كريتر نت – العرب
لا يرفع التونسيون من سقف توقّعهم بخصوص زيارة الرئيس قيس سعيد إلى قطر بسبب تخلي الدوحة عن تنفيذ وعود سابقة سبق أن قدمتها لتونس، وخاصة خلال فترة قيس سعيد، في وقت يقول فيه مراقبون إن قطر تبحث من خلال هذه الزيارة ووعود الدعم التي تطلقها على استثمار شعبية قيس سعيد لحماية نفوذها في تونس وليبيا.
وما كان يغيب عن العين القطرية التي تلتقط التغيرات الشعبية على الأرض وتستثمر فيها، بأن الرئيس سعيد حافظ على شعبيته بعد سنة من الانتخابات في حين واجه صديقها القديم زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي استجوابات وتصويتا لسحب الثقة في البرلمان نجا منها بالكاد، ولا يزال يدفع ثمنها سياسيا حتى داخل حزبه.
ويقول المراقبون إن قطر، التي يقابل حضورها برفض واسع داخل الطبقة السياسية في تونس، تراهن على صداقة قيس سعيد الذي يكسب ثقة طيف واسع من السياسيين، كما تتميز علاقته بوسائل الإعلام بالاستقرار، من أجل العودة إلى تونس كنقطة ارتكاز في علاقتها بالملف الليبي الذي يشهد تطورات كبيرة قد تكون على حساب أجندات قطر وحلفائها الإسلاميين.
وفيما كانت المفاوضات تجري بين الفرقاء الليبيين في أكثر من مدينة خارجية للوصول إلى خارطة طريق تقود إلى الحل السياسي، كانت الدوحة توقع اتفاقيات أمنية وعسكرية مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، بهدف استثمارها لاحقا في إفشال التفاهمات حول المرحلة الانتقالية في ليبيا.
ووقّع وزير الدفاع في حكومة الوفاق الليبية، وقبله وزير الداخلية فتحي باشاغا، اتفاقيات مع قطر في مجال التدريب الميداني وتطوير القدرات العسكرية، شأنها شأن تركيا، ما يحوّل هذه الاتفاقيات إلى عنصر من عناصر التوتير، فضلا عن إلزام الحكومات القادمة بوجود قطري وتركي غير مرغوب فيه.
وتقول وسائل إعلام قطرية إن الدوحة ستتعهد بدعم اقتصادي إضافي لتونس، وتتحدث عن توقيع 80 اتفاق ومذكرة تفاهم، وبرمجة 3 مليارات دولار استثمارات، و500 مليون دولار وديعة لدعم احتياطات تونس.
لكنّ المراقبين لا يثقون في الوعود القطرية بسبب تعهدات سابقة لم يتم تنفيذها سواء ما تعلق بالاستثمارات أو انتداب الآلاف من الشبان التونسيين، فضلا عن فشل الدوحة في الإيفاء بتعهدات مباشرة لفائدة مشاريع صحية واقتصادية تبناها الرئيس سعيد في برنامجه الانتخابي وسبق أن تعهّدت بتمويلها.
وخلال آخر لقاء بين الرئيس سعيد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، دعا الرئيس التونسي إلى ضرورة تمويل الدوحة مصحة الأغالبة الطبية بقطع النظر عن “الأوضاع السياسية التي تمر بها تونس”، وهو ما فهم منه أن المقصود هو الخلاف مع النهضة.
لكنّ قطر لم تستجب إلى الآن لرغبة قيس سعيد بتمويل هذا المشروع المهم في سياق رغبة الرئيس التونسي في تحقيق وعوده الانتخابية والحفاظ على شعبيته من خلال مشاريع في ولايات الداخل التي ما تزال تعيش التهميش بعد ثورة 2011، في حين يقول متابعون للشأن التونسي إن الدوحة لا يمكن أن تدعم قيس سعيد على حساب حليفها حركة النهضة.
ويعتقد هؤلاء المتابعون أن قطر لن تتوقف عن الوساطة بين النهضة والرئيس التونسي، وخاصة تهدئة الخواطر بينه وبين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي يتولى رئاسة البرلمان.
ولم يستبعد أحمد نجيب الشابي، السياسي والمعارض التاريخي، أن تبحث قطر عن التوسط بين قيس سعيد والنهضة للتقريب بينهما باعتبار أن النهضة حليفة قطر المفضلة.
وأضاف الشابي في تصريح لـ”العرب” أن النهضة تشعر أن الصراع ببينها وبين قيس يضعفها، ولذلك تحاول قطر أن تحميها بالتوسط بينها وبين قيس سعيد لتهدئة الأمور وتعزيز موقع الحركة في الحكم، وهو ما يخدم مصلحة قطر.
لكنّ الرئيس التونسي عمل في أكثر من مرة على الفصل بين المسارين ورفض محاولة مزج الدعم الخارجي بأيّ ملفات خارجية، وخاصة ما تعلق بالنهضة وقطر.
وألمح الرئيس التونسي خلال المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده مع أمير قطر في فبراير الماضي إلى تلك الوساطة وفشلها، عندما قال إن “تونس هي دولة كل التونسيين، ولا مجال لأن يبحث أيّ طرف عن تحالف مع أطراف خارجية لحسم قضيته مع خصمه السياسي، وواهم كل من يعتقد أن بإمكانه البحث عن خلاف ومخطئ للعنوان”.
ويبدو أن أمير قطر سعى خلال زيارته الأخيرة إلى وساطة بطلب من الغنوشي الذي عمل على الاستقواء بحليفه القطري للضغط على قيس سعيّد بعد الأزمة التي أثيرت بسبب رفض الرئيس التونسي تدخل رئيس البرلمان في صلاحياته وخاصة منها الخارجية حين سعى الغنوشي إلى الإمساك بملف العلاقات الخارجية والزج بتونس في الحلف التركي القطري، وهو ما رد عليه قيس سعيد بقوة حين قال إن لتونس رئيسا وحيدا.