كريتر نت – العرب
تشهد المنطقة تحولات كبرى على مستوى العلاقات العربية الإسرائيلية، من شأنها أن تغير التوازنات القائمة في المنطقة لعقود طويلة، وتنظر كل من مصر والأردن بحذر مشوب بالقلق حيال إمكانية تأثر وضعهما في المنطقة من هذه التحولات.
القاهرة – يجرف مسار السلام الجاري بين إسرائيل والدول العربية، معه الكثير من التداعيات الإقليمية على الصعيد الجيوسياسي، ويمكن أن يغير من توازنات ظلت جامدة لعقود طويلة في المنطقة، في ظل بوادر عن انخراط بلدان جديدة في هذا المسار، وهو ما قد ينعكس على حسابات البعض لاسيما ما يعرف بدول الطوق التي استقرت في أذهان صانعي القرار بها صيغة معينة في التعامل مع إسرائيل.
وقال وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، “إنّ ما تشهده المنطقة العربية حاليا من عمليات تطبيع يأتي في إطار تحوّلات تاريخية كبيرة، ومن منطلق قوة اقتصادية وعسكرية إسرائيلية، وفي إطار إصرار أميركي لتشكيل جبهة قوية تضم كلا من مصر والسودان والبحرين والإمارات في مواجهة محور الشّر الذي تقوده إيران وتركيا أردوغان”.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رجح الثلاثاء، انضمام نحو عشر دول في الشرق الأوسط إلى معاهدات السلام مع إسرائيل، حيث تسعى إدارته إلى تحقيق السلام بطريقة مختلفة عن الإدارات السابقة.
وأكد أنه يعمل حاليا مع خمس دول، هي: مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، ومتوقع وصول عددها إلى 9 أو 10 دول، ما يعني أن قطار السلام لن يتوقف عند محطة محددة.
تأتي الدول المحيطة بإسرائيل، المعروفة بدول الطوق العربية، وهي: مصر والأردن وسوريا ولبنان، في مقدمة الدول التي يمكن أن تتأثر بما يترتب على الواقع الجديد، عندما تصبح إسرائيل طرفا رئيسيا في كثير من أطر التعاون الإقليمي.
ورتبت هذه الدول أوضاعها على فكرتي، السلام البارد من قبل مصر والأردن، والعداء الساخن من جانب سوريا ولبنان، على اعتبار أن هناك موقفا عربيا شبه موحد حيال التعامل مع إسرائيل، مع ربط التطبيع بحل القضية الفلسطينية.
وأثرت تطورات إقليمية ودولية كثيرة على هذه المعادلة، وفرضت على بعض الدول العربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل من دون شرط التوصل إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية الأم، ما يعني أن هناك تحولات ستطال المفهوم التقليدي لدول الطوق العربية.
وكانت حدثت تغيرات نسبية في هذا المفهوم، الذي أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في ستينات القرن الماضي وسط استحكام العداء مع إسرائيل، بمجرد توقيع مصر على اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ حوالي أربعة عقود، والتفاهم على تطبيع العلاقات بينهما، ثم تلاها الأردن باتفاقية مماثلة منذ نحو ربع قرن.
لم يغير الاتفاق المصري أو الأردني في كثير من ثوابت العلاقة مع إسرائيل، أو القضية الفلسطينية، ومضى السلام في مسارات متعرجة، احتفظ فيها كل طرف بمواقفه السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولم يحدث تغيير عملي في المنطقة.
وبقيت سوريا ولبنان على حالهما في خندق ما يسمى بـ”المقاومة”، حتى جرت تطورات كبيرة في البلدين خلال السنوات الماضية، فرملت هذه الفكرة، بل إن لبنان بدأ اليوم مفاوضات لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وهو اعتراف ضمني جديد بها، يعني اهتزاز خارطة التفاعلات المشتركة.
ويرى مراقبون أن مصر والأردن غير متحمستين لتطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، في ظل خشية من أن تكون لهذه الخطوة انعكاسات قد تكون مضرة لكليهما، ما جعلهما تتعاطيان مع المسألة بدرجة من الفتور أو عدم الحماس.
وما يلفت الانتباه أن القاهرة وعمان لديهما علاقات جيدة مع الدول الثلاث التي وقعت اتفاقيات سلام مؤخرا (الإمارات والبحرين والسودان)، ومع الولايات المتحدة راعية هذه الخطوة، بجانب أنهما أول من وقعتا اتفاقيات مع إسرائيل.
يشير متابعون، إلى أن الأزمة تكمن في ارتياح الدولتين إلى الصيغة الباردة في التعامل مع إسرائيل، واستفادتا من الأوضاع الإقليمية النمطية، وكانت تدور في فلك النظر إلى إسرائيل من منطلق عدائي أكثر منه مبني على السلام، حتى لو اتخذت العلاقات الخفية لكل منهما مع تل أبيب اتجاها تعاونيا في ملفات تتعلق بقضايا أمنية حيوية.
مع توالي اتفاقيات التطبيع، تتجه العلاقات مع إسرائيل حتما إلى الخروج من العباءة السرية، ما يفرض على مصر والأردن ضرورة الانخراط فيها بصورة علنية، ما يحدد مجموعة من الأطر التي سوف تمضي فيها لاحقا، خاصة مع الميل نحو الدخول في علاقات ذات طابع تعاوني إقليمي، برعاية دولية.
تأتي العقدة من نعي المفهوم القديم لدول الطوق العربية، فبعد الأزمات في سوريا ولبنان، والتغيرات التي تلحق بالمنطقة بموجب التطبيع لم يعد لهذا المعنى وجود عملي، حيث كانت القاهرة وعمان أهم وكيلين في الوقت الحاضر في الحديث مع إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية.
ويأتي الدور الرئيسي من رحم التاريخ والجغرافيا، فضلا عن التشابكات الاجتماعية بالنسبة للأردن، حيث ينحدر ما يقرب من نصف شعبه من أصول فلسطينية، وهو ما يفرض عليه التزامات سياسية معينة.
يشير البعض من المراقبين، إلى أنه من حق الدولتين القلق من التطورات الإقليمية على وقع اتفاقيات السلام، ومن حقهما أيضا القلق على وضعهما في قلب القضية الفلسطينية، فقد أصبح عليهما التعاطي مع المستجدات وما تحمله من انعكاسات سياسية كبيرة، أو البقاء في الخندق الحالي بكل ما يحمله من تداعيات، فإذا استمر قطار السلام، سوف تتراجع القيمة الجيوسياسية للبلدين.
يؤكد متابعون أن الانزعاج المصري يختلف عن الأردني، فالأول مرده الأساسي الخوف من تغير علاقات الدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل من القاهرة، والدخول في اتفاقيات تعاون تؤثر على مصالحها الاقتصادية ومركزيتها في القضية الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من نتائج سلبية.
ويأتي الانزعاج الأردني (الثاني) من العبء الثقيل الذي سوف يترتب على بعض الحسابات مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والمقيمين في الأردن، ناهيك عن أن الأردن لطالما استفاد من الوضع السابق في علاقة مع تل أبيب، حيث لعب همزة وصل موثوقة بينها وبين الدول العربية.
اليوم يجد الأردن نفسه بين خيارين إما القيام بتغيير جوهري لناحيتي الانخراط في منظومة التطبيع في طبعتها الجديدة، وإما الرفض والإصرار على بقاء داخل صيغة تعايشت معها طويلا، مع ترجيح الخيار الأول الذي يبقى أقل كلفة.
قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، إن الموقف العام لا زال غائما، ومن الصعب توقع حدوث انفراجات وتحولات في ملف التطبيع قبل التأكد من فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، فالشكل المنقح من التطبيع يظل مرهونا بترامب والطاقم الذي أقنعه بالفكرة.
وأضاف لـ”العرب”، أن فحوى العلاقات مع إسرائيل، وفقا لمنهج ترامب، يقوم على إحداث صدمة في المفاهيم التقليدية، والتعامل بواقعية مع الأوضاع التي تكرس العداء لإيران بدلا من إسرائيل، مع مساحة واسعة من المصالح، بما يمكن معها تغيير وجه المنطقة، وإعادة صياغتها بصورة تنهي فكرة العداء القديم.
في جميع الأحوال، هناك عواصف تهب على المنطقة منذ فترة، سوف تمتد نتائجها لدول الطوق العربية، لذلك عليها أن تتحسب مما يرافقها من تأثيرات جيوسياسية لاحقا، والتعامل معها برؤية عملية من خلال تحديد الأولويات وفقا لمستجدات الحاضر ودورها في تغيير الخارطة الإقليمية في المستقبل.