحزب السياسي؟ والتمديد له مخاطره كما قالت الوثيقة، ولكن التداول له مآزقه أيضا”.
تنحي الغنوشي عن رئاسة الحركة سيتم تدبيره بطريقة أخرى، ومن داخل مؤسسة المؤتمر نفسه، ولا بد من ترتيبات، فهو يبقى المتحكم بالصندوق السري للحركة وبمفاتيح تمويلها وبشبكة ارتباطاتها الداخلية والخارجية، وهذا كله يلزمه ترتيب خاص، وسيستدعي تمريراً مرناً للسلطة في كنف الاستمرار.