عبدالستار سيف الشميري
أسئلة كثيرة تدور على ألسن اليمنيين نخبة وشارعاً، وهي مربكة جدا فلا أحد يستطيع الجزم أو التحليل والإجابة على سؤال أين نهاية الحرب؟ وأين آفاق الحل؟ وهل هذه حرب أبدية؟ وهل هي بسوس أخرى؟ وماذا تبقى من اليمن؟ وما الذي يمكن استرداده؟ وما هو في حكم الضائع؟ وأين يكمن الحل، هل هو بيد التحالف العربي أم أنه أصبح دوليا؟ وهل للنخبة والأحزاب أي دور يمكن في ذلك.
وتزداد الشكوك بكل الإجابات لا سيما واليمن تدلف إلى السنة السابعة لعمر الانقلاب الحوثي، وتبدو الكارثة اليمنية بشعة ويبدو اليمنيون بدون وطن وبدون مستقبل وبدون ابسط مقومات الحياة.
إنها فاتورة باهظة، تم القضاء فيها على تراكم البناء للدولة والوطن خلال نصف قرن، ربما الجنوب احسن حالا وعلى وشك الخروج من مأزق الحوثي والإخوان والمشاريع الخارجية لكنه ليس بمأمن من إعادة حروب جديدة واختراقه في اي لحظة لكن بكل المقاييس هو في وضع افضل، بينما الشمال أصبح دويلات وسيبقى على وضعه لعقود.
دولة فارس الحوثية هي الوريث المستجد للشمال بترسانة سلاح لا يستهان بها ودعم قطري – إيراني متواصل وموارد موانئ، ولن تتخلى عن دويلتها التي أصبحت واقعا واقتطعت جزءا كبيرا من الشمال، يقابلها دويلة إخوانية في مأرب وتعز وان كانت تتدثر باسم الشرعية لكنها دويلة إخوانية دينية استبدادية، وهوامش لشركائها في البيضاء وغيرها من جماعتي القاعدة وداعش،
هذا هو ملخص فاتورة السنوات المنصرمة من عمر الانقلاب وعمر مهزلة الشرعية، انتقال كلي من دولة موحدة إلى دويلات متناثرة يتحكم في مصيرها جماعات عنف وتطرف ويمسك بها مشاريع خارجية.
يضاف لهذه الفاتورة رصيد مالي ضخم لقيادات الشرعية بكل الوانها من تجارة الحرب وسرقة دعم دول التحالف على حساب الوطن والخدمات.
ارتضت القيادات العليا بهذا النصيب من غنائم المعركة مجموعة من العقارات والأموال مقابل تسليم البلاد لجماعات الله، وارتضت العيش الرغيد خارج الحدود والفرجة على ما يدور، وتركت دول التحالف في مأزق تحمل المسؤولية، على مستوى العمل العسكري وتحمل أعباء البلد.
ملخص هذه الفاتورة يقود إلى استنتاج وحيد، أن اليمنيين ليسوا في حالة حرب عادية وان خلافهم مع الحوثي والإخوان ليس سياسيا إنه خلاف على الوجود ومعركة من أجل الحياة مثلها مثل كل معارك الشعوب في التحرر من الاستعمار وربما أشد وانكى واخطر واهم في ذات الوقت.
إنه صراع وجود من أجل الحياة والبقاء والتاريخ اليمني العريق ومستقبل الأجيال القادمة وضد المشاريع الاستعمارية الإيرانية والتركية وحلمها القديم/ الجديد أن تكون اليمن ورماً سرطانياً في خاصرة الخليج والعروبة.
وعلى هذا الأساس ينبغي صياغة كل مفردات التوعية الإعلامية والثقافية والتعبئة العامة واستنهاض التحالف العربي باعتباره محور الممانعة ضد محور الشر الثلاثي التركي الإيراني القطري.
والسؤال الأهم ما الذي تبقى من اليمن على مستوى الجغرافيا وعلى مستوى القرار السياسي؟
في الحقيقة لم يتبق غير مضيق باب المندب الذي تحاول جماعة الإخوان الوصول إليه بدعم تركيا، وتحاول جماعة الحوثي ارباكه بفعل الصواريخ والأعمال العسكرية العدائية على السفن التجارية بدعم إيراني.
هذا هو ما تبقى من اليمن، بالإضافة إلى جنوب مرتبك يحاول النهوض والنجاة لكنه متربص به على كل حدود مدنه.
فقط هذا ما تبقى من اليمن، فهل يصمد هذا القليل ام أنه سيذهب تباعا بتقادم السنين لصالح أحد المشروعين؟ وهل سيسمح التحالف العربي بفقدان آخر أوراقه في معركته ضد محور الشر الإيراني التركي القطري عبر الأيادي الإخوانية والحوثية؟ ثم هل باستطاعته إحداث اختراق ما واستعادة الحديدة لتحسين شروط أي تفاوض ولو بعد سنوات؟
إن ذلك يحتاج حتما إلى تصفية الجيش من ملشنة الإخوان والإسراع باتفاق الرياض وحماية الجنوب، وهذا الأمر ممكن لدى التحالف لو توحدت رؤيته حول اليمن، وما لا يدرك كله لا يترك جله، لعل تركيا مهتمة أكثر من غيرها حاليا بالتواجد في السواحل اليمنية وباب المندب والتحركات والتنسيقات الأخيرة لها أوضحت هذا الأمر بوضوح شديد أن عين تركيا على هذا المنفذ الهام كي تقايض به مصر خاصة بعد الضربات التي تلقتها في ليبيا وأسفرت عن مقتل قادة أتراك وبعد فشل الحكومة الليبية وخروج الشارع الليبي ضدها.
ولعل الدرس القاسي الذي تلقته في تدمير جزء كبير من منظومتها الجوية “هوك” التي زرعتها في الأراضي الليبية وتم تدميرها بواسطة الطيران الليبي.
ومن البديهي القول اليوم ان الأمن القومي العربي في خطر، وقد يأتي من زاوية يمنية في ظل غياب دولة وتصدر جماعات معادية للحلف العربي.
وفي المشهد اليمني، البعض قد يرى أن تحركات الإخوان نحو الجنوب والمخا عبر الححرية ليست بتلك الخطورة، والحقيقة أنها خطيرة جدا، ولن يدرك أثرها الا بعد أن يقع الفأس في الرأس.
ولعل موقع الحجرية الاستراتيجي مضاف له موقع المخا وباب المندب يشكل هاجسا تركيا قطريا لن يتركوه بهذه السهولة، كما يتصور البعض.
إنها معركتهم المؤجلة، ومن خلالها سيضربون عصفورين بحجر الجنوب والتحالف ومصالح مصر الشقيقة.
وهنا يبرز سؤال مهم، هل في غياب واختطاف الشرعية يمكن ان يكون للأحزاب السياسية اليمنية دور انقاذ ما يمكن انقاذه، والاسهام بشيء في هذا الاتجاه في ظل ركود حزبي تام وانقسام معروف وغياب عن الشارع اليمني وسوء علاقة بمؤسسة الرئاسة وتعطل للبرلمان؟
ولعل الإجابة هنا لدى المتذبذبين من الأحزاب السياسية الذين يجب حسم موقفهم تجاه الوضع اليمني وتجاه جماعة الإخوان كشريك مخادع. وهذا الامر يجب الاسراع به اليوم قبل الغد، ومكاشفة الشارع والالتحام به.
إن البقاء في شراكة سياسية مع ذراع الإخوان السياسي حزب الإصلاح أمر اصبح مضرا بالشمال والجنوب، قالها الجنوبون بشجاعة فعل، فلتفعل الاحزاب ذات الفعل والقول للحفاظ على ما تبقى من اليمن.
لا شك ان ذلك يتطلب مزيداً من التلاحم بين المؤتمر الشعبي والناصري والاشتراكي، وضم القوى المجتمعية إليهم والجيش الوطني والأمن في مناطق مختلفة لإحباط الموجة الثانية للسيطرة الإخوانية الحوثية على ما تبقى من اليمن.
إن الموجة الثانية لن يطول أمدها، فالقوم مستعجلون لإثبات أنهم لا يزالون على قيد الأرض، بعد موتهم وفشلهم في كل بلدان العرب والعجم.
وهذا الأمر مهم كي يحافظوا على تدفق الدعم لهم ولتحقيق هدف ما، يسترضون به الرعاة ولتقديم أوراق اعتماد جديدة.
وخلاصة الأمر، ليس في الوقت متسع للتحالف العربي إلا إعادة النظر في الحلفاء وفي طريقة إدارته المعركة خلال السنوات الماضية والتي أثبتت قصورها على اقل توصيف…