كريتر نت – DWعربية
للوهلة الأولى يبدو أن جميع المشاركين في اتفاق السلام السوداني الإسرائيلي يستفيدون منه بما في ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كعراب للصفقة. لكن بالنسبة للسودان فإن هناك مخاطر وتحديات أيضاً نتيجة الصفقة.
عندما أنهى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الـ 25 من آب/ أغسطس زيارة إلى اسرائيل، ودعه دبلوماسي أمام الطائرة بالقول: “أنت مقبل الآن على رحلة تاريخية”. فطائرة بومبيو كانت أول طائرة تقلع مبشارة من إسرائيل إلى السودان دون توقف.
والآن بعد شهرين تم وضع حجر الأساس للرحلات المباشرة بين البلدين، فالسودان وإسرائيل اتفقا بوساطة أمريكية على تطبيع علاقاتهما. وبهذا يحذو السودان حذو الإمارات العربية المتحدة والبحرين اللتين قامتا في أيلول/ سبتمبر بهذه الخطوة ـ وحسب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تتبع دول عربية أخرى بينها العربية السعودية.
إنها صفقة يبدو أن الكل مستفيد منها:فالسودان سيتم شطبه من قائمة العقوبات الأمريكية. وإسرائيل تحصل على حليف إضافي في العالم الإسلامي. والولايات المتحدة الأمريكية تحصل على ملايين الدولارات من السودان لتعويض ضحايا اعتداءات إرهابية. وترامب بإمكانه قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الظهور “كصانع ناجح للصفقة”. لكن عند الإمعان نلاحظ بأن الاتفاق ينطوي على تحديات ومخاطر أيضا بالنسبة للسودان.
كيف حصل السلام بين السودان واسرائيل؟
المؤشرات الأولى للتقارب بين الطرفين ظهرت في شباط/ فبراير الماضي عندمافتح السودان مجاله الجوي لطائرات الركاب من إسرائيل. حاول رئيس الوزراء عبدا لله حمدوك أن يحصل على تأييد أغلبية الحكومة أولا، لكن الأمور “سارت بسرعة كبيرة وبدون تصويت عليها في السودان”، يقول تيودور مورفي، مدير قسم أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في مقابلة مع DW.
السوداني، ويقول: لو قامت اسرائيل بالخطوة الأولى، لكان بوسع السودان أن يبدو “سخيا” في تقاربه مع إسرائيل من “أجل علاقات جيدة” مع إسرائيل. ثم تطور كل شيء فجأة بسرعة بعدما جمع ترامب ممثلي إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين في البيت الأبيض. وحتى اتفاقية السلام هذه جاءت مواتية لترامب الذي يأتي حسب استطلاعات الرأي وراء منافسه جو بايدن. وعلى إثرها تسارعت ديناميكية الأحداث مع السودان.
وليس واضحا ما هو الدور الذي لعبته الامارات العربية المتحدة خلف الكواليس: فبعدما قلصت الولايات المتحدة الأمريكية وجودها في القرن الأفريقي، تحصلت الإمارات مع جارتها العربية السعودية على تأثير متزايد كقوى إقليمية.
ما هي الآثار المباشرة على السودان؟
السودان يتخبط منذ أكثر من سنة ونصف بعد الإطاحة بالدكتاتور عمر البشير، في عملية تحول طويلة وصعبة نحو انفتاح ديمقراطي. وتحت حكم البشير المنبوذ دوليا عانت البلاد من العزلة سياسيا وزيادة معدلات الفقر. وفي عام 1993 وضع الكونغرس الأمريكي السودان على قائمة الدول التي يتهمها بدعم الإرهاب. ومنذ نهاية نظام البشير تتم المطالبة من جهات مختلفة بإلغاء تلك العقوبات المفروضة على السودان. ومشروع قرار مماثل رفضه مجلس الشيوخ قبل مدة قصيرة. لكن الرئيس ترامب قدم عرضا لخرطوم وعد فيه بنهاية العقوبات بشرط تحقيق أجندته السياسية أي رفع شأن إسرائيل دبلوماسيا وبالتحديد هنا التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب. وقبل نحو أسبوع حصل الاختراق: وأعلن ترامب بأنه سينهي العقوبات الأمريكية فور تحويل السودان تعويضا ماليا بقيمة 335 مليون دولار كتعويض للناجين وذوي ضحايا الاعتداء المزدوج على السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودارالسلام في عام 1998. لأن أسامة بن لادن الذي اعترفت منظمته الإرهابية (القاعدة) بالوقوف وراء الاعتداءين، كان يعيش لسنوات في السودان بموافقة الحكومة.
كيف يريد السودان دفع التعويضات؟
“السودان لا يملك موارد كبيرة”، كما يقول كريستيان براكيل من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية. والعملة الصعبة في البلد الفقير تأتي من رسوم نقل النفط من جنوب السودان واستخراج الذهب في منطقة دارفور. لكن مبلغ 335 مليون دولار “كثمن للالتحاق بالاقتصاد العالمي صغير نسبيا”، كما يقول براكيل في مقابلة مع دويتشه فيله DW. لكن الخبير مورفي يشك في تدفق الاستثمارات الآن على السودان، إذ “لم تكن فقط العقوبات هي التي أبعدت الشركات العالمية عن السودان. وبالتحديد في زمن كورونا لا تبحث الشركات بالضرورة عن أسواق مليئة بالمغامرة في بلدان هي في طور التحول .
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى عملية التحول في البلاد؟
عبد الله حمدوك، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية السودانية يخاطر من خلال الاتفاقية مع اسرائيل: فبين السكان وكذلك داخل تحالفه الحكومي يبقى الموضوع مثيرا للجدل. وفي الوقت الذي يكون فيه السلام مع إسرائيل بالنسبة للإسلاميين مرفوض لأسباب اديولوجية، فإن الكثيرين من اليساريين يعارضون ذلك لأسباب أخرى، كما يقول المحلل السياسي مورفي، “فهم يرون أنالحكومة قد تجاوزت تفويضها وصلاحياتها. فهي حكومة انتقالية ـ لكنها تتخذ قرارا له انعكاسات جدية وطويلة الأمد بالنسبة إلى البلاد”. والخطوة تعرض الحكومة الانتقالية للخطر. “هذا إملاء وضغط من الخارج”، يقول محمد وضاح، القيادي فيحزب البعث الاشتراكي في السودان، وأضاف “حزبنا سيسحب دعمه للحكومة الانتقالية”.
كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد؟
الآن هناك حاجة للدعم من أوروبا ومن الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، يقول مورفي. وبما أن العقوبات باتت الآن جزءا من الماضي، فبإمكان واشنطن أن تبحث إمكانية طرح برنامج إعادة هيكلة لديون السودان لدى صندوق النقد الدولي. فالسودان يجب أن يحصل بسرعة على مكسب، لأن الحكومة في الخرطوم أقدمت على مغامرة كبيرة، “والآن يجب أن تحصل على شيء في المقابل”.