اجيال سبتمبر وأكتوبر معنيون بصياغة المستقبل ومقاومة الظلم والتسلط
كتب : محمد عسكر
تحتفل بلادنا بالعيد الـ 57 لثورة الرابع عشر من اكتوبر الـمظفرة ، باعتبارها أسمى ذكرياتنا الوطنية والنضالية الـمعاصرة . فهذا اليوم صَمَّم فيه شعبنا على كسر قيود الاستعمار الغاشم ، وبذل ما عليه من تضحيات ، أراد منها استعادة حريته الـمغتصبة، واسترجاع سيادته الوطنية الـمصادرة طوال 129عام .
لقد كانت ثورة 14 أكتوبر الخالدة، التي انطلقت شرارتها الأولى من أعالي قمم ردفان في عام 1963م، ضد المستعمر البريطاني لجنوب اليمن، ملحمة خُطت بالتضحيات الجسام ، بذلها شعبنا طوال حرب طاحنة في معركة غير متكافئة دامت اربعة أعوام .
وتوجت تلك الملحمة بانتصار شعبنا يوم 30 نوفمبر 1976م ، ففي نهاية المطاف انتصر شعبنا المتسلح بإرادة تحررٍ فولاذية وإيمانٍ رباني ، على أعتى قوة عسكرية عظمى موجودة على الأرض في ذينك التاريخ .
نحتفل اليوم بهذه المناسبة المجيدة والخالدة في ذكرى ووجدان الوطن وأبنائه جيلا بعد جيلا ، فأكتوبر مثـَّل حدثا مشرقا تواءم مع فرحة اليمنيين بتجاوز وطنهم الكبير لابشع نظام كهنوتي مستبد سقط صبيحة ال 26 سبتمبر 1962م .
فكلاهما ،الامامة شمالا، والاستعمار جنوبا، ظلا جاثمين على صدور شعبنا اليمني الذي وبرغم الصعوبات والازمات التي عانت منها الثورتين؛ آلََّا ان ذلك لا يقلل من انتصار اليمنيين لذاتهم ولوطنهم وكرامتهم.
فهذه جميعا لم تتجسد واقعيا غير بالتحرر والاستقلال من الامامة شمالا والاستعمار جنوبا. والفضل بعد الله لتلك الارواح والدماء والمعاناة التي اجترحها الشهداء والمناضلين وسواهم من شرفاء واخيار هذا الوطن.
وكم هو مؤسف وحزين ان تأتي المناسبتين وشعبنا اليمني مازال رهن معاناته والآمه وبعيد فترة زمنية نيفت الستة عقود على ثورتيه المجيدتين، فلقد كشرت قوى الظلام والتخلف عن انيابها ووجودها ، موغلة هذه المرة في ضراوتها وعدائها لليمنيين الاحرار الذين قدر لهم اسقاطها وهزيمتها ولمرات عدة.
ويحدونا امل كبير ، بأجيال ولدت وترعرعت في كنف سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، فهؤلاء هم من سينتصر لثورتيه ويرفض الضيم والظلم، إذ انهم سطروا ويسطرون الآن اروع الملاحم البطولية .
فبتلاحم اخوي صادق ممتد فوق كامل خريطة اليمن،شمالا وجنوبا؛ يمكن استعادة هذا الوطن بكل معانيه وقيمه وتواريخه المشرفة.
كما وبالمقاومة المخلصة المتشكلة الان كمثلث معكوس رأسه في الضالع وضلعاه في مأرب شرقا والساحل الغربي في الحديدة غربا، مرورا بالجوف وشبوة وأبين والبيضاء وتعز وإب، فهذه مجتمعه قلب المقاومة الوطنية المأمل منها استعادة اليمن وتاريخه ووجوده في مضمار الحضارة الانسانية المعاصرة.
فالمقاومة الراهنة لن تظل منحصرة في هذه الجبهات المستعرة وانما يتطلع اليمنيين لرؤية وطنهم وقد تخلص من اغلال القوى الظلامية الكهنوتية . واليمنيون بطبعهم صبورين وحتما سيكتبون تاريخا جديدا ولد من رحم تاريخ حضارتهم التليد، فلا يمكن ان يرضخون للافكار البليدة .
فمقاومة اليمنيين كفيلة باسقاط كافة الافكار الاستبدادية او الاستعمارية، القديمة او الجديدة، ففي المنتهى سينتصر اليمنيون، وسيهزم الاستعباد ايا كانت قوة مليشيات الحوثي او من يمدهم بالدعم المالي والعسكري او يستخدمهم كأدواة لزعزعة امن واستقرار اليمن.
ان ثورة الرابع عشر من أكتوبر هي نقطة تحول لتاريخ اليمن جنوبا وشمالا، وينبغي ان نستمد منها اليوم المزيد من العزم والثقة والتصميم ، فلم تكن حدثا اعتباطيا او طارئا على التاريخ، وانما كانت وستبقى حدثا عظيما غير مجرى الانسان وتفكيره وتطلعاته واحلامه، كما وستظل ذكرى دالة لعزيمة اليمنيين الفولاذية، الرافضة للظلم والاستبداد ،والاستعمار .
ومهما عظمت الثورات ، وإنجازاتها، إلا انها بحاجة إلى المراجعات الوطنية المسؤولة والصادقة ، فحماية الثورة يستلزمها إنتاج أدوات واعية مدركة بقيمة الثورة ، وهذا لن يتحقق دون ثقافة واعية متسلحة بالعلم والايمان بحتمية الانحياز للقيم والمبادى العادلة التي جاءت بها الثورة ، او تلك المكاسب المحققة لليمنيين.
فدون مراجعة وحماية للثورة فإن الخطر سيظل محدقا بها ما بقيت النوافذ مولجة لعبور القوى الرجعية القديمة او الجديدة المتدثرة بجلابيب مختلفة.
والمؤسف هو التماهي السلبي مع المتغيرات والمناخات السياسية التي بدأت تتشكل في المنطقة وفرضت واقعاً جديداً، ظهرت فيه أجندات جديدة تعمل لتنفيذ أهداف غير وطنية .
فهناك مسعى خبيث ظاهرة الرحمة وباطنه العذاب ، وهذا المسعى يراد منه تنفيذ مشاريع استعمارية بقوالب جديدة وعناوين خادعة مضللة لخدمة دول إقليمية نافذة غايتها تصدير تصوراتها واطماعها واهدافها إلى المنطقة العربية .
وقد برزت ملامح ومؤشرات وافعال تكرس مشاريع وهويات غير وطنية ومن خلال التحالفات القديمة الجديدة ،التي بدأت تطرح مشاريعها بطرق مختلفة وإعادة أحيائها من جديد ، لزعزعة الأمن القومي العربي، عبر اذرعها في اليمن ولبنان وغيرها من الدول العربية .
إننا اليوم بحاجة إلى ثقافة وطنية خالصة نابعة من فلسفة الحقوق والحريات كأساس لمنطلق دولة مدنية تراعي التنوع والقبول بالأخر، وتذوب فيها الهويات الصغيرة والمصالح غير الوطنية .
ومما لا شك فيه ان مخرجات الحوار يمكن ان تؤسس مدخلات مهمة لتحقيق تلك المضامين العادلة والمنصفة المنقلب عليها اليوم من ذات القوى المناهضة لقيم واهداف الثورتين سبتمبر واكتوبر .
واليوم نحتاج الى اعادة ترتيب الحالة اليمنية الراهنة، سياسيا وأمنيا وعسكريا ، وليكن اتفاق الرياض الذي يرعاه الاشقاء بالمملكة هو المدخل الاساسي، لتحقيق السلام في المناطق المحررة، ثم يمكن التوجه بثبات نحو تحقيق السلام الشامل على مستوى اليمن .
فالسلام المستدام لا يأتي من جماعات لا تحمل الوعي الحقيقي لمفهوم السلام أو ترى السلام من منظور مكاسبها الضيقة، فضلا ان تجارة السلاح تكون مزدهرة في كنف الحروب، ما يجعل تجارها وحلفائهم لا يكترثون بغير منافعهم ومكاسبهم العائدة عليهم .
أما مصالح اليمنيين فمبنية على اساس الاستقرار والشراكة السياسية الحقة وضمانة الدولة العادلة، فجل المصالح يجب ان تسود في وطن مستقر ، فما من مصالح حقوقية أساسية الا ويمكن النظر فيها ومعالجتها وفق رؤية وطنية شاملة جوهرها انجاز العدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، والاحتكام إلى الثوابت الوطنية ، على قاعدة المواطنة للجميع دون اي استثناءات، لا عرقية ولا قبلية او ايدلوجية.
سيبقى السلام هو مطلب اليمنيين المُلِح، اليوم وليس غداً، مع ضمانات استمراريته وديمومته، وبناء دولة اتحادية عادلة ضامنة للجميع، بدون ذلك يصعب بناء سلام حقيقي لليمنيين .
وكما قال أحد حكماء العرب قبل سنوات لقيادات يمنية: بمقدار ما يطول الصراع والحرب في بلادكم يبتعد وطنكم عنكم، وربما بعد فوات الأوان لن تجدونه، فسارعوا للحفاظ على وطنكم او ما تبقى منه .
وكل عام وأنتم بخير