“المحجوبات” للأميركية مارغوت لي شيترلي تحول فيلماً بدعم من باراك أوباما
كتب : علي عطا
المحجوبات: نساء أخفتهن ناسا”، هو عنوان الترجمة من الإنجليزية إلى العربية التي أنجزها المترجم المصري أحمد شافعي لكتاب عنوانه الأصلي هو “المحجوبات، الحلم الأميركي والقصة المجهولة لعالمات الرياضيات السوداوات اللاتي أسهمن في الفوز بسباق الفضاء”، للكاتبة مارغوت لي شيترلي. وجاءت الترجمة التي أصدرتها مكتبة “تنمية” في 560 صفحة من القطع المتوسط، بالتعاون مع “برنامج الكتاب العربي” الذي ترعاه السفارة الأميركية في القاهرة، ويعمل مع دور نشر مصرية عدة على “ترجمة ونشر كتب تعبر عن الثقافة والقيم الأميركية”.
يتألف الكتاب الذي تحول إلى فيلم من بطولة تاراجي بي هينسن، وأوكتافيا سبنسر، وجانيل مونيه، وكرستن دانست وكيفن كوستنر، وإخراج ثيودور ملفي، من 23 فصلاً، ويستهل بالملاحظة التالية للمؤلفة: “الزنوج والملونون والهنود والبنات… قد لا تستسيغ آذان بعض القراء المحدثين لغة هذا الكتاب، لكنني بذلتُ كل محاولة في وسعي لأبقى مخلصة للفترة الزمنية وللأصوات الفردية التي نطقت بها النساء الممثلة في هذه القصة”.
وفيلم “هايدن فيغورز” أُنتج في 2016 وترشحت إحدى بطلاته، أوكتافيا سبنسر لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة في العام 2017، وشارك مخرجه في كتابته مع السيناريست أليسون شرويدر، وقد حظي بدعم معنوي من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ديسمبر 2016، علماً أن أحداثه المستقاة من كتاب شيترلي، تدور حول عالمة الرياضيات كاثرين جونسون وزميلتيها دوروثي فون، وماري جاكسون، باعتبارهن العقول المدبرة وراء الإطلاق التاريخي لرائد الفضاء جون جلين، ليصبح أول أميركي يدور حول الأرض عام 1960، وتمكنت النساء الثلاث من أصول أفريقية في هذه المهمة من حفر أسمائهن في التاريخ، خصوصاً بعد صدور هذا الكتاب الذي تميز بلغة أدبية وحبكة درامية أهلته لأن يتحول إلى فيلم سينمائي.
كتابة وتحليل
في المقدمة تقول مارجوت لي شيترلي (1969)، بالنسبة إلى كاتبة تكتب للمرة الأولى، بلا خلفية في التاريخ، تبدو المخاطرة كبيرة للغاية، وخصوصاً مع تعلق الكتابة بموضوع غائب غياباً تاماً وفعلياً عن كتب التاريخ. إنني واعية تماماً بالتنافر البادي في عبارة (اختصاصيات الرياضيات السوداوات في ناسا)، وقد كنتُ أعرف منذ البداية أنني سوف أطبق على بحثي المنطق التحليلي الذي طبقت أولئك النسوة مثله على أبحاثهن، فمع الإثارة المصاحبة لاكتشاف الاسم تلو الاسم، يتبين أن التعرف على هوياتهن هو الخطوة الأولى وحسب، ويصبح التحدي الحقيقي هو توثيق عملهن، فالأكثر إدهاشاً من ضخامة عدد النساء السوداوات والبيضاوات اللاتي اختفين في مهنة طالما عُدت مقصورة على الرجال (والبيض من الرجال على وجه التحديد) هو حجم العمل الذي تركنه وراءهن، وذلك كان الاكتشاف الحقيقي”.
من أولئك النساء، دوروثي هوفر، التي عملت بإشراف روبرت تي جونز سنة 1946، ونشرت البحث النظري عن أجنحة الدلتا المثلثة التي اشتهر بها سنة 1951. وهناك دوروثي فون، التي عملت مع “حاسبات الشرق” البيضاوات على تأليف كتاب مدرسي في مناهج الجبر لرفيقاتهن الدائمات من الآلات الحاسبة، وماري جاكسون، التي دافعت عن تحليلاتها أمام جون بيكر أحد أبرز متخصصي ديناميكا الملاحة الجوية في العالم. وكاثرين كولمن جوبل جونسون صاحبة وصف المنحنى الفضائي لرحلة جون جلين، التي توشك الرياضيات في تقريرها الصادر سنة 1959 أن ترقى إلى بلاغة العمل السيمفوني ودقته وعظمته، بحسب شيترلي.
كاثرين جونسون، تظل هي الأشهر بين جميع “حاسبات ناسا البشرية”، من السود أو البيض. تبلغ قصتها من القوة أن تعدها تواريخ كثيرة المرأة السوداء الأولى التي عملت اختصاصية رياضية في ناسا، أو السوداء الوحيدة التي عملت في تلك الوظيفة.
غياب عن متن التاريخ
ترى شيترلي أن عدم قدرة منجزات كاثرين جونسون نفسها على مضاهاة بعض الأساطير التي نشأت حولها، لعلامة على فداحة الفراغ الناجم عن غياب الأميركيين الأفارقة الطويل عن متن التاريخ، فالتاريخ يفرض منذ وقت طويل للغاية حالة ثنائية على مواطنيه السود، إما أن يكونوا مغمورين عديمي الأسماء، أو يكونوا مشهورين تطبق أسماؤهم الآفاق، نكرات أو طفرات، متلقين سلبيين لقوى التاريخ أو أبطالاً خارقين ذوي مكانة أسطورية، لا بسبب أفعالهم وحدها، بل وبسبب ندرتهم أيضاً”.
أما بالنسبة إلى ماري جاكسون، مثلاً، فهي “بقيت راسخة في سعيها إلى مثال النصر المزدوج للأميركيين الأفارقة وللنساء، فكانت سنوات ما بعد الهبوط على سطح القمر زمان تغيير واختيار”.
وتقول شيترلي في إطار كشفها لمنجزات كاد يطويها النسيان، “قبل أن يتحول الحاسب الحي إلى حاسوب جامد، وقبل أن تنشأ في هيوستن وحدة التحكم (منشأة في تكساس معنية بإدارة رحلات البرنامج الفضائي)، وقبل أن تغير “سبوتنيك” مسار التاريخ، وقبل أن تتحول “ناكا” إلى “ناسا”، وقبل أن تنص قضية براون ضد مجلس التعليم (انتهت هذه القضية بحكم 1954 التاريخي، الذي حظر الفصل العرقي في جميع مدارس الولايات المتحدة) على أن الفصل العنصري ليس من أفعال المساواة، وقبل أن يردد مارتن لوثر كينج قوله الشعري، “إن لدي حلماً” من أعلى درج نصب أبراهام لونكلن التذكاري، كانت حاسبات الغرب في لانجلي يساعدن أميركا في السيطرة على علم الملاحة الجوية وأبحاث الفضاء وتكنولوجيا الكومبيوتر، وكن قد حفرن مكاناً لأنفسهن كنساء اختصاصيات في الرياضيات وسوداوات في الوقت نفسه، وكاختصاصيات سوداوات في الرياضيات ونساء في الوقت نفسه. بالنسبة إلى مجموعة من النساء الأميركيات الأفريقيات الذكيات الطموحات المؤهلات تماماً للعمل في الرياضيات، الحريصات على إحداث شق في البنيان الأكبر، لا بد من أنهن شعرن بأن هامتن في فرجينيا هي مركز الكون”.
معلمة الرياضيات الملهمة
ولا شك في أن كاثلين لاند، اختصاصية الرياضيات المتقاعدة من “ناسا”، كانت الملهمة الأولى للمؤلفة في كتابة هذه القصة التي تعتبر متن هذا الكتاب الذي استغرقت كتابته نحو خمس سنوات. في العام 2010 كانت لاند لا تزال تعيش وحدها وقد تجاوزت التسعين، عندما تبادلت معها شيترلي أطراف الحديث عقب حضورها صلاة في كنيسة بلدتها هامتن بعد سنين طويلة من البعد عنها، وتذكرت أن تلك السيدة التي لم يفتها يوماً قداس الأحد في الكنيسة، “كانت من أحب المعلمات إلى قلبي في مدرسة الأحد الكنسية”، بالتالي وجدت نفسها تشعر بأنها نتاج لـ”ناسا”، “بقدر ما كان الهبوط على القمر نتاجاً لوكالة الفضاء الأميركية”. والجدير بالذكر هنا أن كاثلين لاند توفيت في عام 2012 عن 96 عاماً.
وترى شيترلي في مدخلها إلى متن هذا الكتاب أن، “ليس للعبقرية لون، ولا للقوة جنس، ولا للشجاعة حد. قبل أن يدور أميركي حول الأرض، أو يخطو آخر على سطح القمر، كانت بعض ألمع العقول الأميركية التي عرفت بالحاسبات البشرية تدون بأقلام الرصاص، مستعينة بالآلات الحاسبة البدائية، حسابات توجيه الصواريخ وإطلاق رواد الفضاء إلى السماء. ابتداء بالحرب العالمية الثانية، ومروراً بالحرب الباردة، ووصولاً إلى سباق الفضاء، يحكي كتاب “المحجوبات” حكاية قوية وكاشفة، حكاية عن العنصرية والتمييز العرقي والانتصارات في هذا العالم. قصة حقيقية أسطورية لنساء سودوات، عملن اختصاصيات في الرياضيات في وكالة الفضاء الأميركية ناسا، فأسهمن في تحقيق أعظم منجز فضائي للولايات المتحدة على مدار تاريخها”.
وترى المؤلفة أن فكرة تعيين نساء سوداوات للعمل كاختصاصيات رياضيات في مقر “ناسا” في الجنوب الأميركي، في أيام التمييز العنصري، “تعكس توقعاتنا وتتحدى كثيراً مما نتصور أننا نعرفه عن تاريخ الولايات المتحدة”.
في مراحل البحث الأولى لهذا الكتاب، أطلعت المؤلفة خبراء في تاريخ الوكالة الفضائية على التفاصيل التي وجدتها، فلقيت منهم التشجيع. تقول، “يمكنني أن أورد أسماء خمسين امرأة سوداء عملن حاسبات واختصاصيات رياضيات ومهندسات وعالمات في معمل لانجلي التذكاري لعلوم الملاحة الجوية من 1943 إلى 1980. عملن في ناكا (اللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية) ثم في ناسا بعد ذلك، ولم يعترف بإسهاماتهن ولا بإسهامات النساء البيضاوات، اللاتي تألفت منهن غالبية قوة العمل الحسابية في لانجلي، على مدار سنين. لقد انضمت خمس نساء بيضاوات إلى أول فريق حسابات في لانجلي سنة 1935” (الكتاب صـ 20).
مصادر بحث متنوعة
اعتمدت شيترلي على مصادر وردت عناوينها في 13 صفحة في ختام الكتاب. مصادر أرشيفية تقليدية وإلكترونية، وحوارات شخصية، وتاريخ شفوث مفرغ، ووثائق غير منشورة، وكتب ودراسات مختارة، ومقالات. نشأت مارجوت لي شيترلي في هامتن بفرجينيا، حيث عرفت كثيرات من النساء الواردات في الكتاب، وهي زميلة مؤسسة ألفريد سالون، حاصلة على منحة مؤسسة فرجينيا للعلوم الإنسانية عن بحثها في “تاريخ النساء الحاسبات”.
يتألف الكتاب من 23 فصلاً، فضلاً عن مقدمة وخاتمة، وهوامش للمترجم، وأخرى للمؤلفة، التي تهديه على النحو التالي، “إلى والديَّ، مارغريت جي لي، وروبرت بي لي، وجميع النساء اللاتي قامت على أكتافهن وكالتا ناكا وناسا”. أمها أستاذة الإنجليزية في جامعة هامتن، ووالدها عالم في “ناسا”، وهما ساعداها في إجراء مكالمات وترتيب حوارات وتنسيق لقاءات، والتنقيب في ذاكرتيهما بحثاً عن أسماء وأحداث… “ووفرا سياقاً واقتراحات لحكي التاريخ، وحضرا محاضراتي، وتوجها في الصباح المبكر وفي آخر الليل إلى المطار، واستقبلا طروداً، وأتاحا لي بكرم أن أحيل بيتهما إلى مكتب، ودعما كتابتي دعماً لا سبيل إلى حصره”.
في الختام تقول شيترلي: “هذا هو السؤال الذي غالباً ما يُطرح كلما حكيتُ للناس عن النساء السوداوات اللاتي عملن اختصاصيات رياضيات في ناسا، لماذا لم أسمع هذه القصة من قبل؟ في هذه المرحلة، وقد مر أكثر من خمس سنوات منذ أن بدأت مرحلة البحث من أجل ما سيصبح هذا الكتاب، واجهتُ هذا السؤال مرات أكثر من قدرتي على الإحصاء”.
نقلا” عن أندبندنت عربية