كتب : محمد علي محسن
لم يكن الرئيس ترامب سيئـًا في حسابات الاقتصاد والتجارة ومعدلات التضخم والبطالة؛ لكنه كان آفة عنصرية قاتلة لروح الأمة الأمريكية .
أكبر معتوه ومغرور حكم أمريكا ، فهو يماثل قادة الفاشية والنازية ،كما ولا يختلف عن إقطاعي جنوبي ابيض حارب وبضراوة كيما تبقى الولايات الجنوبية خارج سياق التاريخ والمنطق الانساني .
قرأت تاريخ الرؤساء الامريكيين، بدءا من جورج واشنطن وخليفته جون آدمز، وانتهاء بالرئيس ال 44 باراك أوباما، فلم أعثر في سيرة كل الرؤساء السابقين شخصية غريبة الأطوار تماثل الرئيس الملياردير دونالد ترامب .
فمنهم من اغتيل أو مات ، ومنهم من فشل، ومنهم من أقيل بعد ان أُدين بتهمة ما ،ومنهم من تورط بتدخلات خارجية، وبينهم من حنث باليمين في قضايا تجارية او سياسية او اخلاقية؛ لكنني لم أعثر عن رئيس بهذه الصفات والتصرفات التي قام بها او يقوم الرئيس المنتهية ولايته .
ولهذا لا أتوقع انه سيستسلم بسهولة ويقبل الهزيمة، بل ولن يكتب رسالة لخلفه أو يبادر بتهنئته كتقليد بات متبعًا بين الرؤساء. فكل هذه الاعراف والنظم لا تساوي لديه شيئا، فيكفي انه أقال قبل، يومين وزير دفاعه ” مارك إسبر ” بتغريدة في ” تويتر ” .
هو لا يبالي باحد ، أو يراعي شعور أحد ، أو يلتزم بمعايير أو نظام ، فالمهم هو وجهه وفعله وخطابه، فهذه فقط ينبغي ان تسلط عليها الكاميرات والاهتمامات والاعجابات .
نعم ، إنَّه جنون العظمة، والأخطر في الموضوع اننا نتحدث عن رئيس امريكي وليس حاكمًا ديكتاتوريًا في بلاد العرب، ما يعني ان الفترة القابلة ستكون أشبه بمهزلة ، وستصل مشاهدتها لكل اصقاع المعمورة .
تذكروا أن ترامب يستحيل ان يتقبل خسارته ، وسيظل في البيت الأبيض منافحًا عن فوزه والى أخر لحظة، فهذا الصنف هو اقرب للقذافي وبشار وصالح ومبارك وسواهم من الحكام المستبدين ،الفارق ان ترامب في أمريكا حيثما توجد مؤسسات دولة ثابتة وقوية.
فمن يقرأ سيرته الذاتية سيكتشف حقيقة جوهره وكيف صنع امبراطوريته من تجارة العقارات وصالات القمار واستغلال النفوذ وابتزاز المنافسين ؟.
تاجر مغرور وجشع ولا يفقه غير لغة الربح والخسارة، وهذه لغة ربما ضلَّلت الملايين، بل وربما نجحت في اغراء وشراء مواقف الكثير من النخب والساسة والحكام والمحتاجين .
في المحصلة لم تجد نفعًا حيال عظمة أهان كبريائها، ودولة مزَّق نسيجها ، وديمقراطية شكك في نزاهتها ، ورئاسة أحالها لشرطي وعصا غليظ للأبتزاز وصفقات البيع والشراء .
ترامب جهل حقيقة النمو المتزايد لمن كانوا في الأمس اقليات عرقية من أصول لاتينية في ولايات مثل أريزونا ونيفادا ، إذ بات هؤلاء اكثر من ثلث السكان في الولايتين ، بل إن الأقلية اللاتينية قد أصبحت أغلبية في بعض الولايات، أو أنها بصدد أن تصبح أغلبية في السنوات القليلة المقبلة.
وفي ولاية نيو مكسيكو يشكلون أغلبية السكان وبنسبة 52 % ، وفي ولايتي كاليفورنيا وتكساس فإن الناطقين بالإسبانية اقتربت نسبتهم من النصف، إذ يمثلون اليوم 44% من تعداد سكان كل ولاية، بينما تفاوتت نسبتهم في بقية الولايات ما بين 25% في كولورادو ، و27 في فلوريدا ، و20 % في ولاية إلينوى .
ترامب استفز الأقليات وبشكل فظ ووقح ،فكان الرد في صناديق الاقتراع ، فلأول مرة في تاريخ الانتخابات الامريكية يكون التصويت بهذه الحدة من الانقسام الأهلي العميق والواصل لكافة الفئات المجتمعية .
الولايات المتحدة بعد سقوط الرئيس ترامب يستلزمها على الأقل عقدين من الوقت، كي تعالج وترمم ذلك الأنقسام الخطير الذي صنعه الرجل المهووس والمغرور خلال فترة اربعة أعوام من حكمه، فأيا كان قد خسر المعركة إلَّا انه لا أحد يمكنه تجاهل اكثر من سبعين مليونًا صوتوا له ، فضلا عن فوزه في نصف الولايات الخمسين تقريبا .
توقع بعض الخبراء بان امريكا ستتغير كثيرًا بعيد انتخابات العام 2020م، وطبعًا ذهب هؤلاء لحد التنبوء ببروز مطالبات ونزعات انفصالية من جهة الأقليات العرقية، خاصة الناطقين بالاسبانية ، وكذا ذو الأصول الافريقية، ومرد هذه التوقعات الزيادة السكانية في الولايات المعروفة باللاتينية والواقعة على طول الخط الممتد من تكساس الى كاليفورنيا .
ومع كل ما قيل وسيقال عن امريكا الدولة المركبة المكونة من قوميات ولغات مختلفة، ستبقي امريكا موحدة وقوية ما بقيت فيها الحرية والعدالة والمساواة حاضرة ومتجسدة وقابلة بالتجديد والانفتاح والتطور .
ويا ليت المسألة توقفت عند الأقليات اللاتينية أو الافريقية، فلم تسلم منه عائلته بسبب مغامرات زواجه وعلاقاته وتحرشاته الواصلة للمحاكم، ناهيك عن خصوماته العائلية ، وليس اخرها مع بنت شقيقه ، الطبيبة النفسية ” ماري فريد ترامب ” بسبب مؤلفها الذي وصفت فيه عمها الرئيس دونالد ترامب بانه أخطر رجل في العالم، ذاكرة فيه لتفاصيل دقيقة في كنف ” العائلة المسمومة ” وفق كتابها الذي رفضت المحكمة وقف نشره بناء على طلب محامي ترامب .
واذا كان جنونه طال عائلته واقاربه واصدقائه فكيف بالشعب الأمريكي الذي تعاطى معه ككتلة مادية خالية من أي شعور او احساس، وبرغم فلاحه في إنتزاع مكاسب مادية مهمة ومؤثرة في لغة الاقتصاد والنمو والانتخاب ؛ لكنه من جهة كان قد أهان بلده وأظهره كوحش نهم لا يتورع عن أكل وهضم كل ما يراه امامه.
رأيناه يحط من قدر العرب والمسلمين وبجرة قلم، فلم يجرؤ احدا قبله بنقل سفارة امريكا الى القدس ، ومنذ قرار الكونغرس في عهد الرئيس ” كلينتون “.
كما وأراد انفاذ صفقة القرن ووفق مشيئته ودون موافقة الفلسطينيين، بل وبالغصب والجبروت والابتزاز أراد رسم خارطة جديدة لفلسطين وبناء على رغباته وأوهامه الانجيلاكانية المتماثلة مع اساطير ” بنيامين نتانياهو ” التوراتية، وكلاهما ناسفان لكل القرارات والمرجعيات الدولية.
أمـَّا الصينيون والكوريون واليابانيون فلم يكتف باستفزازهم، إذ وبكل وقاحة أطل في وسائل الاعلام محتفيًا بتكبيد الصين 20 تريليون دولار ، وبتأخير تقدمها عقدين من الزمن. فضلا عن إلزام حكومات سيوول وطوكيو بدفع المال لخزينته نظير مستوجبات الحماية لهما، فلا يعقل ان ينافسان صناعيًا أمريكا الحامية لهما ؟ .
والحال كذلك مع قطع ترامب لمساعدات بلاده لمنظمة الصحة ولليونسكو وللانرواء، وثلاثتهم منظمات تابعة للامم المتحدة ،والاخيرة بالذات معروفة بدعمها للاجئين الفلسطينيين . علاوة لإغلاق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن ، وقطع المساعدة المالية المقررة لسلطة رام الله.
هذا هو الرئيس المجنون ” دونالد الفريد ترامب ” ولمن جهل أو يجهل سيرة الرجل أنصحه بقراءة كتاب ثمين للمؤلفين ” مايكل كرانش ” و ” مايك فيشر ” ، وصدر قبل انتخابات 2016م وعنوان غلافه ” ترامب بلا قناع ..رحلة من الطموح والغرور والمال والنفوذ ” ونشر عن دار الساقي بلبنان عام 2017م، ترجمة ابتسام بن خضراء ، وهو بالفعل أكملُ وادقُّ سيرة كتبت عن ترامب .