كريتر نت – العرب
قالت مصادر عسكرية يمنية إن المتمردين الحوثيين يضيقون الخناق على مدينة مأرب الإستراتيجية من ثلاثة اتجاهات ويرسلون المئات من المقاتلين يوميا لمواجهة قوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية.
وتعد السيطرة على المدينة الغنية بالنفط وآخر معاقل الحكومة في الشمال مسألة “حياة أو موت” بالنسبة للحوثيين المدعومين من إيران، الأمر الذي فاقم من الأزمات التي تلاحق النازحين في مأرب.
وشكلت قصة المواطن اليمني هادي أحمد هادي، الذي نصب خيمة في خامس مخيم يفر إليه مع عائلته خلال السنوات الخمس الماضية بفعل الحرب، مخاوف كبيرة من نزوح جديد بسبب اشتداد المعارك في مأرب.
ويرى الباحث السياسي اليمني في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ماجد المذحجي أنّ القتال الدائر حاليا في مأرب “يشكل أعلى معدل قتال في اليمن من ناحية عدد الاشتباكات”. وقال إن ما يحدث حاليا هو عبارة عن “حرب استنزاف”. وكما هو الحال في المناطق الأخرى، فإن المدنيين هم الذين يدفعون الثمن الأكبر.
ويؤكد سيف مثنى مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب أن “الحرب التي تدور في أطراف مأرب أدت إلى تدفق آلاف من الأسر إلى مديريات أخرى وتم إنشاء مخيمات جديدة”.
وتقدر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عدد النازحين داخليا في اليمن بحوالي 4 ملايين شخص بحلول نهاية عام 2019، ويسكن قسم كبير من هؤلاء النازحين في مخيمات متفرقة في محيط مدينة مأرب هربا من الميليشيات الحوثية التي تستهدف المناوئين لها وتمارس سياسة ممنهجة للعقاب الجماعي تطال أسر المعارضين من خلال تفجير أو مصادرة منازلهم في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وتصاعد المخاوف الأممية من تفاقم معاناة النازحين في محافظة مأرب الذين تضاعفت أعدادهم بعد انضمام الآلاف من النازحين إلى المحافظة في أعقاب سيطرة الميليشيات الحوثية على محافظة الجوف ومنطقة نهم.
وتشير تقارير شبه رسمية إلى بدء موجة معاكسة من النزوح من مأرب إلى مناطق أخرى نتيجة لتكثيف المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومناطق شاسعة في شمال وغرب اليمن هجماتهم لطرد قوات الحكومة المعترف بها من مدينة مأرب (120 كلم شرق صنعاء) بهدف استكمال سيطرتهم على الشمال اليمني.
واشتدت المعارك في الأسابيع الأخيرة وأصبحت تهدّد مخيم السويداء الواقع شمال مدينة مأرب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، كما تبرز المخاوف في أوساط النازحين من شن الحوثيين لهجمات بالصواريخ على مناطقهم وهو الأمر الذي حدث في مرات سابقة باتت فيها المناطق السكنية هدفا للهجمات الحوثية التي يعتقد مراقبون يمنيون أنها ممنهجة وتهدف إلى إخلاء المحافظة من أكبر قدر ممكن من السكان لتسهيل مهاجمتها.
وكما هو الحال مع أسرة هادي الفقيرة المكونة من تسعة أفراد التي تجد نفسها في كل مرة مضطرة لجمع حاجياتها، من الملابس إلى ثلاجة الطعام، والهرب نحو مخيم جديد في البلد الغارق في الحرب منذ منتصف 2014، أصبح النزوح أمرا معتادا للكثير من الأسر اليمنية الفارة من جحيم الحرب التي تمتد إلى مناطق يمنية كانت تصنف آمنة.
ووصلت الأسرة في أواخر أغسطس الماضي إلى مخيم السويداء الممتد على مساحة كيلومتر واحد والذي يضم أكثر من 700 أسرة نازحة، وبينما انشغل الوالد بتركيب الأسس الحديدية لخيمته الجديدة، جلس أطفاله السبعة بالقرب من بعض الأساسيات التي جلبوها معهم.
ويصف هادي مسلسل النزوح المستمر الذي تعرضت له أسرته، “حتى هذه اللحظة، نزحنا خمس مرات”، مضيفا “وصلنا إلى هذا المخيم الذي لا توجد فيه أي مقومات للحياة”.
وروى هادي كيف أنه اضطر في عام 2015 للهروب مع أفراد عائلته من نهم (شمال صنعاء) بعدما اقتربت المعارك من منزلهم، قبل أن تبدأ رحلة التنقل من مخيم إلى آخر في عدة مناطق وصولا إلى مخيم السويداء في مأرب. وقال “في كل مرة ننزح فيها، أحاول طمأنتهم بأننا سنستقر. نترك أغراضا في كل نزوح لأننا غير قادرين على حملها”.
وتضطر العائلات في المخيمات المكتظة إلى مشاركة أماكن ضيقة. وسيكون هادي وأطفاله مجبرين على مشاركة خيمتهم مع ابنه المتزوج وزوجته الحامل.
وقال الأب “أتحمل الوضع برحابة صدر لإيماني بالله، لكن نفسية الأطفال وزوجتي مدمرة. لقد سئموا من الحياة”. وتابع “في حال نزحنا مرة أخرى، ستكون كارثة حقيقية علينا وعلى الكثير من النازحين، فليس لدينا مكان آخر. إلى أين ننزح؟”.
ومثلت مدينة مأرب ملجأ للكثير من النازحين الذين فروا هربا من المعارك أو أملوا ببداية جديدة في مدينة ظلت مستقرة لسنوات، ولكنهم أصبحوا الآن في مرمى النيران مع اندلاع القتال للسيطرة عليها.
وحتى بداية 2020، استطاعت مدينة مأرب أن تعزل نفسها إلى حد ما عن الحرب وآثارها بفضل النفط والغاز فيها، وقربها من الحدود الشمالية لليمن مع السعودية، والتوافق بين قبائلها.
وكان من بين الذين هربوا من مناطق النزاع وتوجهوا إلى مأرب أطباء ورجال أعمال وأثرياء ازدادت بعيد وصولهم الاستثمارات وارتفعت أسعار العقارات. وازدهرت الأعمال في المدينة شيئا فشيئا، من افتتاح المطاعم إلى مشاريع البناء، إلى أن اشتعلت المعارك فيها هذا العام، مهددة بسقوطها في أيدي المتمردين ومتسببة بموجات نزوح ضخمة.
وبعد ست سنوات من الاقتتال على السلطة في نزاع حصد أرواح الآلاف، يشهد اليمن انهيارا في الصحة والاقتصاد والتعليم وغيرها من القطاعات، فيما يعيش أكثر من 3.3 مليون نازح في مدارس ومخيمات تتفشى فيها الأمراض كالكوليرا بفعل شح المياه النظيفة.
وبحسب تقرير صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب، فإن 4847 أسرة يمنية نزحت في الفترة من 20 أغسطس إلى 15 من سبتمبر في المحافظة. وتضم المحافظة 140 مخيما للنازحين بينها مخيم الجفينة وهو الأكبر في اليمن حيث يعيش فيه نحو 40 ألف شخص بحسب السلطات المحلية.
وتؤكد المتحدثة باسم منظمة الهجرة الدولية في اليمن أوليفيا هيدون أنه في سبتمبر “أدى التصعيد في القتال إلى نزوح 8000 شخص”. ومنذ نهاية يناير مع بداية المعارك للسيطرة على مدينة مأرب، نزح أكثر من 70 ألف شخص إلى أو داخل المحافظة.
ووفقا لهيدون، فإن مدينة مأرب مزدحمة بالفعل إذ لم يجد نحو 80 في المئة من القادمين الجدد أي مكان للذهاب إليه مؤخرا “واضطروا للاستقرار في مخيمات مزدحمة للغاية”، مؤكدة “هذا أمر يبعث على القلق خاصة مع تفشي فايروس كورونا المستجد”.
ويحمل مراقبون للشأن اليمني الحكومة الشرعية بتحمل مسؤولية سياسية عن معاناة النازحين، بعد فشلها في تأمين المناطق المحررة وسقوط بعضها في قبضة الميليشيات الحوثية مثل الجوف ونهم وبعض مناطق محافظة البيضاء، وانتقال الخطر الحوثي إلى داخل محافظة مأرب.
ويرجع مراقبون هذا الفشل الحكومي إلى استشراء الفساد في مؤسسات الشرعية بما في ذلك الجيش الذي كشفت المواجهات العسكرية الأخيرة في مأرب عن وجود قوائم المرتبات فقط، في الوقت الذي تدافع فيه القبائل عن المحافظة بمعزل عن أي دعم حكومي حقيقي وفاعل.
وتشير معلومات إلى وجود عامل سياسي آخر ساهم في استعادة الحوثيين لبعض المناطق المحررة وتكثيف هجومهم على محافظة مأرب الغنية بالنفط، وهو تماهي تيار موال لقطر وجماعة الإخوان مع مشروع استكمال تسليم شمال اليمن للحوثيين ونقل المعركة إلى المحافظات الجنوبية وفقا لمخطط قطري- تركي- إيراني يستهدف إرباك التحالف العربي وتسليم الجنوب لجماعة الإخوان المسلمين.