كريتر نت – العرب
يستهدف مشروع قانون للحكومة الفرنسية ضد التطرف الإسلامي خنق الجمعيات الإسلامية من بوابة التمويل والمساجد والتعليم، بالإضافة إلى معاقبة المحرضين على الكراهية عبر الإنترنت، في وقت حث فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أئمة المساجد في فرنسا على حفظ صورة الإسلام باعتباره دينا وأقرّ بوجوب ألا يتحول إلى حركة سياسية مرتهنة بالتمويل والأجندات الخارجية.
وجاء في مشروع القانون، الذي ينتظر أن يضع ضوابط صارمة لأنشطة الجمعيات الإسلامية، أن التبرعات الأجنبية التي تتجاوز 10 آلاف يورو موارد يجب التصريح بها لجهاز الضرائب.
ومن شأن هذا السقف المالي أن يفتح أعين الرقابة الفرنسية على حركة الأموال التي باتت ظاهرة للعيان لدى الكثير من الجمعيات الإسلامية التي تعيش في بحبوحة سياسية ومالية ونفسية منذ عقود، كما سيتم التدقيق في الجهات الخارجية التي تدعم هذه الجمعيات وكيفية وصول الأموال، في ظل شكوك تحوم حول استفادتها من شبكات تبييض أموال عابرة للقارات.
وبدأت بعض الدول تنأى بنفسها عن هذه القضية تحسبا لتوصل المحققين الفرنسيين إلى وجود صلات بينها وبين جمعيات خيرية ومراكز إسلامية ومدارس تعليم واتحادات طلابية. وأولى هذه الدول قطر التي باتت تبحث عن “وساطات” لتهدئة الغضب الفرنسي على إمبراطورية إسلامية مترامية النفوذ وشبكات التأثير داخل الجالية في فرنسا وخارجها.
ويقول خبراء في الحركات الدينية بفرنسا إن المطلوب الآن ليس فقط تقصي مصدر الأموال الموجودة وكيفية صرفها واستثمارها، وإنما لا بد أيضا من العودة بأثر رجعي لمعرفة سر الثروات الكبيرة التي بحوزة جمعيات ممثلة لجالية أغلب أبنائها يمتهنون مهنا هامشية، فكيف يمكن لتبرعات من أشخاص محدودي الدخل أن تمكن الجمعيات من امتلاك مشاريع كبرى وعقارات ومطاعم؟
وبدأ الحرص الفرنسي على تفكيك ما أسماه ماكرون بـ”الانعزالية الإسلامية” يجد تفاعلا أوروبيا لافتا، خاصة من النمسا التي اتهمت الإخوان المسلمين بأنهم يوفرون الحاضنة الدينية والسلوكية للتشدد وقامت بحملة لاعتقال العشرات من أنصار جماعة الإخوان.
وطالبت شذا إسلام -الباحثة المتخصصة بشؤون المسلمين في الاتحاد الأوروبي- بإنهاء الاستعانة بمصادر خارجية في علاقة مسلمي أوروبا بزعماء الدول الإسلامية.
وقالت إسلام، التي تدير مركز أبحاث في بروكسل، “ليس لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولا لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أي مصلحة حقيقية في تحسين حياة مسلمي أوروبا كما أنهما لا يشاركانهم مخاوفهم وأولوياتهم وقيمهم”.
وكتبت بعد الهجمات الأخيرة في فرنسا والنمسا “في الحقيقة إن العديد من المسلمين الأوروبيين فروا من هذه البلدان (بلدانهم الأصلية) بحثًا عن مأوى في أوروبا، وآخر شيء يحتاجونه هو مشورة من القوى الأجنبية”.
ويشير الخبراء إلى أن النموذج الفرنسي في مكافحة التشدد كظاهرة متعددة الوجوه سيكون منهاجًا تسير عليه أوروبا، وتتمثل خطورة فرنسا بهذا الخصوص في أن جهازها الحكومي متماسك على عكس دول أخرى مثل بريطانيا، وأنه لن يكون رقيبا سياسيا حسب الأهواء، بل رقيبا قانونيا وماليا تفصيليا لا يخضع لأي ضغوط واعتبارات سوى اعتبار القانون ومصالح الدولة الفرنسية.
وقبل أسابيع، وضع ماكرون خطة لمواجهة ما أطلق عليه “الانعزالية الإسلامية” في الأحياء الفرنسية الفقيرة التي تهدف إلى إنشاء “مجتمع مضاد” تسوده الشريعة الإسلامية.
وقدم الرئيس الفرنسي أمثلة على تنامي النزعة الطائفية، منها مثال أطفال من عائلات مسلمة شديدة المحافظة أُخرجوا من المدرسة، وجمعيات رياضية وثقافية تستعمل لتلقين الشباب أفكارا متطرفة.
ويهدف مشروع القانون الفرنسي في مقاومة التطرف أيضا إلى مكافحة الكراهية على الإنترنت، وضمان “المثول الفوري” للمتهمين أمام القضاء.
ويوجد فصل “ضد الانقلاب” ويهدف إلى تجنب سيطرة متشددين على المساجد، ومنع أشخاص من ارتياد أماكن العبادة “في حال الإدانة بالتحريض على أفعال إرهابية أو التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف”.
ويحظى موضوع المساجد باهتمام كبير من قِبل الرئيس الفرنسي في ظل تحولها إلى فضاء للاستقطاب والتحريض على العنف والكراهية والحض على بناء “مجتمع إسلامي” مغلق داخل المجتمع الفرنسي.
وأعلن قصر الإليزيه أنّ ماكرون استقبل مساء الأربعاء مسؤولي الديانة الإسلامية في فرنسا الذين عرضوا أمامه، بناءً على طلبه، الخطوط العريضة لتشكيل مجلس وطني للأئمة يكون مسؤولاً عن إصدار الاعتمادات لرجال الدين المسلمين في فرنسا وسحبها منهم عند الاقتضاء.
وقالت الرئاسة الفرنسية إنّ ماكرون طلب أيضا من محاوريه أن يضعوا في غضون 15 يوما “ميثاقا للقيم الجمهورية” يتعيّن على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والاتحادات التسعة التي يتألف منها الالتزام به.
وشدّدت الرئاسة على أنّ ماكرون أمهل مسؤولي المجلس مدة أسبوعين ليُحضروا له هذا الميثاق، مؤكّدةً بذلك معلومات نشرتها صحيفتا “لوفيغارو” و”لو باريزيان”.
وطلب الرئيس الفرنسي من محاوريه أن يتضمّن الميثاق تأكيدا على الاعتراف بقيم الجمهورية، وأن يحدّد أنّ الإسلام في فرنسا هو دين وليس حركة سياسية، وأن ينصّ على إنهاء التدخّل أو الانتماء إلى دول أجنبية.
ويأمل ماكرون من وراء تشكيل المجلس الوطني للأئمة أن ينهي في غضون أربع سنوات وجود 300 إمام أجنبي في فرنسا “مبتعثين” من تركيا والمغرب والجزائر.
وفي اجتماعه مع قادة الديانة الإسلامية قال ماكرون لممثّلي الاتحادات التسعة المنضوية في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إنّه يعلم أنّ عددا منها لديه مواقف غامضة من هذه الموضوعات، مشدّدا أمامهم على أنّه من الضروري “الخروج من هذا الالتباس”.
ومن بين هذه الاتّحادات التسعة التي تمثّل قسما كبيرا من مسلمي فرنسا هناك ثلاثة اتحادات لا تعتمد “رؤية جمهورية”، وفقا للإليزيه .
وحذّر ماكرون محاوريه من أنّه “في حال لم يوقّع البعض على هذا الميثاق، فسنستخلص النتائج”، مشيرا إلى أنّه “أخذ علمًا بمقترحاتهم”.
ولن يكون مجلس الأئمة مخوّلاً له إصدار التصاريح للأئمة ومنحهم بطاقة رسمية فحسب، بل سيكون قادرا أيضا على سحب هذه البطاقات منهم إذا خرقوا “ميثاق قيم الجمهورية” وشرعة أخلاقية سيتم الاتفاق عليها.
واعتمادا على دور كلّ منهم: إمام صلاة وخطيب مسجد وداعية، سيتعيّن على كلّ إمام الإلمام بمستوى مختلف من اللغة الفرنسية وحيازة شهادات دراسية يمكن أن تصل إلى المستوى الجامعي.
ومن شأن انضمام المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى هذه المبادرة أن يشكّل انتصارا لماكرون الذي تعرّض لهجوم عنيف بسبب تصريحاته تجاه الإسلام المتطرف.