قلق داخل واشنطن وطهران من خطط ترمب لإشعال حرب قبل مغادرته البيت الأبيض
كتب : إنجي مجدي
في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وتزامناً مع الذكرى الـ41 لقيام مجموعة طلاب من أنصار مرشد الثورة الإيرانية السابق روح الله الخميني، باحتجاز 52 دبلوماسياً أميركياً داخل السفارة الأميركية في طهران كرهائن لمدة 444 يوماً، غرد وزير الخارجية، مايك بومبيو، مطالباً السلطات الإيرانية بالإفراج عن محتجزين أميركيين لدى طهران، ووقف ما وصفه بـ”الحملة البشعة لاحتجاز الرهائن”.
وتحل اليوم (14-11-2020)، ذكرى توقيع الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الأمر التنفيذي رقم 12170، الذي جمد أصول الحكومة الإيرانية في الولايات المتحدة؛ ذلك القرار الذي جاء بعد 10 أيام من احتجاز الرهائن، والذي سجل المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس أميركي السلطات الموسعة التي يوفرها قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977 (IEEPA)، لكنها لم تكن آخر مثال على الضغط الاقتصادي الأميركي الذي بات استراتيجية أساسية في التعامل الأميركي مع إيران منذ ثورة 1979 التي أطاحت نظام الشاه.
استراتيجية العقوبات
بحسب مراقبين، هناك أكثر من ثمانية أوامر تنفيذية نشطة ضد إيران، يبدأ كل منها بإعلان “حالة طوارئ وطنية”، وينطوي على تطبيق عقوبات ضد البلاد والعديد من كياناتها وأفرادها.
وصممت هذه الإجراءات، جنباً إلى جنب مع تشريعات بالعقوبات التي سنها الكونغرس، للتعامل مع مجموعة كاملة من القضايا، بما في ذلك حقوق الإنسان، والملف النووي، وانتشار الصواريخ، وصولاً إلى تمويل كيانات إرهابية تعمل كوكلاء للنظام الإيراني في دول الشرق الأوسط.
حدد قرار استهداف أصول الحكومة الإيرانية بالعقوبات في نوفمبر 1979، سياق العلاقات الأميركية – الإيرانية منذ ذلك الحين، إذ اعتمدت واشنطن بشكل متزايد على الضغط الاقتصادي ضد طهران، والذي شهد فورة غير مسبوقة خلال السنوات القليلة الماضية في ظل إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، كان أحدثها مرسوماً صدر نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، يجيز فرض عقوبات اقتصادية شديدة بحق أي بلد أو شركة أو فرد يسهم في تقديم وبيع ونقل أسلحة تقليدية إلى إيران. وبناءً على ذلك، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في العاشر من الشهر الحالي، عقوبات جديدة على أربعة أشخاص وست مؤسسات لارتباطها بالنظام الإيراني، منهم مواطنون وشركات صينية.
وتشير كيت هيويت وريتشارد نيفيو، الباحثان لدى معهد بروكينغز (مركز أبحاث في واشنطن)، إلى أنه عندما بدأت أزمة الرهائن، لم يكن لدى الولايات المتحدة عقوبات رسمية ضد إيران. ومع ذلك، فور اندلاع الأزمة، سعى الرئيس كارتر إلى خيارات للضغط على طهران، واختار العقوبات لأنها بمثابة مصدر ألم للإيرانيين؛ لتحفيزهم على إطلاق سراح الرهائن بسرعة، وتحذيراً من أن واشنطن يمكنها أن تصعد إلى خيارات أخرى، بما في ذلك القوة العسكرية، إذا لزم الأمر.
وبدأ كارتر بحظر التجارة العسكرية والنفطية مع إيران، وتقدم بسرعة إلى الخيار الأكثر عدوانية لتجميد الأصول بموجب الأمر التنفيذي 12170.
لم ينضم كثيرون للجهود الأميركية في الضغط على طهران طوال عام 1980، فيما انضم آخرون لاحقاً، وكانت حكومات قليلة على استعداد لقطع واردات النفط من إيران، في حين حظرت البرتغال، أول حليف رئيس للولايات المتحدة، جميع أنواع التجارة مع إيران في أبريل (نيسان) 1980.
وأوقفت اليابان، أكبر مُشترٍ للنفط الإيراني في ذلك الوقت، جميع الواردات منها بعد أشهر من بدء أزمة الرهائن التي استمرت 15 شهراً.
في النهاية، وافق وزراء خارجية الدول الأوروبية على تقليص العلاقات المالية والدبلوماسية مع طهران، بينما فرضت أستراليا تدريجياً حظراً تجارياً من دون شروط على جميع السلع الإيرانية باستثناء المواد الغذائية والأدوية.
وعلى عكس الأوروبيين الذين فرضوا عقوبات فحسب على العقود الجديدة، أو تلك التي دخلت حيز التنفيذ بعد نوفمبر 1979، أعلنت أستراليا أن عقوباتها ستكون على كل عقد غير غذائي مع إيران حتى يتم إطلاق سراح الرهائن.
واستدعت الدنمارك وبريطانيا والنرويج وأستراليا سفراءها من إيران، وأقرت حكومتا الدنمارك والمملكة المتحدة عقوبات اقتصادية خاصة بهما، تبعتها بعد فترة وجيزة ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا، كما حظرت كندا جميع الصادرات إلى إيران.
تأثير العقوبات
كان للتأثير التراكمي للعقوبات أثر كبير على الاقتصاد الإيراني. وكان الإجراء الأميركي الأكثر فاعلية تجميد الأصول، الذي “شل فعلياً 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية، بما في ذلك معظم احتياطاتها من العملات الأجنبية المتاحة”، وفقاً لروبرت كارسويل وريتشارد جيه ديفيز في كتابهما “الرهائن الأميركيون في إيران: إدارة الأزمة”، الصادر عام 1985. استفادت واشنطن من حقيقة أنه بعد اضطرابات الثورة، كان الإيرانيون ما زالوا يحتفظون باحتياطات كبيرة من الأصول في الولايات المتحدة. وبالتالي، كانت واشنطن في وضع يمكنها من ممارسة ضغوط حادة وموجهة ومدمرة للغاية تتعلق بنقطة ضعف رئيسة في ذلك الوقت.
ويقول مراقبون إن التأثير التراكمي للتكاليف المحددة التي فرضتها واشنطن، إلى جانب الضغط المالي والدبلوماسي الدولي المتزايد للإفراج عن الرهائن، كان فعالاً في إقناع الإيرانيين بالتفاوض.
وأفرج عن الرهائن في 20 يناير (كانون الثاني) 1981، بموجب اتفاقية الجزائر التي وقعت بين الطرفين بوساطة جزائرية في 19 يناير 1981، والتي انطوت أيضاً على عملية تحكيم دولي تفاوض بموجبها الطرفين على حلول للنزاعات التجارية الناشئة عن الثورة، مثل العقود التي ألغيت. وفي يناير عام 2016، حصلت إيران على 1.7 مليار دولار في عملية تسوية لعقود عسكرية تعود إلى ما قبل الثورة.
ويشير مراقبون إلى أن الدرس الذي تعلمته جيداً الولايات المتحدة، أن حسابات التكلفة والفوائد هي المرشد الفعلي للتصرفات الإيرانية. وكل رئيس أميركي سعى إلى استخدام العقوبات ضد إيران فعل ذلك، مع توقع إمكانية قيادة حسابات طهران نحو سياسات أكثر إيجابية. لهذا السبب، اعتبر صانعو السياسة الأميركيون العقوبات مصدراً مفيداً للضغط وردع دعم إيران للإرهاب أو انتهاكات حقوق الإنسان أو تطوير الأسلحة النووية، كما أظهرت تجربة أزمة الرهائن مزايا وقيود ممارسة الضغط المتعدد الأطراف على إيران؛ إذ استفادت الولايات المتحدة من تعاون شركائها.
انتقادات
مع ذلك، انتقدت إدارة الرئيس ريغان، اتفاقية الجزائر التي عقدها سلفه، واعتبرها تنازلاً هائلاً لصالح عمل إرهابي. وربما تعلمت إيران أنها يمكنها أن تولد نفوذاً للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، بحسب مركز بروكينغز؛ إذ وصفت طهران توسعها النووي في الفترة بين عامي 2006 و2013، بأنه وسيلة لتوليد النفوذ للمفاوضات، فضلاً عن تطوير القدرة النووية الإيرانية. وبالمثل، قد ترى طهران أهمية لسلوكها الإقليمي المزعزع للاستقرار في دول الجوار، كوسيلة ليس فحسب لتعزيز مصالحها الأمنية، ولكن أيضاً لخلق مصادر للضغط ضد خصومها، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وثمة صقور داخل الولايات المتحدة ليسوا مقتنعين بهذا النمط من التعامل مع إيران، ومنهم جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترمب، والذي انتقد في كتابه، الصادر في يونيو (حزيران) الماضي، رفض الرئيس الأميركي توجيه ضربة عسكرية لطهران بعد إسقاط طائرة مسيرة أميركية في يونيو 2019.
ضربة محتملة
بالعودة إلى تغريدة بومبيو بشأن استمرار إيران في احتجاز مواطنين أميركيين أبرياء داخل سجونها، وبالنظر إلى المشهد السياسي المضطرب في الولايات المتحدة وسط التنازع على نتيجة الانتخابات الرئاسية، فربما يستغل الرئيس الحالي الذي سيسلم السلطة رسمياً في 20 يناير 2021، سلطته خلال الأيام المقبلة في توجيه ضربة عسكرية لإيران لتوريط خصمه السياسي.
وأثار قرار ترمب بإقالة وزير دفاعه، مارك إسبر، وإسناد المهام لكريستوفر ميللر، رئيس المكتب الوطني لمكافحة الإرهاب، وقبل ذلك برنامج “العمليات الخاصة” للبنتاغون، الخوف داخل واشنطن، وفي إيران، من أن ترمب ربما يخطط لإشعال حرب مع إيران قبل مغادرته البيت الأبيض.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، أعرب مسؤولو وزارة الدفاع بشكل خاص عن مخاوفهم من أن الرئيس قد يشرع في عمليات، سواء كانت علنية، أو سرية، ضد إيران أو خصوم آخرين.
وقال إسبر لوسائل الإعلام في أوائل يناير 2020، إن “الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب مع إيران. نحن نسعى لحل دبلوماسي”، وناقض علانية ادعاء ترمب بأن الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي قتل في عملية جوية، كان يخطط لهجمات على أربع سفارات أميركية حول العالم. وهناك خلافات بين ترمب وإسبر منذ الاحتجاجات التي فجرها مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، في مايو (أيار) الماضي.
ومع رحيل إسبر واستبدال وزير دفاع جديد به بالإنابة في الأسابيع الأخيرة من رئاسة ترمب، يمكن تمهيد المسرح لحرب أميركية – إيرانية.
وحذرت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، من بين آخرين، من أن القرار دليل على نية ترمب “زرع الفوضى” في أيامه الأخيرة في منصبه.
وفي وقت مبكر من العام الحالي، وافق مجلسا النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي على قرار يطالب الرئيس بعدم إطلاق أي عمل عسكري من دون موافقة الكونغرس، غير أن الرئيس الأميركي استخدم، في مايو الماضي، حق الفيتو ضد قرار الكونغرس. وقال ترمب في بيان للبيت الأبيض، إن القرار مهين جداً وخطير؛ إذ إنه من شأنه أن يضعف قدرات الرئيس على حماية القوات الأميركية ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
نقلا” عن أندبندنت عربية